هل يدفع المسلمون ثمن الصراع الصيني الهندي حول سريلانكا؟

هل يدفع المسلمون ثمن الصراع الصيني الهندي حول سريلانكا؟


25/04/2019

فجرت حوادث تفجيرات سريلانكا الأخيرة السؤال الأهم، وهو: هل تدفع سريلانكا ثمن صراعات النفوذ والمصالح بين الهند والصين؟

بمعنى آخر؛ هل يبدو تنظيم داعش هو الفاعل الحقيقي الذي أعلن مسؤوليته عبر وكلاء محليين من أرباب التطرف الإسلامي، محاولاً تكريس أنّه الفاعل الوحيد؟

في التفتيش عن الأطراف المستفيدة، لن يبرز داعش باعتباره أكثر المستفيدين، بل نحن أمام أطراف أهم

لم تغادرني قناعة بأنّ الأمر أكبر من كونه حادثاً عارضاً نفذه داعش، اعتماداً على عناصر محلية، وفي ظلّ تراخٍ أمني، بدا مثيراً للشكّ، نحن أمام مجموعة من الحقائق الإستراتيجية التي لا يمكن إهمال دورها في هذا الحادث، والعديد من المصالح للعديد من اللاعبين، خصوصاً مع تواتر الأنباء حول اكتشاف المزيد من العبوات المتفجرة في أماكن أخرى في أعقاب تفجيرات الأحد الأكبر، والأفدح من حيث الخسائر. 

من المعلوم؛ أنّ الصراع في سريلانكا بعد انتهاء الحرب بين الحكومة ونمور التاميل، عام 2009، كان بين القوميين البوذيين الذين لهم سجل طويل في العنف داخل سريلانكا، وبين الأقلية المسلمة التي لم تبدِ تفاعلاً كبيراً مع تلك الحوادث، مغلبة روح التعايش، وهو ما يفرض عليها الآن بشكل أكبر، الوعي بطبيعة المؤامرة الخارجية التي تشرح ربما ما يحدث، فكيف نستطيع إهمال هذا السجل والمصالح الحاضرة في إشعال الساحة الداخلية.

اقرأ أيضاً: تأثير الفكر الإخواني يلوح من مجزرة سريلانكا

بدا بيان داعش المتأخر بخلفية مخابراتية تعكس مصالح مركبة، أولها ربما تأديب حكومة كولومبو، وإظهارها بمظهر العجز والارتباك، وهو ما بدا من خلال قرار رئيس الدولة بإقالة وزيري الدفاع والشرطة.

نحن أيضاً أمام سعي لبعض القوى لتبديد حالة التعاطف مع المسلمين في أحداث نيوزلندا، بتسويغ الحادث باعتباره موجهاً ضدّ المسيحيين من قبل المسلمين، كشكل من أشكال الانتقام على أحداث نيوزلندا، وفي هذا تجنٍّ واضح يحتاج، كما قلنا، من الأقلية المسلمة في سريلانكا، إلى إبداء أكبر قدر من التضامن مع ضحايا الحوادث من المسيحيين، انسجاماً مع ما أبداه شعب نيوزيلندا في أعقاب حوادث المسجدين هناك، لقطع الطريق على هذا الادعاء المريض.

اقرأ أيضاً: ما علاقة القرضاوي بمنفذي هجوم سريلانكا؟

في التفتيش عن الأطراف المستفيدة، لن يبرز داعش باعتباره أكثر المستفيدين، بل نحن أمام أطراف أهم، لها مصلحة في إضعاف السلطة المركزية في كولومبو، في سياق الصراع بين أكبر قوتين في المنطقة، الهند والصين.

أما الصين؛ فمن المعروف أنّ طموحاتها تمر عبر سريلانكا، التي تعد أهم متلق للمعونات الصينية سواء لدوافع اقتصادية أو إستراتيجية.

فعندما أطلقت الصين مبادرة مشروع الحرير الجديد، أو الطوق والطريق، التي عكست طموحاً أسطورياً للقيادة الصينية، سعت من خلال ذلك لتنفيذ مشروعات في 60 دولة حول العالم، للفوز بموطئ قدم سياسي واقتصادي في مواقع إستراتيجية، ضمن مبادرة حجمها 8 ترليون دولار، خلال العقود الأربعة القادمة، وما يرتبط بذلك من قروض لبعض الدول ومنها سريلانكا، التي تبدو الضحية الأبرز لتلك الاستثمارات في البنية التحتية، كانت سريلانكا قد عجزت عن الوفاء بتسديد فوائد الديون التي حصلت عليها من إكسيم بنك الصيني، والتي تجاوزت مليار دولار من أجل تشييد ميناء بأهمية عسكرية كبيرة، مما اضطرها لتأجير الميناء لمدة 99 عاماً، لشركة حكومية صينية لإدارة الموانئ، وقد انطلقت صفارات الإنذار وسادت حالة من القلق العارم في الهند؛ عندما دخلت غواصات الجيش الصيني ميناء كولومبو دون سابق إنذار، فيما بدا مظهر جديد لحالة الصراع المكتوم، بين الهند والصين، عبر الساحة السريلانكية.

اقرأ أيضاً: هجمات سريلانكا.. "داعش" تطل بقسوة مرة أخرى

سريلانكا من جانبها حرصت على إعادة بعض التوازن لسياستها الخارجية، وأكدت للهند أنّ العمليات الحساسة داخل الموانئ، بما في ذلك الإدارة الأمنية ستنهض بها شركة وطنية، وأنّ ميناء هاميانتونا الذي استأجرته الصين لن يستخدم في أغراض عسكرية، كما رفضت طلبات متكررة لاحقاً من الجيش الصيني لدخول ميناء كولمبو.

في التفاصيل اللافتة؛ ما ذكره لاكشمان كنزيلا، رئيس البرلمان السريلانكي، من أنّ مسؤولين كباراً تعمدوا حجب معلومات استخبارية تفيد باحتمال تعرض البلاد لهجمات، مضيفاً أنّ حجب بعض مسؤولي الاستخبارات للمعلومات كان بشكل متعمد، رغم توفر المعلومات، وأنّ المسؤولين لم يتخذوا الإجراءات المناسبة، مؤكداً أنّ هناك من يسيطر على مسؤولي الاستخبارات الكبار هؤلاء، مجلس الأمن يمارس لعبة السياسة نحن في حاجة إلى التحقيق في هذا".

ما يحدث في الداخل السريلانكي، ليس مقطوع الصلة بهذا الصراع بين الفيل الصيني والتنين الهندي

تبدو كلمات رئيس البرلمان واضحة في شرح تقاسيم المشهد الداخلي، وتشي ربما بحجم الاختراق الكبير لقوى ما ليست بعيدة عن تلك الحالة من الصراع بين الهند والصين، التي قدمنا لبعض تفاصيلها.

ما أريد أن أذهب إليه؛ أنّ ما يحدث في الداخل السريلانكي، ليس مقطوع الصلة بهذا الصراع بين الفيل الصيني والتنين الهندي.

وأنّه، كما استفادت داعش من تناقض الأجندات الدولية والإقليمية والداخلية، فيما يخصّ سوريا والعراق، وكما درجت بعض القوى في توظيف ورقة الإرهاب لتحقيق النفوذ والمصالح في المنطقة نفسها، تبدو الآن بعض القوى في شبه القارة الهندية، عازمة على توظيف تلك الورقة عبر الاختراق المخابراتي وتوظيف الأطراف الجاهزة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى العقل المدبّر لتفجيرات سريلانكا

للأسف، الطرف الأضعف، كالعادة، في تلك المعادلة، ومَن يدفع الأثمان الباهظة هم المسلمون، وقد شهدنا ما جرى لمسلمي الروهينغا، وكيف تواطأ العالم على ذبحهم بدم بارد، ما يفاقم المشكلة هو غياب العقول الإستراتيجية داخل الأقلية المسلمة هناك، وعدم إدراكها لتلك التعقيدات، ما يفتح الباب لاستدراجها لأرضية داعش وجماعات التطرف، وهو ما يصبّ في صالح إشعال الساحة السريلانكية، وتحقيق ضعف في السلطة، لن تستفيد منه سوى الأطراف الطامعة في مزيد من الهيمنة على القرار السريلانكي، الذي لن يقويه سوى بناء اجتماعي أقوى غير قابل للاختراق، في النهاية؛ يبقى تماسك المجتمعات تحت لواء المواطنة، وعدم التمييز، الضمانة الأهم للأمن القومي لأيّة دولة، خصوصاً إذا كانت مطمعاً لقوى دولية كالحال في سريلانكا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية