هل يقوّض الاتفاق السعودي-الإيراني نفوذ واشنطن في المنطقة؟

هل يقوّض الاتفاق السعودي-الإيراني نفوذ واشنطن في المنطقة؟

هل يقوّض الاتفاق السعودي-الإيراني نفوذ واشنطن في المنطقة؟


13/03/2023

طارق عليان

أبرمت إيران والمملكة العربية السعودية اتفاقاً يوم الجمعة لإحياء العلاقات الدبلوماسية الطبيعية وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين. وجاء الاتفاق في نهاية أسبوعٍ من المفاوضات التي توسَّطَت فيها الصين في بكين، وأنهت الخلاف بين الحكومتين منذ أن قطعت السعودية العلاقات في عام 2016.

 وفي هذا الإطار، قالت مجلة Responsible Statecraft الإلكترونية التابعة لمعهد Quincy Institute for Responsible Statecraft البحثي الأمريكي، في تقرير أعده الكاتب الصحفي دانيال لاريسون، في حال صَمَدَ هذا الاتفاق، فسيكون خطوةً مهمة إلى الأمام في الدبلوماسية الإقليمية، وقد يساعد على تيسير المضي قدماً نحو هدنة أكثر ديمومة في اليمن.


الاستقرار المنشود

وأضاف التقرير أن استئناف العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية ثمرة إدراكهما أن العداء الشديد السابق بينهما كان مكروهاً من الطرفين. واستعادة العلاقات الدبلوماسية ليست حلاً سحرياً لكل التوترات الإقليمية، لكن يُفترض أن تغرس الاستقرار المنشود بشدة، خاصةً مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
ووساطة الصين مثال على الدور البنَّاء الذي يمكن أن تؤديه القوى الكبرى في بعض الأحيان في الشرق الأوسط. كما تُظهر إلى أي مدى يمكن أن تكون الدبلوماسية أكثر فعالية عندما لا تُورِّط قوة كبرى نفسها في المنافسات في المنطقة.

تتمتع الصين بعلاقات قوية نوعاً ما مع حكومتي البلدين، مما يجعلها في موقع يُمكِّنها من التوسُّط في صفقة من المحتمل ألا تتمكن الولايات المتحدة من إبرامها. وكما ذَكَر الباحث الإيراني تريتا بارسي من معهد كوينسي: "بعدم الانحياز إلى أي طرف، بَرزَت الصين بصفتها جهةً فاعلة قادرة على حل النزاعات لا بيع الأسلحة وحسب".
ومما يضر بمصالحنا أن العلاقات الأمريكية-الإيرانية لم يكن لها أي وجود طيلة نصف قرن كامل تقريباً. وكان قصور العلاقات الطبيعية بين البلدين مضراً للغاية للولايات المتحدة في تعاملاتها الإقليمية كافة. وتَوَرُّط واشنطن الشديد في النزاعات الإقليمية يُقوِّض فعالية جهودها الدبلوماسية.
وأوضح التقرير أنه من المحتمل أن نشهد ردة فعل مبالغاً فيها تَنمُّ عن الذعر في بعض أجزاء واشنطن لمشاركة الصين في الاتفاق، إذ يبدو أن ردود الأفعال تجاه كل ما يتعلق بالصين حاليّاً سمتها الذعر. ولكن، على الولايات المتحدة الترحيب بجهود الصين الدبلوماسية عندما تفضي إلى نتائج إيجابية.
وأكد معد التقرير أن "الحكومة الصينية تضع مصالحها الخاصة في الاعتبار عندما تُسهِّل التوصل إلى اتفاق سعودي-إيراني، ولكن لا يجب أن يؤخذ ذلك على أنه تحدٍ أو تهديد للمصالح المحدودة للولايات المتحدة في المنطقة. ستستفيد كل من الولايات المتحدة والصين من شرق أوسط أكثر استقراراً، لذلك بدلاً من القلق حيال فقدان النفوذ، يجب على صانعي السياسة في واشنطن تجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات المزعزعة للاستقرار".

فوز صيني مؤزَّر

لقد وُصِفَ الاتفاق السعودي-الإيراني بأنه "فوز مؤزَّر" للصين. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أنه يأتي على حساب أي طرف آخر. وإذا أمسى التنافس الإقليمي القاتل أخف وطأةً، فهذا نبأ سار للجميع.
في هذه الحالة، ينبغي أن يُنظَر إلى فوز الصين على أنه فوز لجميع الأطراف المعنيّة، بما في ذلك الولايات المتحدة. هذا هو بالضبط السلوك الدوليّ المسؤول الذي تزعم واشنطن دائماً إنها تريد من الحكومة الصينية أن تتبناه. لذلك يجب على إدارة بايدن الاعتراف بدور الصين الإيجابي.

وبالنظر إلى مدى تدهور العلاقات السعودية-الإيرانية في العقد الماضي، فإن استعادة العلاقات الطبيعية تُعدُّ تحولاً ملحوظاً. في عام 2018، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يُشبِّه الحكومة الإيرانية بألمانيا النازية ويهدد "بنقل المعركة" إلى إيران. وأجبرت الإخفاقات المتكررة للسياسات السعودية في السنوات التي تلت ذلك وقدرة إيران على ضرب منشآت النفط السعودية الحكومة السعودية على تبني نهج أكثر ملاءمة.
وأوضح التقرير أنه في حال تمكنت السعودية وإيران من دفن الأحقاد على هذا النحو، فتلك إشارة إلى أنّ الحكومة الإيرانية الحالية قد تكون أكثر مرونة وانفتاحاً على التسوية مما يفترض كثيرون في واشنطن. وهذا من شأنه أن يجعل إدارة بايدن تُلزِم نفسها مجدداً بإيجاد حلٍ دبلوماسي للقضية النووية.
ورأى معد التقرير أنه ينبغي أن يشدد ذلك على أنّ السياسة القائمة على الإكراه والتهديدات ستكون أقل نفعاً من تلك التي تسعى إلى تسوية مفيدة للطرفين. ويُظْهِر الدور الصيني في التوسط في هذا الاتفاق كيف يمكن للصين أن تساعد على تأمين التعاون الإيرانيّ، ويمكن أن يكون ذلك مفيداً في إنقاذ المفاوضات النووية أيضاً.
لسوء الحظ، ونظرا لمدى توتر العلاقات الأمريكية الصينية الحالية، يرى معد التقرير أن الولايات المتحدة ستتعرض لضغوط شديدة للاستفادة الكاملة من العلاقة بين الصين وإيران.
وينبغي أن تُذكِّرنا السنوات القليلة الماضية من التنافس السعودي-الإيراني بمدى عُقم هذه المنافسات. فهي لم تجعل أياً من البلدين أكثر أمناً بسبب قطع العلاقات بينهما، ولم يكن أي منهما أنجح في تعزيز مصالحه الخاصة مما كان عليه من قبل.

وبقدر ما أدى التنافس إلى تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ودور إيران المتزايد في ذلك الصراع، فقد كان كارثة على الاستقرار الإقليمي وعلى الشعب اليمني، وجعلَ السعودية أقل أمناً مما كانت عليه قبل تدخلها.
إن استعادة العلاقات الطبيعية بين السعودية وإيران يجب أن تُذكِّرنا أيضا بأن المشاركة الدبلوماسية المستمرة ليست مكافأة أو تنازلاً للجانب الآخر، وإنما جزء طبيعيّ وضروريّ من الشؤون الدولية. ورفض إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة أخرى هو نهج مُدمِّر للذات يجعل كلا البلدين في وضعٍ أسوأ.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول: صحيح أنّ التطبيع لا يحل جميع المشكلات في علاقة معينة، لكنه يوفِّر لكلا الحكومتين الأدوات اللازمة لحل العديد من النزاعات بتكلفة أقل بكثير. وإذا كان بإمكان السعوديين والإيرانيين إنجاز ذلك رغم انعدام الثقة المتبادل، فلماذا لا تستطيع الولايات المتحدة وإيران إنجاز الأمر نفسه؟

عن موقع "24"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية