هل يستطيع أنور إبراهيم "تحجيم" الإسلامويين في ماليزيا؟

هل يستطيع أنور إبراهيم "تحجيم" الإسلامويين في ماليزيا؟

هل يستطيع أنور إبراهيم "تحجيم" الإسلامويين في ماليزيا؟


19/03/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

مرّ رئيس الوزراء الماليزيّ، أنور إبراهيم، برحلة طويلة جدّاً للوصول إلى السّلطة. وُضِع عليه الرّهان لأوّل مرة قائداً مستقبليّاً في عام 1983، عندما أصبح وزيراً للثّقافة، والشّباب، والرّياضة تحت مُرشِده، رئيس الوزراء حينها، الدّكتور مهاتير محمّد. وبدا طريقه إلى القمّة، باعتباره الخليفة المختار للدّكتور مهاتير، مضموناً حتّى نشوب الشّقاق بينهما في عام 1998. طُرِد أنور، ولاحقاً سُجن.

بعد ما يقرب من عقدين من الزّمان، في عام 2018، اُختير أنور بشكل أكثر صراحة خليفةً لمهاتير، حيث اتّحد الصّديقان العدوّان القديمان لقيادة «حزب باكاتان هارابان» المعارض من أجل هزيمة حكومة «حزب باريسان ناسيونال»، التي كانت منيعة حتّى اللحظة، في الانتخابات العامّة. بمجرّد العفو عن أنور من عقوبة سجن ثانية (أُلغي الحكم الأوّل في النّهاية)، كان من المفترض أن يتولّى زمام الأمور. لكن الدكتور مهاتير خدعه. وهو لم يكن ينوي تسليم السّلطة إلى أنور قطّ، وانهارت الحكومة بسبب الدّسائس الدّاخليّة.

أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات

في تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي، حصل أنور، أخيراً، على الجائزة. بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات العامّة، شكّل ائتلافه، «باكاتان هارابان»، حكومة وحدة مع خصومه السّابقين، «باريسان ناسيونال»، وأحزاب من ولايات بورنيو الماليزيّة.

بعد أكثر من مائة يوم بقليل من تولّيه الإدارة، كيف هي أحوال أنور - وهو رجل ادّعى البعض أنّه مناصر لحقوق الإنسان بسبب تعرّضه للسّجن ودعواته إلى الإصلاح، بينما حذّر آخرون من أنّه حربائي يُسكّن الجمهور الغربيّ بكلمات تتلبّس ورعاً ليبراليّاً، ولكن لديه أجندة إسلامويّة ليست شديدة السّرّيّة في الدّاخل؟

نجيب رزاق وأنور إبراهيم ومهاتير محمد يضحكون منذ أكثر من عقدين - عندما كانوا في نفس الفريق

تقييمي للأوضاع يقول: تَقدُّمٌ حَذِر، ولكن موثوق به حتّى الآن. في كانون الأوّل (ديسمبر)، أعطت حكومة أنور مثالاً جيّداً بإعلانها أن جميع وزراء الحكومة سيخفّضون رواتبهم بنسبة عشرين في المائة حتّى يتعافى الاقتصاد، في حين قال أنور بالفعل إنّه لن يتقاضى أيّ راتب على الإطلاق رئيساً للوزراء أو وزيراً للماليّة.

في كانون الثّاني (يناير)، عبّر الوزراء عن قلقهم بشأن أولئك الذين يعانون من أزمات تكلفة المعيشة من خلال إطلاق «قائمة طعام الرّحمة»، وهي أطباق أساسيّة ولكنّها مغذّية من الدّجاج أو السّمك، والأرز والخضروات مقابل خمسة رينغات ماليزيّة فقط (دولار أمريكيّ واحد)، ومتوفّرة في خمسة عشر ألف مطعم في جميع أنحاء البلاد.

منح الجنسية لأبناء الماليزيات

في شباط (فبراير)، وافق مجلس الوزراء على تعديل دستور البلاد بحيث يتمتّع الأطفال المولودون في الخارج لأمّهات ماليزيّات وآباء أجانب بالحقّ في الجنسيّة. في السّابق، كان بإمكان الرّجال الماليزيّين فقط نقل جنسيّتهم تلقائيّاً في تلك الظّروف. وكانت الإصلاحيّات، مثل وزيرة القانون أزالينا عثمان، تطالبن بهذا التّعديل منذ أعوام.

ومنذ البداية، أقام أنور علاقة جديدة بين شبه جزيرة ماليزيا وولايتي بورنيو صباح وساراواك – اللتين طالما شعرتا بتمثيلٍ ناقص – من خلال تعيين نائب ثان لرئيس الوزراء، فضيلة يوسف، من الجزيرة. وضع هذا، إلى جانب التّحالف البراغماتيّ مع «باريسان ناسيونال» (الذي أصبح رئيسه، زاهد حميدي، النّائب الآخر لرئيس الوزراء)، أُسس الاستقرار الذي يأمل فيه معظم النّاس. ومن بين هؤلاء ملك البلاد، سلطان عبد الله من باهانغ، الذي أخبر البرلمان، مؤخّراً، أنّه بعد أن تولّى أربعة رؤساء وزراء السّلطة خلال أربعة أعوام، يأمل أن يكون أنور «الأخير بالنّسبة إليَّ»، قبل انتهاء فترة ولايته ملكاً لماليزيا بالتّناوب العام القادم.

أعطت حكومة أنور إبراهيم مثالاً جيّداً بإعلانها أن جميع وزرائها سيخفّضون رواتبهم بنسبة 20% حتّى يتعافى الاقتصاد، في حين قال أنور بالفعل إنّه لن يتقاضى أيّ راتب

بعث الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، برسالة تهنئة حارّة في كانون الثّاني (يناير)، إلّا أنّ ردّ الفعل الدّوليّ على تولّي أنور المنصب الأعلى في البلاد كان صامتاً إلى حدّ ما، إذا أخذنا في الاعتبار مكانته بوصفه «أيقونةً للدّيمقراطيّة» التي كان يتمتّع بها ذات يوم بين أصدقاء مثل نائب الرّئيس الأمريكيّ السّابق، آل غور. قد يكون هذا جزئيّاً لأنّ الابتهاج الذي استقبل انتصار «باكاتان هارابان» في عام 2018 سُرعان ما تحوّل إلى خيبة أمل، عندما أصبح من الواضح – كما حذّر البعض منّا – أنّ مهاتير، الذي أصبح على رأس السّلطة مرّة أخرى، شوفينيّ ملاويّ – كما كان دائماً – ليس لديه أيّ التزام على الإطلاق بأجندة الإصلاح التي يروّج لها أنور وحلفاؤه.

الجلوس مع أعداء لدودين

ثانياً، لم يفز تحالف «باكاتان هارابان» برئاسة رئيس الوزراء الجديد بأغلبيّة مطلقة. وكان تشكيل حكومة وحدة وطنيّة خطوةً مسؤولة، بعد الاضطرابات السّياسيّة التي وقعت في الأعوام القليلة الماضية، لكن الجلوس إلى جانب أعداء لدودين سابقين من «باريسان ناسيونال»، الذي حكم بشكل مستمرّ من عام 1957 إلى عام 2018، جعل التّنازلات أمراً لا مفرّ منه. لم يعد وهم النّقاء الأيديولوجيّ، الذي جعل المعجبين الغربيّين يُبجّلون أنور، مستداماً.

عاملان يدفعان عربتين في منطقة تسوق في كوالالمبور الأسبوع الماضي

علاوة على ذلك، قاد أنور المعارضة الماليزيّة لأكثر من عقدين. وربما لم يكن بإمكانه الحفاظ على هذا الموقف من دون بعض الانتقادات التي تلطّخ البريق. وبغضّ النّظر عن شكوك الميول الإسلامويّة، تساءل البعض عمّا إذا كان يشعر بأنّه مُستحِقّ بشكل أكثر من اللّازم لرئاسة الوزراء. ألم يكن التّعيين الأخير لابنته، نور العزّة، مستشارةً رئيسةً له (وهو قرار أُلغي لاحقاً) مثالاً على المحسوبيّة؟ بالنّظر إلى أنّ نور العزّة، التي كانت نائبة في البرلمان حتّى وقت قريب، كثيراً ما يُشار إليها بوصفها رئيسة وزراء في المستقبل، فقد كانت مؤهّلة بالتّأكيد لتقديم المشورة لوالدها – لكن القرار، مع ذلك، اعتُبر من قِبل الكثيرين سوء تقدير.

شكّك عدد غير قليل في قدرة أنور على الفوز بالأصوات. وفقاً لهؤلاء، فإنّ «باكاتان هارابان» فاز فقط في عام 2018 بقيادة مهاتير، وحزبه الذي يتّخذ من الملايو قاعدةً انتخابيةً له، «بيرساتو»، في الائتلاف. قد يكون هذا صحيحاً، لكن المناسبة الوحيدة التي فاز فيها «باكاتان هارابان» بأكثر من خمسين في المائة من الأصوات كانت في الانتخابات العامّة لعام 2013، وكان أنور يقود المعارضة آنذاك. لسوء حظّه، لم تترجم أغلبيته الشّعبيّة إلى مقاعد كافية للمطالبة برئاسة الوزراء.

بمجرّد العفو عن أنور من عقوبة سجن ثانية (أُلغي الحكم الأوّل في النّهاية)، كان من المفترض أن يتولّى زمام الأمور. لكن الدكتور مهاتير محمد خدعه

انتخابات جديدة تلوح في الأفق هذا العام، في ستّ من ولايات الاتّحاد الثّلاث عشرة. الكثير على المحكّ، لأنّ الائتلاف الوطنيّ سيواجه تحالف «بريكاتان ناسيونال» الذي يهيمن عليه «الحزب الإسلاميّ الماليزيّ»، وهو حزب إسلامويّ صريح وغير متنكّر. وناهيك عن الفصل بين الجنسين، حظر «الحزب الإسلاميّ الماليزيّ» دور السّينما تماماً في ولاية يحكمها منذ عقود.

سيحتاج أنور إلى كل ما لديه من كاريزما أسطوريّة لنقل المعركة إلى خصوم سيستغلّون أدنى زلة للادّعاء بأنّ ائتلافه الذي يهيمن عليه الملايو، وإن كان متعدّد الأعراق، يقوّض موقف الأغلبيّة المسلمة من الملايو في البلاد. لكن في مقابلة حديثة مع «تلفزيون بلومبيرغ»، بدا باهتاً وقدّم إجابات قصيرة وغير مقنعة. حتّى أولئك الذين كانوا متشكّكين بشأنه في الماضي لا شكّ يأملون في أن نرى المزيد من أنور القديم: شخص قادر، بالقدر نفسه، على تسكين الجمهور وإثارة عواطفه. ولأنّ كل المعتدلين في حكومته. وهي حكومة لا تحتاجها ماليزيا من أجل النّجاة  فقط، ولكن الازدهار، أيضاً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال، 7 آذار (مارس) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية