وثائقي نصر أبو زيد وقصة صرخة كبرى

وثائقي نصر أبو زيد وقصة صرخة كبرى

وثائقي نصر أبو زيد وقصة صرخة كبرى


31/01/2023

فهد سليمان الشقيران

بثت شبكة قنوات «العرببة» قبل أيام أحد أهم الوثائقيات عن المفكر الكبير نصر حامد أبو زيد ضمن سلسلة «محاكم التفكير» وقد علقّتُ عليه وقلت إن الدكتور «نصر» من القلائل الذين واجهو الحركة الأصولية منذ مهدها وبخاصةٍ في كتابه المدوي «نقد الخطاب الديني»، وهذا يذكرني ببرامج ووثائقيات شارك فيها ليتحدث عن قضية التكفير المجنونة التي هزت مفكري العالم. 
ضمن برنامج «حوار العمر»٬ أجرت جيزيل خوري٬ عام 1999 ندوًة تلفزيونّية جمعت كلاً من نصر حامد أبو زيد٬ ورضوان السيد٬ وعلي حرب. أبو زيد كان مهموماً بالمشكلات التي تعتري الخطاب الديني منذ أوائل التسعينيات الميلادية٬ وقد تسببت أعماله بسيٍل من المداخلات والبحوث والكتب النقدية٬ وكان «علي حرب» من أهم نّقاده. في مداخلته٬ تحّدث «حرب» عن مشكلة طرح «أبو زيد»٬ معتبراً إياه «داعية ومبشراً»٬ ثم يستدرك: «أبو زيد يريد أن يغّير من فهم الناس للإسلام٬ وهذا أمر مستحيل».
بالطبع هنا ينطلق «علي حرب» من أرضيته التي دافع عنها منذ بدايات كتاباته النقدية٬ وهي أرضية تعتمد على الإفادة والتداخل مع فلسفات الاختلاف والحداثة البعدية٬ وهو من المفّكرين الكبار في هذا المجال٬ انطلق من مفاهيم الاختلاف بوصفها الحداثة الصاعدة الناعية للحداثة الكلاسيكية٬ لا ترى مثلاً في تغيير فهم الأديان مشروعاً مهماً٬ ذلك أن الثقافات التي تحملها الشعوب٬ والأديان بكل محتوياتها٬ هي فضاء خاص للمؤمنين بها٬ ولا معنى لوضع مركزّية محددة٬ بل تتساءل عن سبب كون الإرث الفرنسي أهم من الإرث البرازيلي أو الإندونيسي… وهكذا.

وبالتالي٬ الدين ليس من اهتمامات الحداثة البعدية بوصفه معياراً للحقيقة٬ أو ميداناً للدخول إلى التنوير. من هنا كان الخلاف بين وجهتي النظر العربّيتين «نصر» من جهة٬ و«حرب» من جهٍة أخرى٬ نظرة ترى إمكان إيجاد قراءات أخرى تتواءم مع العصر٬ ونظرة أخرى لا ترى أهمية للمثقف الشامل المسؤول عن الخراب والدمار٬ والمهووس بذاته وبالحقائق الخشبية التي يحملها.
سيأخذ فضاء ذلك النقاش حّيزه٬ لكن ضمن مناٍخ آخر٬ عبر ندوة نقاشّية أخرى بين جاك دريدا وجياني فاتيمو٬ طبع النقاش بكتاٍب تحت عنوان «الدين في عالمنا».
الفكرة الأساسية أن الدين في الحالة الحداثية البعدية لم يعد موضوعاً مركزياً يعنى به الفيلسوف كما عني به فيورباخ وكانط وهيغل ونيشته٬ بل بات من ضمن ما تجاوزت الحداثة البعدية الاهتمام به.
مع تصاعد الفكر الإرهابي منذ أواخر التسعينيات٬ الذي بلغ ذروته مع أحداث 11 سبتمبر٬ أصبح الحديث عن الإسلام السياسي والخطاب الديني أساسياً في الندوات الفلسفية والأبحاث والدراسات. وجاك دريدا نفسه تحّدث عن الإرهاب ومفاهيمه المجاورة من خلال ندواٍت وكتابات ومقابلات. 

لا يمكن الشعور بالترف ونحن نبحث عن الأسس المبتغاة لصناعة استراتيجية وفكرة عن الإرهاب في عالم اليوم٬ وهو إرهاب متداخل. ثمة جاذبية من نوع خاص نحو القيام بأعمال نوعية غير مقلّدة٬ من نوٍع خاص وجديد٬ إرهاب معظمه يتضمن مرجعية دينية إجرامية من «حزب الله» إلى «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» و«بوكو حرام» و«الحرس الثوري» و«الحوثية» المتسلطة، ولا شك نصر أبو زيد كان مقداماً وشجاعاً في مواجهة كل هذه الفلول في بواكير نموها.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية