هل يظفر الإخوان بحكم بنغلاديش من بوابة المصالح الأمريكية؟

هل يظفر الإخوان بحكم بنغلاديش من بوابة المصالح الأمريكية؟

هل يظفر الإخوان بحكم بنغلاديش من بوابة المصالح الأمريكية؟


27/08/2024

 أدى النهج الذي اتبعته حكومة الشيخة حسينة واجد في بنغلاديش، وسوء إدارة الأزمة السياسية التي تزامنت مع تظاهرات الطلاب، حيث اتسم رد الفعل بالقمع العنيف من جانب الشرطة والموالين لرابطة عوامي، أدى إلى تأجيج الموقف. وقد كان وصف حسينة للمحتجين بأنّهم "رضاكار"، وهو المصطلح الذي ارتبط تاريخياً بالمتعاونين مع القوات الباكستانية أثناء حرب تحرير بنغلاديش، والذين اشتهروا بوحشيتهم، كان بمثابة خطأ فادح؛ أدى إلى زيادة الغضب العام وتشويه تاريخها.

في العام 2018 تمّ إلغاء سياسة الكوتا في التعيينات بنسبة 30% لأسر المقاتلين من أجل الحرية، والتي تمّ اعتمادها في العام 1972، وتمّ توسيعها لاحقاً لتشمل أحفادهم في عام 2010. وأدت العودة إلى نظام الكوتا إلى احتجاجات طلابية، في أعقاب حكم المحكمة العليا الذي سعى إلى استعادة تلك السياسة. 

وفي حزيران (يونيو) الماضي اندلعت الاحتجاجات في بنغلاديش، ردّاً على إعادة المحكمة العليا العمل بنظام الحصص للوظائف الحكومية. وقد خصص هذا النظام ثلث وظائف الخدمة المدنية لأبناء المقاتلين من أجل الحرية، الذين شاركوا في حرب تحرير البلاد عام 1971. وقد أثار إعادة العمل بنظام الحصص، الذي ألغته حكومة حسينة في عام 2018، استياءً واسع النطاق بين الطلاب والمهنيين الشباب. وانتهى الأمر بتدخل الجيش، وعزل الشيخة حسينة، وفرارها إلى الهند، مع تنصيب حكومة مؤقتة، تواجه الآن وضعاً حرجاً على كافة الأصعدة.

الانتقام السياسي وسيلة إخوانية لتصفية الحسابات

مع انهيار أجهزة الدولة، أصابت البلاد موجة من التطرف والانتقام السياسي ضدّ الهندوس والموالين لرابطة عوامي، وأصبح النفوذ المتزايد للتشدد الإسلامي المتطرف في بنغلاديش  يهدد الاستقرار الإقليمي، خاصّة أنّ الجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، باتت تكسب كل يوم أرضية داخل الحكومة، وتستهدف كذلك الأقليات؛ مستغلة عدم الاستقرار السياسي، وضعف النسيج العلماني.

قدرة الجماعة الإسلامية على التأثير على مسار البلاد المستقبلي وتشكيله، أمر مثير للقلق العميق من منظور حقوق الإنسان والأمن الإقليمي

وحتى اللحظة، تمّ استهداف الهندوس والأقليات الأخرى، في أعمال عنف جماعية شهدت ما لا يقلّ عن (205) حادثة، في (52) مقاطعة في البلاد، وفقاً لمجلس الوحدة الهندوسية البوذية المسيحية في بنغلاديش. 

وتشمل هذه الحوادث القتل والاغتصاب وتدمير المعابد والمنازل والشركات. وتؤثر هذه الحوادث على آلاف الأسر، وتدفع العديد منها إلى الفرار إلى الحدود بحثاً عن ملجأ في الهند.

القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلامية، أبو طاهر محمد معصوم

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أنّ بعض المعلقين ووسائل الإعلام حاولوا تصوير عمليات القتل والعنف على أنّها مجرد عارض سياسي، ردّاً على الدعم الهندوسي التقليدي لرابطة عوامي، باعتباره الحزب العلماني الأساسي في البلاد.

ومع تزايد موجة العنف، حاولت الجماعة الإسلامية نفض يدها من القتل الطائفي الممنهج، لكنّها ما زالت غير قادرة على السيطرة على عناصرها الأكثر تشدداً. 

من جهته، خرج محمد يونس، رئيس الوزراء المؤقت، لإدانة العنف، وهدد بالاستقالة إذا استمرت الهجمات ضد الهندوس، والتقى بممثلي المجتمع الهندوسي، وكذلك فعل شفيق الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية، في محاولة منه لحصد المزيد من المكاسب السياسية.

تاريخ من العنف الطائفي الإخواني

ومع النشاط الهائل الذي تقوم به الجماعة الإسلامية، تبدو الأمور ضبابية تماماً، خاصة مع تمدد جناحها الطلابي، اتحاد الطلاب الإسلامي شهاترا شبير، وقد لفتت تقارير إلى أنّ الجماعة تسعى إلى إنشاء دولة شبيهة بدولة طالبان. 

ووفقاً لتقارير محلية، تُعَدّ الجماعة الإسلامية واحدة من أقوى المنظمات الدينية السياسية، وأكثرها نفوذاً في البلاد، خاصّة أن جناحها الطلابي كان وراء الكثير من أعمال العنف الحالية ضدّ الأقليات الدينية في البلاد.  

تمّ استهداف الهندوس والأقليات الأخرى، في أعمال عنف جماعية شهدت ما لا يقلّ عن (205) حادثة، في (52) مقاطعة في البلاد، وفقاً لمجلس الوحدة الهندوسية البوذية المسيحية في بنغلاديش

وسبق للجناح الطلابي، التابع للجماعة الإسلامية، الانخراط في أعمال عنف دامية ضدّ الهندوس في عام 2001، وتكرر الأمر مرة ​​أخرى في عامي 2013 و2014، وفي عام 2021. 

في الفترة من 2013 إلى 2021، كان هناك ما يقرب من (3600) حادثة عنف ضدّ الهندوس، ارتكب أغلبها نشطاء من الجماعة الإسلامية. ووفقاً لجماعات حقوق الإنسان المحلية، أدى هذا العنف الجماعي الذي ارتكبه الإخوان ضدّ الهندوس منذ عام 1971 إلى انخفاض حاد في عدد السكان الهندوس في بنغلاديش من 20% إلى أقلّ من 8% اليوم. 

وأشارت تقارير متعددة إلى أنّ الجماعة الإسلامية لديها ارتباطات مع جماعات إرهابية عابرة للحدود الوطنية؛ مثل: حركة الجهاد الإسلامي في بنغلاديش، وهي منظمة إرهابية أجنبية حسب تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية. 

فضلاً عن ذلك، ونظراً لتاريخها السياسي، حيث سبق لها تشكيل حكومة ائتلافية (2001-2006) مع حزب المعارضة الرئيسي، حزب بنغلاديش الوطني، فإنّ الإخوان يشكلون قوة سياسية لا يستهان بها. وقد استخدمت الجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى جماعات إسلامية أخرى، مثل حفظة الإسلام، قوتها السياسية لتقويض طبيعة الحكم المدني في البلاد، وانتزاع التنازلات من الحكومات السابقة.  

الإخوان ورقة وظيفية بيد الإدارة الديمقراطية

وبحسب تقارير أمريكية، فإنّ قدرة الجماعة الإسلامية على التأثير على مسار البلاد المستقبلي وتشكيله، أمر مثير للقلق العميق من منظور حقوق الإنسان والأمن الإقليمي؛ ولهذا السبب يرى البعض أنّه يتعين على الإدارة الأمريكية والكونغرس أن يتحدثا بصوت قوي ضدّ الفظائع التي ارتكبت ضد الهندوس وغيرهم من الأقليات الدينية، وأن ترسل واشنطن رسالة قوية إلى الحكومة المؤقتة، مفادها أنّ الفشل في وقف الهجمات الإضافية، سوف يترتب عليه عواقب اقتصادية خطيرة.  

ويمكن القول إنّ المشهد السياسي في بنغلاديش يمرّ بمرحلة حرجة، والشكل الذي قد يتخذه النظام السياسي البديل يشكل أهمية بالغة. والهمّ الأكبر الآن هو ضمان عدم استغلال القوى المتطرفة للوضع الحالي. فالجماعة الإسلامية، التي عارضت تحرير بنغلاديش ووقفت إلى جانب باكستان، لا تحترم الديمقراطية، وتسعى إلى إقامة حكم إسلامي. وكان نفوذها واضحاً في الاجتماع الحزبي الذي دعا إليه قائد الجيش واكر الرحمن، الذي استبعد بشكل ملحوظ الأحزاب اليسارية مثل حزب العمال والحزب الشيوعي. وبدلاً من ذلك، حصلت الجماعة الإسلامية المحظورة، والحزب الوطني البنغالي، وحزب جاتيا، على ميزة الحضور المميز على طاولة المفاوضات.

المشهد السياسي في بنغلاديش يمرّ بمرحلة حرجة، والشكل الذي قد يتخذه النظام السياسي البديل يشكل أهمية بالغة

إنّ الإعلان عن إطلاق سراح زعيمة الحزب الوطني البنغلاديشي خالدة ضياء من السجن يشير إلى أنّ الجماعة الإسلامية قد تلعب دوراً مهيمناً في الحكومة المؤقتة، بدعم من الولايات المتحدة. وتشير تقارير إلى أنّ اجتماعات عقدت بين دبلوماسيين أمريكيين وزعماء الجماعة الإسلامية، قبل الانتخابات الماضية في كانون الثاني (يناير) الماضي، ممّا يعني أنّ الإدارة الديمقراطية ربما ترغب في اللعب بورقة الإخوان في الهند الصينية.

لقد مهد قرار الشيخة حسينة بالاستقالة من منصبها كرئيسة للوزراء ومغادرة البلاد  الطريق للعودة إلى الحكم العسكري في بنغلاديش. وهذا التطور مثير للقلق بالنسبة إلى الهند، خاصة مع تصاعد التوترات في كشمير، وهو ما يفهم منه أنّ الجيش قد يتحالف مع الإخوان لتمرير صفقة حكمه للبلاد.

من جهته، أكد ديبانجان تشودري، محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة (إيكونوميك تايمز)، على موقع (إكس)، أنّ وجود الجماعة الإسلامية في المشهد السياسي البنغالي من جديد لا يبشر بالخير، سواء للبلاد أو للهند، ذلك أنّ سجل الجماعة في الترويج للإرهاب عبر الحدود هو جزء من التاريخ الحديث لشبه القارة الهندية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية