هل يلجأ الإخوان إلى الاغتيال لحسم صراعهم الداخلي؟

هل يلجأ الإخوان إلى الاغتيال لحسم صراعهم الداخلي؟


20/01/2022

في ظلّ أزمة يصفها الخبراء بغير المسبوقة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، بتنازع القيادة بين جبهتين؛ الأولى يترأسها القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، والثانية الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين، تداولت وسائل إعلامية أنباءً عن تبادل رسائل تهديد بالاغتيال بين الجبهتين، وعلى الرغم من أنّ أيّاً من تلك الرسائل لم يتمّ نشرها علنياً، غير أنّ تاريخ الجماعة التي تلطخت بالدماء في مراحل عدة، آخرها في دخول جبهة محمد كمال في مواجهة مسلّحة مع الدولة المصرية، يجعلنا نطرح تساؤلاً: هل بات العنف اللغة الوحيدة التي تجيدها الجماعة؟ وهل يمكن أن يتطوّر ذلك العنف إلى مواجهات فيما بينها؟

اقرأ أيضاً: كيف تغيّر سيد قطب وغيّر الإخوان معه؟

بداية، وبإلقاء نظرة على وضع جماعة الإخوان المسلمين في مناطق عدة، يبدو أنّ الجماعة تدرك أنّ لجوءها إلى العنف في الحالة المصرية، وهي المحاولة التي تنصلت منها فيما بعد عبر التخلّي عن كمال وانفجار الخلاف معه، أضرّتها ولم تُفدها، وهو ما تجنّبته فيما بعد حركة النهضة في تونس مثلاً، عند تجميد البرلمان الذي حازت فيه النفوذ الأكبر، ورفعت سقف تهديداتها بعد قرارت الرئيس قيس سعيد في 25 تموز (يوليو) الماضي.

ولاح السيناريو المصري مجدداً في الأجواء، بالدعوة لاعتصام أمام البرلمان، غير أنّها سرعان ما تراجعت، وأعلنت عن توجهها إلى تصحيح نفسها، وقبول إجراءات الرئيس على مضض ما دامت مؤقتة؛ أي إنّ التجربة العنيفة الحديثة لم تكن الخيار المحبّب لدى الجماعة بعد اختبار مآلاته.

لكن يظلّ تاريخ الجماعة والاغتيالات العديدة المنسوبة إليها، سواء لأعداء خارجها أو لبعض المنشقين عنها، أمراً يصلح لبناء فرضية وطرح التساؤل: هل الحالة الخلافية الآنية مرشحة لاستعادة ذكرى الاغتيالات وتطبيقها؟

في ظلّ أزمة الإخوان تداولت وسائل إعلامية أنباءً عن تبادل رسائل تهديد بالاغتيال بين الجبهتين

اختلف الباحثون في الإجابة عن هذا التساؤل، فبينما قال الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية طارق أبو السعد لـ"حفريات": إنّ تاريخ الجماعة لا يجعلها بعيدة عن فكرة الاغتيالات، مشيراً إلى وجود حالتين تاريخيتين استخدمت فيهما تلك الاستراتيجية، وحالة اشتباه ثالثة، وإحدى حالتي الاغتيال كانت لسيد فايز مسؤول التنظيم الخاص الذي تمّ اغتياله من قبل مجموعة عبد الرحمن السندي، أمّا حالة الاشتباه، فقد كانت مع اغتيال أحد المنشقين أحمد رفعت  في فلسطين، في ظروف غامضة.

منجهته، يختلف الباحث أحمد سلطان مع أبو السعد بقوله: إنّ تاريخ الجماعة لا يحوي حالات مثبتة للاغتيالات فيما بينها، وإنّ ما كان يحدث محض تهديد بالعنف، لكن دون اللجوء إليه.

ويوضح سلطان لـ"حفريات"، أنّ تاريخ جماعة الإخوان، بما يحويه من خلافات وقعت فيه، لم يتمّ حسمها عن طريق الاغتيالات والعنف، لافتاً إلى أنّ أكبر صدام حصل بين مجموعة صالح عشماوي ومحمد الغزالي وعبد الرحمن السندي من جهة، وحسن الهضيبي المرشد آنذاك من جهة أخرى، لم يحدث فيه اغتيالات، وقد لوّح فيه باستخدام السلاح، حتى إنّ واحداً من المجموعة المحسوبة على التنظيم الخاص رفع السلاح في وجه الهضيبي وطالبه بالاستقاله، لكنّه رغم ذلك لم يقم باغتياله أو إطلاق الرصاص عليه، بل كان السلاح نوعاً من أنواع الإرهاب والتلويح بالعنف.

طارق أبو السعد: تاريخ الجماعة لا يجعلها بعيدة عن فكرة الاغتيالات بحالتين واشتباه بثالثة

ويرى سلطان أنّ ما يقال حول اغتيال سيد فايز، وأنّ التنظيم الخاص تخلص منه، هو ببساطة أطروحة إخوانية روّجت لحسم الخلاف التنظيمي داخل الجماعة، قائلاً: اغتيال فايز ما زال لغزاً، والمباحث العامّة المصرية وقتها، التي حققت في الاغتيال، في ظلّ خلاف كبير بين النظام الناصري والإخوان وقتها، قد برّأت ساحة المتهمين، ومنهم أحمد عادل كمال الذي كان أحد قيادات التنظيم الخاص. فكرة اغتيال فايز نفسها أريد لها أن تُروّج داخل أوساط الإخوان على أنّها صراع بين مجموعة عنيفة ومجموعة الهضيبي، وهو خطأ استفادت منه جماعة الإخوان، وروّجت له.

اقرأ أيضاً: التأسيس الثالث للجماعة: هل ينقذ الإخوان من أزمتهم؟

ويشدد سلطان: أرى أنّ فكرة اللجوء إلى الاغتيالات الآن لحسم الخلاف الآني بعيدة للغاية وغير مطروحة، فالخلاف الحالي هو صراع على النفوذ والسيطرة داخل الجماعة، لكنّ جبهتي الخلاف خارج مصر، قائد إحدى الجبهتين في لندن، والآخر في تركيا، وكلاهما يعملان تحت أعين أجهزة الأمن والاستخبارات في الدولتين، ومع دول أخرى، باعتراف قادة الإخوان أنفسهم، فإبراهيم منير قال في لقاء سابق: إنّه يتواصل مع أجهزة الأمن البريطانية، ولو لديه معلومات سيدلي بها إليهم.

وتابع: فكرة أنّ الاغتيالات تحسم الصراع أمر غير مطروح إطلاقاً، ولو كان مطروحاً، لكان طُرح في العام 2015 و2016، حين كان جزء وتيار من الجماعة يحمل السلاح بشكل مباشر، ويرى أنّ الحلّ هو مسار العنف، دون أن نأخذ رأي قيادات الجماعة التي ترى أنّ الحلّ يمكن أن يكون في العنف المؤجل الذي قد تحين ظروفه في وقت آخر.

الاغتيال المعنوي

في المقابل، تبدو فكرة الاغتيالات مطروحة للغاية، إذا ما تناولناها بأشكال أخرى، كالاغتيال المعنوي، أو عبر تبليغ أجهزة الأمن عن المخالفين.

يقول أبو السعد: إنّ الاغتيالات المعنوية والوشاية على المخالفين لدى أجهزة الأمن أكثر طريقة مطروحة داخل جماعة الإخوان في تصفية الخلافات وحسمها، حتى أنّ تلك الرواية تثار مع جبهة محمد كمال، ومن ثمّ فهي الأقرب إلى التحقق حالياً.

الاغتيال قد يأتي بأشكال أخرى كالمعنوي أو عبر تبليغ أجهزة الأمن عن المخالفين

ويضيف المختص في الحركات الإسلامية أنّ الجبهتين الحاليتين "ليستا متساويتين في القوى أو النفوذ"، مشدداً على أنّ "كافة المؤشرات تُرجّح كفة منير مقابل حسين، وأنّ مسألة الحسم هي مسألة وقت ليس أكثر".

ويوضح أبو السعد أنّ الإخوان المسلمين "يتمركزون حول التنظيم، لا الأشخاص، ولا الأفكار، فالمقدّس عندهم هو آخر شرعية ثابتة وحقيقية، وهي في الحالة الآنية، وتمثلها جبهة منير". لافتاً إلى أنّ ثقل المنشقين لا يُعدّ حاسماً في الخلافات الإخوانية عادة، فسبق أن انشقّ الرجل الثاني أحمد السكري، والتنظيم ظلّ كما هو، ولم يتأثر".

ويضيف: هناك نقطة أخرى تصبّ في صالح منير، هي أنّ التنظيم الدولي يبايعه، ممثلاً في اثنين من أبرز قيادته، وهما يوسف ندا ومحمد البحيري، مشيراً إلى المشاكل التاريخية التي تنتاب كفّة حسين، سواء في الإدارة مع الشباب والقيادات الوسطى الذين سينحازون  لقيادة جديدة شرعية، أو الشبهات المالية حوله. إنّ حسين يعلم جيداً أنّ موقفه ليس الأقوى، لكنّه يظلّ في عمل إزعاج، على أمل زائف أن يستطيع جمع شتات الجماعة حوله، كما حدث من قبل إبّان أزمة محمد كمال، لكنّ ما يجهله حسين هو أنّ من أعاد شتات الجماعة خلال أزمة كمال كان محمود عزت، بما يمثله من شرعية، وليس هو.

ويتابع أبو السعد: إنّ حسين أيضاً يأمل في ألّا تتم محاسبته، خصوصاً أنّ من يقع من بين قيادات الإخوان يتحمّل عادة كلّ أوزارها، كما حدث مع محمد كمال الذي حمّلوه وزر العنف، رغم أنّه نفذ ما تمّ الاتفاق عليه في غرفة عمليات رابعة بمشاركة الجميع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية