هل ينجح سلمان رشدي في تجميد المفاوضات مع طهران؟

هل ينجح سلمان رشدي في تجميد المفاوضات مع طهران؟


24/08/2022

رغم الموقف الرسمي الإيراني الذي لم يفصح عن تأييده، بصورة تامة، لمحاولة اغتيال الروائي البريطاني من أصل هندي، سلمان رشدي، والتي تورط في تنفيذها شاب أمريكي من أصل لبناني، يدعى هادي مطر، إلا أنّ الصحافة الإيرانية، خاصة الصحف المحافظة والمتشددة، احتفت بالحادث، كما هنأت الشاب الذي لا يتجاوز عمره 24 عاماً على شروعه في طعن الروائي، الذي ظلّ لقرابة ثلاثين عاماً يعيش بدم مهدور على خلفية فتوى للإمام الخميني.

"مبروك لهذا الرجل الشجاع"

وكتبت صحيفة "كيهان" الإيرانية، التي يجري تعيين رئيس تحريرها بواسطة المرشد الإيراني علي خامنئي: "مبروك لهذا الرجل الشجاع المدرك للواجب الذي هاجم المرتد والشرير سلمان رشدي". كما جاءت تغريدات المسؤولين الإيرانيين وتصريحاتهم تحمل لهجة أقل حدة وغير مباشرة، حيث غرّد مستشار فريق المفاوضين حول الملف النووي، محمد مراندي، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لن أذرف الدموع على كاتب يدين بكراهية واحتقار لا حدود لهما المسلمين والإسلام".

وأضاف: "رشدي بيدق إمبراطورية يتظاهر بأنّه روائي ما بعد الاستعمار".

وتساءل مراندي "أليس من الغريب أنّنا بينما نقترب من صفقة نووية محتملة، تزعم الولايات المتحدة أنّ هجوماً على (مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض جون) بولتون كان مخططاً له (...) ثم بعدها يحدث هذا؟".

الصحفي عمر كوجري: المتهم يدعم النظام الإيراني والحرس الثوري والتطرف الشيعي

وفي مقابلة بالفيديو من سجن مقاطعة تشوتاوكوا، قال مطر، المتهم باغتيال رشدي، من فيرفيو بولاية نيوجيرسي: "عندما سمعت أنّه نجا، فوجئت"، ثم نفى أن تكون فتوى الخميني هي السبب المباشر وراء قيامه بمحاولة اغتيال صاحب "أطفال منتصف الليل"، غير أنّه أكّد تقديره للإمام الخميني، بينما شدّد على عدم وجود صلات تربطه بالحرس الثوري الإيراني. وأردف: "أنا لا أحبّ هذا الشخص (يقصد سلمان رشدي) ولا أعتقد أنّه شخص جيد جداً. أنا لا أحبه كثيراً. إنّه شخص هاجم الإسلام".

بيد أنّ هناك معلومات استخبارية ألمحت إلى وجود شبهة تعاون، بالفعل، جمعت مطر بعناصر تابعين للحرس الثوري، حسبما كشف موقع "فايس"، والذي ذكر على لسان مسؤولين في أجهزة الاستخبارات (لم يكشف عن هويتهم)، أنّ هادي مطر كان على اتصال مباشر مع أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عبر منصات التواصل الاجتماعي.

هناك معلومات استخبارية ألمحت إلى وجود شبهة تعاون، بالفعل، جمعت مطر بعناصر تابعين للحرس الثوري، حسبما كشف موقع "فايس"، والذي ذكر على لسان مسؤولين في أجهزة الاستخبارات

ووفق الموقع ذاته؛ فإنّ مسؤولاً في مكافحة الإرهاب بإحدى الدول الأوروبية، أكد أنّ الهجوم على رشدي كانت له كلّ خصائص "الهجوم الموجه". كما نقل الموقع عن مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط قوله إنّ اتصال هادي مطر بأعضاء فيلق القدس أو المرتبطين بهذا الفيلق في مرحلة ما قبل الهجوم واضحة. وتابع: "مدى التورط وأبعاده غير واضحة، وليس معروفاً ما إذا كان هذا الاغتيال مدعوماً بشكل مباشر أم إنّه تم استخدام سلسلة من الاقتراحات والإرشادات لاختيار الهدف".

وتحمل فتوى الإمام الخميني ضدّ سلمان رشدي دعوة تحريضية صريحة على القتل. وتقول: "فليعلم كلّ الشعب المسلم فى العالم أنّ مؤلف كتاب آيات شيطانية، المعادي للإسلام، وللنبي وللقرآن، وكل المتورطين فى نشره والعارفين بمحتواه، محكوم عليهم بالموت، وعلى كلّ المسلمين تنفيذ الحكم عليهم أينما وجدوا".

وأضاف في فتوى أخرى: "حتى لو تاب سلمان رشدي وأصبح الرجل الأكثر تقوى في كلّ العصور، فإنّه يتعين على كل مسلم أن يوظف كلّ ما يمكنه، حياته وماله، لإرساله إلى الجحيم".

ما علاقة فيلق القدس؟

ويشير الصحفي والشاعر، عمر كوجري، إلى أنّ الروائي سلمان رشدي ظلّ لنحو ثلاثة عقود يعيش تحت وطأة التهديد بالقتل بعد فتوى الخميني التي أباحت قتله، موضحاً، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ الشخص الذي حاول اغتيال الروائي رشدي كان قد نشر عدة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم "أهداف النظام الإيراني والحرس الثوري والتطرف الشيعي".

الموقف الرسمي الإيراني المعلن، إلى الآن، هو "أقرب للصمت"، وفق كوجري.

 الروائي سلمان رشدي ظلّ لنحو ثلاثة عقود يعيش تحت وطأة التهديد بالقتل بعد فتوى الخميني

ويردف: "على سبيل المثال، المندوب الإيراني الدائم في الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، ظلّ صامتاً حينما طُلب منه التعليق على جريمة الاعتداء على رشدي، رغم أنّ الإعلام الإيراني الرسمي ثمّن هذا الاعتداء، وأعرب صحفي في صحيفة "كيهان" المقربة من النظام عن أمله في قطع رأس رشدي".

ويلفت كوجري إلى أنّ إيران، حالياً، محاطة بوضع دبلوماسي "غير مريح" بالنسبة لها، وذلك بسبب مشاكلها المعقدة مع المجتمع الدولي، تحديداً فيما يخص برنامجها النووي، ولهذا فمن المستبعد أن يتورط قادة الصفّ الأول بالنظام في إعلان مواقف تفاقم من عزلتهم الدولية، خاصة أنّ طهران متورطة في دعم الإرهاب، عبر أذرعها الطائفية، في مختلف الدول بالمنطقة والعالم، ومنها اليمن ولبنان والسعودية وسوريا والعراق.

إلى ذلك، طالب السيناتور الجمهوري البارز تيد كروز، عضو لجنة العلاقات الخارجية، إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتجميد المفاوضات مع نظام طهران إثر محاولة اغتيال سلمان رشدي على أيدي عناصر مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

المحلل السياسي زياد سنكري لـ"حفريات": محاولة اغتيال سلمان رشدي تأتي في أسوأ توقيت للنظام الإيراني؛ بعد كشف الأجهزة الأمنية الأمريكية محاولة الحرس الثوري الإيراني اغتيال جون بولتون

وغرد كروز على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "يحاول النظام الإيراني قتل سلمان رشدي، منذ عقود، وقد أدى تحريضهم واتصالاتهم بهذا الإرهابي إلى حدوث هذا الاعتداء". وتابع: "هذا الهجوم الإرهابي الشرير تجب إدانته بالكامل، ويجب على إدارة بايدن أن تتوقف نهائياً عن استرضاء النظام الإيراني".

واتفق والرأي ذاته، السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، عضو لجنة المخابرات في الكونغرس، الذي قال إنّ إيران عرضت مكافأة لمن يغتال سلمان رشدي الذي تعرض للطعن في أمريكا، متسائلاً عن رغبة الرئيس بعقد صفقة مع من أسماهم "إرهابيين في طهران".

واصطف آخرون مع هذا الاتجاه في الكونغرس ضد طهران، حيث قال السيناتور الجمهوري، توم كوتون، إنّ قادة إيران يطالبون بقتل سلمان رشدي منذ عقود، لافتاً إلى محاولات اغتيال مسؤولين أمريكيين، ومن ثم، طالب بايدن بضرورة وقف المفاوضات فوراً مع "النظام الإرهابي"، بحسب توصيفه.

تحركات رمزية

ويعقّب الصحفي والشاعر عمر كوجري على موقف أعضاء الكونغرس حيال طهران؛ بأنّ هناك "بعض النواب في الكونغرس الأمريكي لديهم موقف واضح وجادّ بشأن تعطيل المفاوضات التي تجري مع النظام الإيراني، رغم محاولات المجتمع الدولي إحياء الاتفاق النووي، كما أنّ المجتمع الدولي يطالب بتخلي إيران عن برنامجها النووي، والحدّ من قدراتها الدفاعية والعسكرية، وكذا قدراتها في إنتاج الصواريخ الباليستية".

ويتابع: "إيران، وبسبب الأوضاع الاقتصادية المتسببة في الاحتجاجات الشعبية، التي وصلت إلى حدودها القصوى، ستكون مضطرة للقبول بشروط المجتمع الدولي وإحياء "خطة العمل المشتركة"".

ويرجح المصدر ذاته أن تفشل مواقف أعضاء الكونغرس في تحقيق النتيجة المطلوبة؛ حيث إنّ الرئيس بايدن يختلف عن الرئيس السابق ترامب فيما يخصّ تعاطيه مع الملف النووي الإيراني، ومن المعروف أنّ الإدارة الديمقراطية حاسمة في خطواتها الدبلوماسية لإنهاء المفاوضات وإحياء الاتفاق النووي.

وفي حديثه لـ "حفريات"؛ يوضح المحلل السياسي، المقيم في واشنطن، زياد سنكري؛ أنّ محاولة اغتيال سلمان رشدي تأتي في "أسوأ توقيت" للنظام الإيراني؛ فالعملية حصلت بعد أيام من كشف الأجهزة الأمنية الأمريكية محاولة الحرس الثوري الإيراني اغتيال مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، وذلك في وقت تمر فيه المفاوضات النووية بمرحلة حساسة جداً.

وفيما يتصل بتحركات النواب في الكونغرس الأمريكي ضدّ إيران، يرى سنكري أنّها مجرد "تحركات رمزية" حتى الآن؛ إذ إنّ الأمور تبقى بيد الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن بشكل أساسي. ويردف: "فالرئيس بايدن بدأ يراجع حساباته بخصوص الملف الايراني، لا سيما مع اقتراب الانتخابات النصفية التي من شأنها أن تحدد مسار حكم الرئيس بايدن في الفترة المتبقية من ولايته، الأمر الذي بدأ يشكل لحظة مفصلية في توجهات البيت الأبيض".  

كما أنّ التوقعات كانت تشير إلى أنّ الحزب الجمهوري سيفوز بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، لكنّ الأحداث الأخيرة، وأبرزها مداهمة منزل الرئيس ترامب، منحت الأمل، من جديد، للحزب الديمقراطي، وفق المحلل السياسي المقيم في واشنطن،  وقد أشارت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، إلى أنّ الحزب الديمقراطي له "حظّ كبير بأن يحوز على أغلبية مجلس الشيوخ، وأن تذهب الأغلبية في مجلس النواب إلى الحزب الجمهوري. وكلّ هذه الأسباب تدفع بالرئيس بايدن إلى أن يكون أكثر حذراً في مقاربته للملف الإيراني حتى لا يستخدمه الجمهوريون في الحملة الانتخابية ضده، مع الوضع في الاعتبار أنّ الرأي العام الأمريكي لا يرجح أيّ اتفاق مع النظام في طهران، وينظر إليه بشكل سلبي، خاصة بعد الانسحاب غير المدروس من أفغانستان، والذي شكّل مادة للجمهوريين لرسم صورة ضعيفة وهشّة عن إدارة بايدن الخارجية، وفشله في مواجهة الأنظمة التي تكنّ العداء لواشنطن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية