لا تزال العودة إلى "المسار الدبلوماسي" بخصوص الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، تواجه عقبات عديدة كما أنها تخضع لاعتبارات أو بالأحرى تعقيدات متفاوتة، في ظل المقاربة السياسية والإقليمية التي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تنفيذها، بالإضافة إلى الشروط التي يتبادلها الطرفان بهدف الوصول إلى طاولة المفاوضات.
تهديدات إيران وشروط أمريكا
وبينما أصدر البرلمان الإيراني الذي يحوز غالبيته أعضاء من الجناح الراديكالي القريب من الحرس الثوري، قانوناً يحظر على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، في أعقاب اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، فإنّ رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، أعلن، قبل انتهاء المهلة التي حددتها، طهران، لمنع مفتشي الهيئة الدولية، أنّ إيران وافقت على تمديد وصول مفتشي الأمم المتحدة إلى مواقعها النووية لمدة ثلاثة أشهر.
وأوضح الناطق بلسان وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، أنّ اجتماعات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "أدت إلى إنجاز دبلوماسي مهم وإنجاز تقني مهم"، كما كشف مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن الوصول إلى "حل مؤقت" مع طهران بشأن أنشطة التفتيش، لافتاً إلى أنّه "اتفق مع المسؤولين الإيرانيين على أن تواصل الوكالة الأنشطة الضرورية للتحقق والمراقبة لما يصل إلى ثلاثة أشهر".
وقال غروسي: "حصلنا على نتيجة جيدة معقولة من المحادثات في إيران، بيد أنّ وتيرة وصول المفتشين إلى المواقع النووية الإيرانية ستتراجع، ولن يكون هناك مزيد من عمليات التفتيش المفاجئة، لكن ستظل إيران تسمح للوكالة بمراقبة برنامجها النووي".
جنرال أمريكي: الجهود الدبلوماسية ضرورية مع إيران بالتوازي مع الاستعداد العسكري، ولا بد من احتواء الصواريخ الباليستية التي تمثل مصدر قلق كبيراً
وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، فإنّه تبعاً للتطورات السياسية والأمنية المتصاعدة في المنطقة، التي فاقمت من اتساع فجوة الثقة بين واشنطن وطهران، ستكون "عودة بايدن للاتفاق النووي لعام 2015 معقدة الآن.
ورغم الدعوات للبدء بجولة مفاوضات جديدة، فإنّ إيران لا تكف عن سلوكها العدواني؛ فعلى سبيل المثال، استولى الحرس الثوري الإيراني على ناقلة نفط كورية جنوبية في مياه الخليج العربي، وهو ما سوف يتسبب في تجميد البنوك الكورية الجنوبية لمدفوعات النفط المتراكمة، وذلك استجابة من الأخيرة لضغوط الولايات المتحدة، وغالباً ما اعتمدت إيران على مثل هذا السلوك العدواني للضغط على الولايات المتحدة قبل دخولها المفاوضات، إذ إنّها تدرك جيداً أن إبرام أيّ اتفاق جديد لا يتضمن برنامجها للصواريخ البالستية أو رعايتها للميليشيات، لن تقبله دول الخليج العربي وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة".
منع مفتشي الطاقة الدولية
وتلفت وكالة "رويترز"، إلى أنّه في حال مواصلة طهران تفعيل قانون منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى "المواقع التي يرتأون زيارتها بعد إعلام السلطات بوقت قصير"، فسيكون هناك "رد صارم" على ذلك، وقد شدد البيان الرباعي المشترك "الأمريكي، والفرنسي، والبريطاني، والألماني"، الصادر نهاية الأسبوع الماضي، على أنّ اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع كان محدداً بخصوص "تحذير إيران من السير في طريق خطرة".
كما أوضح قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي، أنّ "الجهود الدبلوماسية ضرورية مع إيران بالتوازي مع الاستعداد العسكري"، مؤكداً على أنّه "لابد من احتواء صواريخ إيران الباليستية التي تمثل مصدر قلق كبيراً".
وعليه؛ قال عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، مطلع الأسبوع الجاري، إنّ إيران تدرس مقترحاً من الاتحاد الأوروبي بعقد اجتماع "غير رسمي" بين الأعضاء الحاليين في اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 والولايات المتحدة، كما طالب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الوصول إلى آلية تهدف إلى تجاوز أزمة الاشتراطات بين واشنطن وطهران بخصوص من سيبدأ أولاً بالعودة إلى الاتفاق النووي، وقال إنه" يمكن لجوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، تنسيق الخطوات المستقبلية".
د. هاني سليمان لـ"حفريات": نحتاج إلى مراجعة وتقييم ورصد لرد الفعل الإيراني على المبادرة الأمريكية التي صاغها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن
وتابع نائب وزير الخارجية الإيراني: "ندرس اقتراح جوزيب بوريل عقد اجتماع غير رسمي لأعضاء الاتفاق النووي 5 + 1 مع الولايات المتحدة وإيران، ونتشاور مع شركائنا، بما في ذلك روسيا والصين، وسنرد على هذا الاقتراح في المستقبل، رغم أنّنا نعتقد أنّ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لا تتطلب اجتماعاً وأن السبيل الوحيد لها هو رفع العقوبات".
اقرأ أيضاً: هذه الملفات تسبق الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران... والمعتقلون في مقدمتها
ومن جانبه، يرى مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في القاهرة، الدكتور هاني سليمان، أنّ مستقبل الاتفاق النووي يعتمد على عدة محاور؛ من بينها، مدى تبني الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لاستراتيجية واضحة ومتكاملة؛ تتضمن السيناريوهات والبدائل للتعامل مع إيران، وأن تكون تلك البدائل أو المقترحات مرنة وقادرة على التعاطي مع الاحتمالات والنتائج المختلفة.
ويضيف لـ"حفريات" بأنّ "العقلية الإيرانية متشددة وبها قدر من التمسك باستراتيجية صفر تنازلات، وهو ما يحتاج في المقابل إلى سياسة واضحة ومباشرة، مثل التي اتبعها ترامب، بغض النظر عن تقييمها".
ويردف مدير المركز العربي للبحوث والدراسات: "نحتاج إلى مراجعة وتقييم ورصد لرد الفعل الإيراني على المبادرة الأمريكية التي صاغها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بينما أعقبتها تسهيلات متمثلة في حرية انتقال البعثات الدبلوماسية الإيرانية، وسحب مذكرة العقوبات الأممية "سناب باك"، التي فرضها في السابق دونالد ترامب؛ وهي إجراءات اعتبرتها، جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بمثابة خطوات للعودة للتفاوض وليست تنازلات، وهنا النقطة الأساسية؛ إذ كيف ستقرأ إيران تلك الإجراءات؟ وهل ستدرك مغزى الرسالة بشكل صحيح؟ فدائماً ما كانت هناك تفسيرات خاطئة يقع فيها المسؤولون الإيرانيون، تتمادي على إثرها طهران في أنشطتها، السياسية والميدانية، ما يجعلها تمضي نحو أهدافها الخاصة، وقد لاحظنا حسين أمير عبد اللهيان، نائب رئيس البرلمان الإيراني، يصرح بلهجة عنيفة، مؤخراً، بخصوص تنفيذ التهديدات بمنع هيئة التفتيش الدولية من الوصول للمواقع النووية".
اقرأ أيضاً: الإرهابان الإيراني والداعشي يقوّضان هيبة الدولة العراقية
ويعتقد سليمان أنّ زيارة رفائيل جروسي لإيران، تعد "انتكاسة كبيرة في المفاوضات، وسوف تؤبد فكرة الاستعلاء الإيراني، وشرعنة تجاوزاته، بالإضافة إلى ارتخاء قبضة المجتمع الدولي في التعامل مع طهران"، لافتاً إلى أنّ "دول الخليج التي لديها مصالح مع واشنطن، والتي لديها ملاحظات ومخاوف موضوعية وواقعية تجاه السلوك الإيراني، سيكون لها دورها في ممارسة الضغوط على الإدارة الجديدة لوقف السلوك الإيراني غير المسؤول في اليمن، العراق، الخليج".