هل يرعى الغرب التأسيس الثاني لدولة داعش؟

هل يرعى الغرب التأسيس الثاني لدولة داعش؟


30/01/2022

حبس العالم أنفاسه في مواجهة عملية داعش النوعية، التي اقتحم خلالها سجن غويران في الحسكة في الشمال السوري، في المناطق التي تسيطر عليها عملياً قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ورأى بعضهم أنّ هذه العملية، مع غيرها في العراق وبعض العمليات الأخرى التي سبقتها، مجرد محاولة لإثبات الوجود ومحاولة تجنيد مزيد من أنصار التنظيم، قد لا تعني أنّ التنظيم ما يزال مشغولاً بسوريا والعراق، أو حريصاً على استعادة دولته على أراضيها، لافتاً إلى عمليات التنظيم في العديد من المناطق الأخرى غرب أفريقيا وفي أفغانستان، في إشارة إلى أنّ التنظيم قد يكون غير أهدافه، ولم تصبح مناطق سوريا والعراق هي المناطق المفضلة لديه، على الأقل في تلك المرحلة.

اقرأ أيضاً: بعد أحداث سجن غويران... أين تقف أوروبا في مواجهة داعش؟

انطلاق هذه العمليات، وفي القلب منها تلك العملية الأخيرة في الحسكة، كانت تأكيداً على أنّ التنظيم قد نجح منذ إعلان هزيمته في الباغوز وانهيار دولته أو ما تبقّى منها في استعادة قدراته التنظيمية إلى حدّ كبير، وترميم هياكل عملياته والقدرة على تنشيط خلاياه النائمة، التي يبدو أنّه كان قد زرعها مبكراً قبل هزيمته.

شكل العملية وسياقها، والتي بدا فيها قدر كبير من التنسيق والتخطيط، الذي جمع حركة السجناء داخل السجن مع الاقتحام من خارجه، يشي بأننا لسنا ربما أمام خرق أمني كبير فقط، بالنظر إلى حركة أعداد من مقاتلي التنظيم قبل الاقتحام في بعض المناطق القريبة، وتخزين أسلحة لأعداد قيل إنّها تصل إلى 100 مقاتل، تحت عيون التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، التي أتصوّر أنّها تتحمل وحدها كلفة أمر أكبر من طاقتها بكثير، وتدفع كونها وقعت بين محيط من الأعداء سواء النظام السوري من جهة، أو تركيا من جهة أخرى، أو خذلان الحليف الأساسي لها وهو أمريكا.

هل لهذا الإحياء الثاني لتنظيم داعش علاقة بالحرب الروسية الأوكرانية الوشيكة والتصعيد مع الغرب؟ وهل سيلجأ بايدن للّعب بورقة الإرهاب عبر إحياء مجموعات داعش في سوريا والعراق؟

كتب ريتشارد سبنسر، مراسل صحيفة "التايمز"، قائلاً: "لا أحد يستطيع أن يقول إنّه لم يكن على دراية بالأمر، فتلك السجون كانت مكتظة وكانت تضم آلاف الجهاديين، وكانت فضيحة منذ لحظة هزيمة تنظيم داعش، محذّراً من أنّه ما يزال أكثر من 12 ألف أسير في عهدة قوات سوريا الديمقراطية، 2000 منهم من الأجانب، إضافة إلى 70 ألف من النساء والأطفال في مخيمات للنازحين تحت الحراسة".

اقرأ أيضاً: ماذا يعني تزامن هجمات داعش في العراق وسوريا؟

ما أشار إليه سبنسر ليس جديداً، كما أنّه ليس جديداً أيضاً أنّ التنظيم لم يخفِ رغبتَه أو نيته في اقتحام تلك السجون، وتحرير أسراه، خصوصاً من القيادات المهمة التي كان يضمّها سجن عويران، وأتصوّر أنّ الاقتحام في موجاته الأولى قد نجح بالفعل في تحريرهم، تحدّثت وسائل إعلام التنظيم عن خططها بوضوح في هذا الأمر، الغريب أيضاً أنّ قوات سوريا الديمقراطية تحدثت أيضاً وحذّرت من نوايا التنظيم في اقتحام السجون، خصوصاً مع فصل الشتاء وظروف المناخ التي قد تتيح ظروفاً استثنائية، قد تحيد قدرات التحالف الدولي جوياً في التدخل، على الأقل في لحظة المفاجأة، أو ربما هناك من غضّ الطرف لأسباب.

كان العالم يعرف إذاً ما قد تواجهه قوات سوريا الديمقراطية التي تركت في العراء وحدها في مواجهة التنظيم، أو ما تبقى بالأحرى من أهم قياداته ونسائه وأطفاله.

أين يصبّ هذا التجاهل؟

يشير سبنسر إلى أنّ ترامب أيضاً قدّم إسهاماً كبيراً في الأزمة، في أواخر 2019، عندما سحب نصف القوات الأمريكية القليلة التي لم تتجاوز 2000 عسكري، كانوا يساعدون في حراسة منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

من جانب آخر، وفق سبنسر، تسمى قوات سوريا الديمقراطية المنطقة التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكنّ هذا الحكم الذاتي له ثمن، غير معترف بها من قبل نظام الأسد، بالتالي، من قبل الأمم المتحدة، وهي غير مؤهلة للحصول على مساعدة مباشرة، وتزعم الحكومات الغربية أنّه لا يمكنها أن تسمح قانوناً بتسليم المطلوبين.

اقرأ أيضاً: عمليتان جديدتان لتنظيم داعش في سوريا والعراق بنكهة سياسية.. ما الجديد؟

تتهم الحكومة السورية، في المقابل، قوات سوريا الديمقراطية بأنّها تمارس تمثيلية تغطّي من خلالها عمليات تهجير قسري للقبائل العربية، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي يمهّد لسيطرتها الكاملة مستقبلاً على الشمال وفصله. الجانب الكردي يقول إنّ الهجرات التي حدثت كانت بفعل هجمات خلايا داعش، ودفعت أبناء القبائل إلى دخول المناطق الكردية؛ فهل يعدّ ذلك تهجيراً قسرياً تمارسه قسد؟ ثم هل تخاطر قوات سوريا الديمقراطية بحياة أبنائها العسكريين؟ غير منطقي بالطبع.

كتب ريتشارد سبنسر، مراسل "التايمز": لا أحد يستطيع أن يقول إنّه لم يكن على دراية بالأمر، فتلك السجون كانت مكتظة وكانت تضم آلاف الجهاديين، وكانت فضيحة منذ لحظة هزيمة داعش

وقبل أقل من عشر سنوات، عام 2003، حاربت القوات الأمريكية التي اجتاحت العراق نسخة أولية من تنظيم داعش، وعندما نجحت في إضعافها وهزيمتها عسكرياً، بمعونة كبيرة من أبناء العراق تحت عنوان الصحوات، تكفلت السياسة الطائفية لنوري المالكي، فضلاً عن التدبير الأمريكي المتمثل في وضع السجناء في سجن بوكا وأبو غريب وغيرها من السجون البغيضة، في إعداد نسخة أكثر توحّشاً مثل النواة الأولى لتنظيم داعش.

اقرأ أيضاً: داعش إذ يحرّر سجناءه ويستهدف ميليشيات إيران في سوريا

ولإنعاش الذاكرة، انحازت مجموعات داعش إلى الصحراء، لتعود في وقت قصير وتحتل المدن العراقية والسورية وتنشئ دولتها.

جرى هذا تحت أعين الجميع؛ فهل ترعى أمريكا والغرب الولادة الثانية للتنظيم في سوريا والعراق ليعاد توظيفه كقلم لرسم الخرائط لحساب قوى دولية وإقليمية؟

هل لهذا الإحياء الثاني علاقة بالحرب الروسية الأوكرانية الوشيكة والتصعيد مع الغرب؟ هل سيلجأ بايدن للّعب بورقة الإرهاب عبر إحياء مجموعات داعش في سوريا والعراق، وبناء بؤرة مماثلة على حدود الصين بدعوة نصرة مسلمي الإيجور، تماماً كما فعل سلفه ريجان بمشورة وزير الأمن القومي بريجنسكي في أفغانستان؟

اقرأ أيضاً: هل يعيد الحشد الشعبي خريطة التحالفات لمواجهة تنظيم داعش؟

صعد داعش في السابق على خلفية التناقضات بين اللاعبين في الإقليم والعالم، وبرع في استخدام تلك التناقضات في الأهداف والأجندات، والتي يجسّدها بوضوح انقسام سياسي في العراق وهيمنة ميليشيات إيران على قراره السياسي، أهداف لروسيا وتركيا في الشمال السوري، كلّها متغيرات تجعل عودته ممكنة وهجرة عناصره إلى سوريا والعراق من جديد، خصوصاً بعد أن نجح في بناء بؤر بديلة في شرق وغرب أفريقيا وأفغانستان، تمكّنه من رفد التنظيم بمزيد من العناصر التي قد تمكّنه من العودة لنشر الفوضى وإن لم يسيطر مكانياً على المدى المنظور.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية