هل يغيّر كورونا نظرة الأوروبيين للنقاب؟

هل يغيّر كورونا نظرة الأوروبيين للنقاب؟


08/07/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

ياسمين بكار (26 عاماً)؛ معلمة بديلة في المدارس الثانوية في أرجاء ليستر، لكنّها الآن في إجازة أمومة؛ حيث أصبحت ابنتها الجديدة جزءاً من "جيل ك"، في إشارة إلى الأطفال الذين ولدوا خلال جائحة "كوفيد-19".

 بكار، وهي مسلمة ملتزمة، ترتدي النقاب منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وكان اختيارها القيام بذلك مهماً بالنسبة إليها من الناحية الدينية، لكن هذا يعني أيضاً أنّها غالباً ما أجبرت على الشعور بعدم الارتياح في الأماكن العامة، وكانت هدفاً واضحاً لرهاب الإسلام في بريطانيا.

عام 2018 قارن رئيس الوزراء الحالي، بوريس جونسون، النساء اللواتي يرتدين البرقع بـ "صناديق البريد" و"لصوص البنوك"، ومن "السخيف" أن يختار الناس ارتداء مثل هذا الزيّ

كان هذا هو الحال، بشكل خاص، عام 2018، عندما قارن رئيس الوزراء الحالي، بوريس جونسون، النساء اللواتي يرتدين البرقع بـ "صناديق البريد" و"لصوص البنوك"، وفي العمود الصحفي نفسه الذي نشرته "التلغراف" قال أيضاً إنّه من "السخيف" أن يختار الناس ارتداء مثل هذا الزيّ الذي يغطي وجوههنّ وأجسامهنّ، وقد أسفرت هذه المقالة المفردة عن ارتفاع بنسبة 375% في حوادث رهاب الإسلام، وفق مجموعة المراقبة "تل ماما"؛ ففي الأسابيع الثلاثة التي تلت نشر المقالة، اتخذت 42% من الحوادث الموردة غير المتصلة بالإنترنت "مباشرة بوريس جونسون مرجعاً لها و/ أو اللغة المستخدمة في عموده الصحفي"، والتي تضمّنت نعت النساء المسلمات المحجبات أو المنقبات بـ "صناديق البريد" و"النينجا".

تشريع أفعال العنصريين ومروجي رهاب الإسلام

وتذكر ساندرا جيمس*، من لندن، الأمر بشكل واضح، وتقول للـ "إندبندنت": "لقد شرّع (جونسون) أفعال العنصريين ومروجي رهاب الإسلام"، وكانت جيمس اعتنقت الإسلام، عام 2006، وارتدت النقاب لستة أعوام.

تتابع: "مررت بمعظم تجاربي السلبية خلال التسوق، لقد سُببت، وقيل لي إنّه علي العودة إلى بلدي، ونعتُّ بالـ "داعشية" أو الـ "إرهابية" مرات عديدة"، وفي إحدى المرات، دفع شخص غريب عربة تسوق نحو جيمس في أحد أسواق بقالة تيسكو ، وكانت حاملاً في ذلك الوقت.

اعتاد كثير من المسلمين على الوضوح، الذي يضفي على وجود أيّة امرأة ترتدي النقاب أو الحجاب أو البرقع، بين عامَي 2018-2019، 47% من جرائم الكراهية الدينية في المملكة المتحدة، كان ضحيتها مسلمات ومسلمين، ويشير تقرير "تل ماما" إلى أنّ حوالي 80% من الضحايا في هذه الحالات هم من المسلمين الذين يمكن تحديد هويتهم بشكل بصري، أولئك الذين يرتدون ملابس "مرتبطة بالإسلام".

اقرأ أيضاً: هذا موقف السعودية من قرار منع النقاب في دولة أوروبية

 إضافة إلى وجود تيار خفي ومتواصل من الخوف، كان على المسلمين التعامل مع الارتفاع في جرائم الكراهية، الذي يعقب أعمال الإرهاب العالمي: فقد تسبّبت هجمات مسجد كرايستشيرش في زيادة بنسبة 600% بجرائم الكراهية ضدّ المسلمين في المملكة المتحدة، والتقت امرأة مسلمة في أكسفورد رجلاً قلّد صوت إطلاق النار من مسدس عندما خرجت مرتدية الحجاب بعد الحادث.

اقرأ أيضاً: النقاب ... موضوع جدل إسلامي وعالمي وتضارب الأقوال حول نشأته

وبينما تستمر جائحة كورونا في غزو العالم، وتحاول الحكومات خلق وسائل للسيطرة على انتشار الفيروس، لم تعد المسلمات هنّ الأقلية المغطاة، فاعتباراً من 15 حزيران (يونيو) 2020، جعل بوريس جونسون، السياسي نفسه الذي تسبّب في موجة من المشاعر المعادية للمسلمين، عندما كتب عموده الصحفي المشار إليه في 2018، من الإلزامي ارتداء جميع الناس في إنجلترا أغطية الوجه في وسائل النقل العام، إضافة إلى تشجيعهم على القيام بذلك في أماكن أخرى يصعب عليهم فيها الحفاظ على المسافة الاجتماعية، مثل المتاجر أو أسواق البقالة، حتى إنّ الحكومة أصدرت مبادئ توجيهية حول كيفية صناعة أغطية الوجه في المنزل، رغم اختلاف دافع ارتداء غطاء الوجه فإنّ النتيجة هي نفسها: أمة ملزمة الآن بارتداء الملابس نفسها التي ترتديها أقلية (لا يعرف بالضبط عدد النساء اللاتي يرتدين النقاب، رغم إشارة بعض التقارير إلى تضخيم في الإحصائيات) خضعت تاريخياً للتفحّص والسخرية، لارتدائها مثل هذه الملابس.

زوجة الإمام

تقول شاينا أحمد، وهي معلمة حضانة تبلغ من العمر 32 عاماً، وزوجة إمام في جنوب شرق إنجلترا: "قبل "كوفيد-19" كان ارتداء النقاب أو غطاء الوجه في بريطانيا أمراً مرهقاً للغاية، بسبب الضغط، حتى إنّها لم تحكم قط على غيرها، من اللواتي قررن خلعه تماماً".

وتضيف: "أشعر بأنّه يجب (عليّ) أن أكون ودودة أكثر من اللازم في الأماكن العامة، لأنني أمثّل الجالية المسلمة أمام مجتمع غير مسلم"، وتتابع: "بينما تنظر إليّ الجالية المسلمة المحلية بإعجاب بوصفي زوجة أحد الأئمة".

تقول هؤلاء النساء المسلمات؛ إنّه رغم ترحيبهن بإدخال أغطية الوجه الآن، فإنهن محبطات من التباين الحاصل في السرد، تقول بكار: "إذا كنت أرتدي النقاب وكان الشخص الذي بجانبي يرتدي غطاء الوجه، فكلانا يغطي الأجزاء نفسها من الوجه، لكن لكلّ منّا أسبابه".

اقرأ أيضاً: حظر النقاب في أوروبا... هل هو حرب على المظاهر الإسلامية؟

العديد من الحجج المعادية لارتداء حجاب الوجه الإسلامي علانية خلال العقد الماضي تمحورت حول فكرة أنّه لا يمكنك أن تكوني جزءاً من مجتمع فاعل إذا قمت بذلك؛ لأنّ الناس لا يمكنهم التحدث إليك، ولا يمكن للسلطات تحديد هويتك، أو لأنّه من دون رؤيتك بوضوح كامل، قد تشكلين خطراً أمنياً (خاصة في المطارات وعلى الطائرات وغيرها من وسائل النقل، المساحات الملهبة سابقاً للمشاعر المعادية للمسلمين ومراكز تغطية الوجه من فيروس كورونا حالياً).

يأخذ هذا النفاق شكلاً أكثر وضوحاً في حالة فرنسا؛ حيث جعلت الحكومة كافة أغطية الوجه الدينية غير قانونية، عام 2011، وفي 10 أيار (مايو) 2020؛ جعلت غطاء الوجه اتقاء (كوفيد-19) إلزامياً، مع فرض غرامات جزائية على أولئك الذين لا ينصاعون، وما يزال البرقع محظوراً في فرنسا.

تقول شاينا أحمد، وهي معلمة حضانة تبلغ من العمر 32 عاماً، وزوجة إمام: "قبل "كوفيد-19" كان ارتداء النقاب أو غطاء الوجه في بريطانيا أمراً مرهقاً للغاية

تقول بكار إنّ كلّ هذا يظهر أنّ الأمر لم يتعلق قطّ بقضايا لوجستية، وإنّما تمحور حول رهاب الإسلام: "لقد كشفت القواعد الجديدة عن تحيزات الناس"، وتتابع: "لم يتعلق الأمر بخرق الإجراءات الأمنية أو تحديد الهوية، أو حتى كون النقاب حاجزاً للتوصل في المجتمع الأوسع، لقد تعلّق الأمر دائماً بما يمثله الحجاب، وبما أنّه يمثّل الإسلام، فقد افترض الناس أن تغطية وجهك يعبّر عن عقلية متخلفة".

توافق جيمس وتقول: "يحظى النقاب بسمعة سيئة؛ لأنّه كلما حدث أيّ شيء سيّئ فيما يتعلق بالإرهاب أو المتطرفين، تستخدم صورة لامرأة تغطي وجهها دائماً في وسائل الإعلام".

هل ارتداء النقاب مرادف لظلم المرأة؟

في المملكة المتحدة غالباً ما يكون ارتداء النقاب مرادفاً لظلم المرأة أو إجبارها على ارتدائه (إما على يد زوجها أو والدها)، لكن بالنسبة إلى بكار، فقد كان والدها هو الذي سألها عمّا إذا كانت تريد حقاً ارتداءه، وبالنسبة إلى جيمس فلم يسعد أحد في دوائرها، سواء كان مسلماً أم لا، بفكرة ارتدائها النقاب، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ النساء المنتقبات مثقلات بفكرة "سحب النساء المسلمات إلى الوراء"؛ فغالباً ما تلاحظ جيمس كيف تبتعد النساء المسلمات الأخريات عنها باعتبارها المنتقبة الوحيدة في الغرفة: "تحاول النساء المسلمات في المملكة المتحدة (واللواتي هن من صاحبات البشرة الداكنة) بجدية الاندماج في المجتمع؛ لذلك إذا وقفت بجوارهن أو عانقتهن، ينتابهن قلق الخضوع للتعامل معهن بوصفهن الآخر الغريب".

وتأمل هؤلاء النساء في أنّ زيادة التعاطي مع تغطية الوجه باعتبارها أمراً سائداً في المستقبل المنظور في وسائل النقل العام، حيث مرّت العديد من النساء المسلمات بتجارب صادمة من مشاعر التعاطف والتفاهم.

وتقول أحمد: "سيكون من اللطيف للآخرين أن يختبروا تغطية وجوههم بشكل جزئي، ويصبحوا، كما آمل، أكثر تعاطفاً مع اللواتي يرتدين النقاب خارج سياق الجائحة"، وتشعر بالاطمئنان بالفعل لرؤيتها الآخرين، وقد وضعوا أغطية الوجه خلال الأيام العشرة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: هل تحظر مصر النقاب؟!

تقول: "رأيت مجموعة من الناس في شارعي يرتدون أغطية وجه سوداء، وكان من الرائع رؤية أشخاص يشبهونني ولو لمرة واحدة، يجعلني هذا أفكر "ما الفارق بيني وبينك؟'"، وتضيف أحمد أنّ الإجراءات الجديدة سوف تسمح لها أيضاً باستخدام وسائل النقل العام بشكل أكبر؛ حيث كانت تفضّل في السابق القيادة مخافة التعرض للهجوم.

وعلى غرار أحمد، تقول بكار إنّ الأشهر القليلة المقبلة سوف تعطي مشهداً متغيراً لعلاقتها بنقابها، فعادة ما تخلعه في الأماكن العامة؛ حيث تشعر بأنّها مهددة، الآن تحولت إلى ارتداء غطاء وجه مدمج به قناع طبي، ما يقلل من قلقها ويجعلها تشعر بأنّها مستهدفة بشكل أقل.

يختلف السبب وراء اختيار هذه المرأة أو تلك ارتداء النقاب، أو أيّ غطاء وجه آخر، رغم أنّ المنتقبات غالباً ما ينظر إليهن من الخارج على أنهنّ مجموعة متجانسة.

نقاب كوفيد-19

تقول أحمد إنّ توسيع هذه الملابس إلى ما وراء معايير الإسلام قد جعلها مقبولة، ورغم أنّ هذا يعدّ شيئاً منافقاً، فإنّها تشعر بالارتياح عند رؤية أقنعة الوجه التي يرتديها الناس اتقاء من الفيروس؛ حيث يقلّل هذا من "التعامل معها بوصفها الآخر الغريب".

تقول: "أرتدي غطاء الوجه لأسباب شخصية، بينما يقوم الشخص الذي بجانبي بذلك بسبب فيروس كورونا"، وتأمل أحمد أيضاً أن تؤدي تغطية الوجه بسبب "كوفيد-19" إلى تقويض كل الحجج المستقبلية حول عدم توافق النقاب مع المجتمع، وتضيف: "لا أشعر فقط بأنّ ذلك يعزز معتقداتي، بل وأنّ ما أفعله داخل المجتمع ليس خاطئاً، لكنّ النقاب الآن يحمي صحتي، أيضاً، هذا الشعور لطيف، بغضّ النظر عن مدة استمراره".

رغم أنّنا لا نعرف إلى متى سوف تستمرّ تغطية الوجه الإلزامية في المملكة المتحدة، إذا لم يكن هناك احتمال وجود لقاح حتى عام 2021، على الأقل، وخطر موجة ثانية تلوح في الأفق، فمن المعقول توقّع أنّه لن يكون حدثاً عابراً، وبالنسبة إلى النساء المسلمات اللواتي عانين طويلاً من العنصرية المقنعة بشكل طفيف؛ بسبب ارتداء غطاء الوجه، فإنهنّ يأملن أن تمنحهنّ أغطية الوجه الحماية ضدّ الفيروس الجديد، وكذلك ضدّ التحيزات والعداوات المستقبلية.

لم يعد باستطاعة السياسيين، أو الجمهور، ادّعاء أنّ غطاء الوجه يمثّل تهديداً، وإذا أرادوا الدليل على ذلك فما عليهم سوى النظر في المرآة.

* (خضعت بعض الأسماء للتغيير).

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

تامينا بيغوم، "الإندبندنت"، 26 حزيران (يونيو) 2020



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية