وثيقة "الأخوّة الإنسانية" مجدداً

وثيقة "الأخوّة الإنسانية" مجدداً

وثيقة "الأخوّة الإنسانية" مجدداً


05/02/2023

رضوان السيد

لا شك في الأهمية الكبرى للإنجاز الذي تحقّق بسبب مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جمع البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب في أبوظبي بتاريخ 4 فبراير 2019 على وثيقةٍ أو شراكةٍ غير معهودةٍ من قبل تحت عنوان «وثيقة الأخوَّة الإنسانية». لقد عاد البابا والإمام إلى الأصل الإنساني الواحد الذي يقتضي مقاربةً أخلاقيةً وإنسانيةً واحدةً. وقد اعتبرَا أنَّ شخصيةَ أبي الأنبياء إبراهيم، بما تشير إليه من قيم التوحيد والتسامح والود والضيافة، هي الدافعة إلى هذا التوسيع الشاسع لنطاق الإنسانية والكرامة والحياة الفاضلة.

    ومن الواضح أننا نحن المسلمين كنا محتاجين إلى هذه المبادرة وهذه الخطوة باتجاه شراكات القِيم مع كل الديانات في العالَم، والبدء بالديانات الإبراهيمية باعتبار أنّ القواسم المشتركة الكثيرة تُعينُ على الانطلاق منها بدوافع الرحمة والودّ والقاعدة الذهبية في «أن تُحبَّ لأخيك ما تحبه لنفسك». فاجأتنا سنوات التطرف والإرهاب التي أساءت إلى الإسلام في العالَم، وكان على كبار المسلمين وهم يصارعون الإرهاب مع العالَم بالداخل، أن يبحثوا عن شراكاتٍ تحتاج إلى النزاهة والشجاعة.

وما كان ذلك سهلاً ولا مقدوراً عليه. وقد قلتُ من قبل إنني قرأت عام 2016 مجلة Islamo- Christiana التي يصدرها الفاتيكان، فوجدت فيها عشرات الاستطلاعات شارك فيها كهنةٌ من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين وباحثون ومعنيون بالأديان وحقوق الإنسان، تناولوا فيها أوضاع المسيحيين في هذه البلدان المشرقية، والأقليات الأُخرى المضطهدة والمستعبدة.

وفي العام نفسه، وإحساساً بإلحاح التحديات، مَضينا من أبوظبي إلى مراكش، حيث أقام الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم، بالتعاون مع وزارة الأوقاف المغربية، مؤتمراً حافلاً حضره مسيحيون كثيرون، صدر بنتيجته إعلان مراكش لحقوق الأقليات.  

  وجاء البابا فرنسيس إلى مؤتمرٍ للسلام أقامه الأزهر بمصر في بداية العام 2018، وصدر بيان مشترك طيب.

كان البابا بين قلةٍ من الزعماء الدينيين الذين أدركوا مشكلات المسلمين مع انشقاقاتهم وأنفسهم ومع العالم منذ تولى الكرسي البابوي عام 2013. ولطالما تحدث عن الهجرة وعن الجوار والضيافة وعن سلام الأديان والإنسان.

وقد فهمتُ من محيط شيخ الأزهر أنهم هم الذين عرضوا فكرةَ البيان المشترك الكبير قبل عامٍ ونصفِ عام من إقامة الاحتفال له بأبوظبي بمبادرةٍ من الشيخ محمد بن زايد. وكما سبق القول أيضاً، فإنّ البيان تجاوز الإعلانات إلى الوثيقة التي تستحقُّ اسمَها لأنها عهدٌ موثق على برنامجٍ كاملٍ يستعرض المشكلات العالمية كافة التي تهدد بقاء البشرية. وهو ذو ثلاثة جوانب: الجانب الذي يتعلق بعودة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين بعد الاضطراب الذي حدث في عهد البابا بنديكتوس بسبب محاضرته عام 2006.

والجانب الثاني الوصول إلى برنامج مشترك أساسه الأخوّة الإنسانية التي لم تكن مطروحةً بهذا الوضوح من قبل رغم كثرة الحوارات. والجانب الثالث الالتزام بدعوة البابا والإمام للديانات الأخرى وقادة العالَم إلى استقبال هذا البرنامج لإنقاذ البشرية.    المقاربة بحدّ ذاتها دينية وأخلاقية، لكنها تلقت دعماً استراتيجياً قوياً من الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات. ثم صار تاريخ توقيع الوثيقة يوماً عالمياً للتسامح والأخوّة عندما طلبت ذلك دولةُ الإمارات، فأقرتها لها الجمعيةُ العامة للأُمم المتحدة.

إنه مسعىً كبير من أجل السلام العالمي، ومقدمة لسلام الأديان بعد أن التقى الكاثوليك والمسلمون على ذلك. وبالطبع ما انتهت المشكلات بين الديانات ولا في العالم، بيد أنّ أحداً ما عاد يستطيع استخدام الدين في الحروب بسهولة. كما أنّ استراتيجيات شروط خروج البشرية من المأزق صارت واضحةً تماماً، ليس لدى قادة الدول والمنظمات العالمية فقط، بل ولدى القادة الدينيين أيضاً. 

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية