هل ينجح إخوان لندن في بعث الروح في تنظيم يترنح؟

إثر وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان في لندن، إبراهيم منير، العام الماضي، بعد صراع محتدم وانقسام هائل بين جبهتي لندن واسطنبول، فإنّ الجبهة الأخيرة اعتبرت الأمر قد حسم لصالحها من تلقاء نفسه. لكنّ مجموعة لندن لم تترك لحظة الخريف تغلق الدائرة عليهم، بينما تضعهم في تبعية قسرية من دون إرادتهم، لا سيّما في ظل إعادة البناء التنظيمي، ومراجعة خطط العمل وشبكات المصالح والتحالفات، ثم إمكانية التموضع السياسي، محلياً وإقليمياً. وعليه، قدمت لندن صلاح عبد الحق في المنصب الذي تركه منير.

الجماعة بين الدعوة والتنظيم

وفي ما يبدو أنّ شخصية القائم بأعمال المرشد الجديد، كان اختيارها مقصوداً ومتعمداً لأغراض عديدة وبراغماتية، إذ إنّ صلاح عبد الحق يحقق جملة شروط، منها ابتعاده عن الدوائر والأسماء التي باتت مستهلكة، وعدم ارتباطه بأيّ من الحوادث التي تعرضت لها الجماعة في العقد الأخير، تحديداً بعد سقوط حكم محمد مرسي في مصر بفعل ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013. ولذلك اعتبرت المنصة الرسمية لجبهة لندن أنّ الرجل الجديد يمتلك عدة سمات مطلوبة، مرحلياً، باعتباره شخصية "دعوية" و"هادئة" و"حازمة في المواقف".

الظهور المباغت لشخصية "دعوية" يبعث سؤالاً إجرائياً حول قدراته التنظيمية، وهو سؤال مفتوح بلا إجابة على أهميته الملحة والقصوى. لكن التشظي الحركي للجماعة الذي تعانيه، للمرة الأولى، بهذه الدرجة، مقارنة بكل "المحن" التاريخية، يجعلها تضع أولوية إيجاد إطار مرن، حتى لو مؤقت، للتعاطي مع تعقيدات الوضع السياسي وإعادة المحركات التنظيمية لسوابق عهدها. فالرجل السبعيني، الذي سبق وتولى الملف التربوي للجماعة، وعاش عقوداً في الخارج، يواجه معضلات جمّة، بداية من فقدان الثقة بين القواعد والقيادات، تراجع الدعم الإقليمي، أو بالأحرى خفوت الحاجة إلى دور الإسلام السياسي، وظيفياً، تآكل الحاضنة المجتمعية وتعري الكثير من رهانات الإسلاميين أمام القوى المرشحة لتأييدهم وقبول مقولاتهم ودعايتهم السياسية.

ولم تخف جبهة اسطنبول في رد فعلها على اختيار القائم بأعمال المرشد في لندن جانباً من هذه الملابسات، ولكن في إطار الانتقاد العنيف، وقد أكدت أنّ المناورات التكتيكية للجماعة في لندن لن تفلح في العبور لأيّ وضع آمن ومستقر. وقالت الجبهة بقيادة محمود حسين، إنّ "المحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة الإخوان الرسمية، أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات مدعاة بعيداً عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة، لن تفرض أمراً واقعاً ولن تجدي نفعاً".

شبكات المصالح في الخارج

وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسي محكم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا. وتنامى حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار. وقد حصلت شركات الإخوان المسلمون ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.

تنامى حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار

ويشير المركز الأوروبي، إلى أنّ اللورد مارلسفورد، النائب عن حزب المحافظين، سأل الحكومة في 26 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2021 عن تقييمها لتعيين إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، وما هو تقييمها لأيّ تهديد يمثله وجوده على الأمن القومي البريطاني والعلاقات الدولية؟ وجاء الرد في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) العام ذاته، حين قالت الحكومة البريطانية بأنها: ترفض التعليق.

إذاً، يدخل الوضع الحالي لجبهة لندن الإخوانية في إطار مرحلة يمكن تسميتها ب "الكمون وإعادة التموضع"، حسبما يوضح الباحث المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي؛ وهي المرحلة التي تعمل فيها الجبهة "على مسارين متوازيين، الأول يتمثل في إعادة بناء الهيكل التنظيمي الداخلي الخاص بها، والثاني يتمثل في بناء مقاربة جديدة للتعامل مع المتغيرات الإقليمية الراهنة والتي تنعكس بشكل كبير على تنظيم الإخوان وأفرعه وقادته في كافة دول العالم".

في ما يتعلق بالمسار الأول والخاص بإعادة بناء الهيكل التنظيمي الداخلي للتنظيم، نجد أن الجبهة سعت إلى سد أي "فراغات أو شغور تنظيمي قد تستغلها جبهة إسطنبول، ومن هنا جاء اختيار صلاح عبد الحق كقائم بأعمال المرشد العام، فضلاً عن اختيار محمود الإبياري -وفق تقارير إخوانية- كأمين عام للتنظيم الدولي، فضلاً عن سعي الجبهة لتشكيل مجلس شورى تنظيمي جديد، وهي إجراءات متسارعة تستهدف الجبهة من خلالها تحجيم واحتواء تحركات جبهة إسطنبول، وتعزيز الوزن النسبي لها في إطار الأزمة المشتعلة حالياً داخل تنظيم الإخوان"، حسبما يقول فوزي لـ"حفريات".

انتصارات نسبية وأهداف مرحلية

كذلك، فإنّ فلسفة اختيار الجبهة لقيادتها الراهنة تعكس جملة من الأهداف المرحلية لها؛ إذ إنّ اختيار صلاح عبد الحق كقائم بأعمال المرشد يأتي في إطار السمات الخاصة به، فهو رجل تربوي داخل الجماعة، ويحظى بقبول من سائر قيادات الجماعة وقواعدها، وفق الباحث المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، فضلاً عن أنّه كان بعيداً عن أزمة التنظيم الراهنة، وهي اعتبارات "تعزز من قدرته على تحقيق انتصارات نسبية للجبهة، من خلال الدعم الذي سيحظى به من قطاعات واسعة داخل التنظيم".

وفي ذات السياق يبدو أنّ اختيار "الإبياري" كأمين عام للتنظيم الدولي، يأتي في إطار الخبرة والعلاقات التي يتمتع بها على المستوى الخارجي، وكذا إدارته للعديد من المفاصل الاقتصادية الخاصة بالجماعة، بمعنى أنّ الجبهة تراهن على "الإبياري" في إدارة ملف التعامل مع المحيط الخارجي للجماعة، وإدارة اقتصادياتها.

أما المسار الثاني الرئيسي الخاص بجبهة لندن في الفترة الراهنة، فيتمثل في "إعادة التموضع على المستوى الخارجي وعلى مستوى الدول الحاضنة، وبناء مقاربة واضحة للتعامل مع المتغيرات الإقليمية الأخيرة وانعكاساتها على الإخوان"، بحسب فوزي. فعلى الرغم من الحضور الكبير لجبهة لندن وقياداتها في بريطانيا، إلا أنّ هذا الحضور يظل دائماً تحت وطأة تهديد الإجراءات البريطانية المتنامية لمواجهة وتحجيم التهديد والخطر الإسلاموي، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى البحث عن ملاذات آمنة بديلة.

وفي تقدير فوزي، فإنّ هذه الملاذات سوف تكون مرتبطة بالدول التي يحظى فيها المسلمون بتواجد كبير، فضلاً عن الدول التي تملك فيها الجماعة بعض المصالح والأصول الاقتصادية، والعلاقات ببعض الدوائر السياسية والشعبية، كإندونيسيا وماليزيا، وجنوب أفريقيا وكينيا، أو كندا أو بلجيكا.

مواضيع ذات صلة:

- مؤتمر حركة البناء الإخوانية في الجزائر بشعار "التجدد"... فما القصة؟

- تضامن الأذرع الإخوانية مع الغنوشي يكشف أهداف التنظيم الدولي

- موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين