"الإخوان المسلمون والانكفاء إلى الظل".. قراءة في مسار حركات الإسلام السياسي بالربيع العربي

"الإخوان المسلمون والانكفاء إلى الظل".. قراءة في مسار حركات الإسلام السياسي بالربيع العربي

"الإخوان المسلمون والانكفاء إلى الظل".. قراءة في مسار حركات الإسلام السياسي بالربيع العربي


30/03/2024

يستكشف كتاب "الإخوان المسلمون وحركة النهضة، الانكفاء إلى الظل" لمؤلفته أليسون بارجيتر، مسار الحركات الإسلامية السياسية في أيام "الربيع العربي" وما بعدها، وهو حصيلة مشروع بحثي شمل مقابلة عدد كبير من قيادات وأعضاء "الإخوان المسلمون" و"النهضة" في عامي 2013 – 2014.

وتلاحظ المؤلفة -وهي باحثة ومحللة سياسية بريطانية متخصصة في سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي الإسلام السياسي، وتعمل باحثة أولى مشاركة في معهد الخدمات المتحدة الملكي- تلاحظ الكيفية التي تعاطت بها الجماعات السياسية الإسلامية مع الانتفاضات التي حدثت ومتوالياتها السياسية، ولماذا فقدت حظوتها بسرعة بالغة، وترد السبب الأساسي في سقوطها إلى سذاجتها وانعدام رؤيتها.

وتقدم بارجيتر ثلاث تجارب للإخوان المسلمين في "الربيع العربي" وما بعده، وهي؛ مصر وليبيا وتونس، وقد صعد الإخوان المسلمون في مصر منذ بداية السبعينيات، ليكونوا عشية "الربيع العربي" في العام 2011 القوة الرئيسية المنظمة في الشارع، ورغم أنّهم لم يشاركوا في ثورة الشارع المصري (25 يناير)، كما لم يكونوا خارج الصورة بالكامل، لكنهم حصدوا نتائج هذه الثورة عندما أجريت انتخابات نيابية ورئاسية.

 كتاب "الإخوان المسلمون وحركة النهضة، الانكفاء إلى الظل" لمؤلفته أليسون بارجيتر
ربما كان الخطأ القاتل للجماعة في مصر، عندما شاركت في الانتخابات الرئاسية وأوصلت محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية، بخلاف حركة النهضة التي فضلت أن تكون شريكاً رئيسياً مع قوى وأحزاب سياسية أخرى وألا تنفرد بالحكم، وفي ذلك فقد جنبت "النهضة" نفسها مواجهة شاملة، في حين أنّ الجماعة في مصر وجدت نفسها في مواجهة جميع القوى والأحزاب السياسية إلى أن تم عزل مرسي بعد عام واحد من تولّيه رئاسة الجمهورية.

ربما كان الخطأ القاتل للجماعة في مصر عندما شاركت في الانتخابات الرئاسية وأوصلت محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية

عندما انتقلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى الحكم، لم يحدث تحسن على حياة الناس، ولم تكن الجماعة تملك رؤية حقيقية، ودخلت في متوالية من ردود الأفعال والمناورات، واستدرجت إلى حرب إعلامية وسياسية لم تكن قادرة على النجاح فيها، لقد واجهت تحديات كبرى بمقولات جوفاء وعتيقة كانت تصلح للدعوة والمعارضة وليس الحكم، أو كما تقول المؤلفة "لقد اعتقدت الجماعة أنّه لإدارة بلد كبير ومعقد مثل مصر، فإنّه بالفرد الصالح الذي يحمل الإسلام بين جنبيه يتحقق التقدم، لكن لم يكن هناك سوى ثقب أسود كبير".

اقرأ أيضاً: "من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي".. أركون وكسر الأنساق المغلقة

ظلّ مرسي يعمل كعضو في الجماعة وليس كرئيس لجمهورية مصر، ولم يبدد اعتقاداً مفاده أنّه ليس أكثر من واجهة وأنّ الجماعة هي المحرك الحقيقي، يقول عبدالمنعم أبو الفتوح، عضو مكتب إرشاد سابق في الجماعة، إنّ مرسي "كان يدير الدولة وكأنّها فرع من فروع "الإخوان"، وأدار الاجتماعات في الرئاسة تماماً كما اعتاد إدارة اجتماعات المكتب السياسي لحزبه: حزب الحرية والعدالة، وعندما كان يعقد اجتماعاً مع الحزب ويتخذ فيه قراراً ما يقول دائما علينا أن ننتظر حتى نطرح الموضوع على قيادة الإخوان المسلمين".
ويضيف أبو الفتوح، "أنّ خيرت الشاطر كان يدير كل شيء من خلف الستار كما في عروض الدمى المتحركة، لقد كان لمصر رئيسان: أحدهما حقيقي هو خيرت الشاطر، والآخر رسمي هو محمد مرسي".

 

 

إذا كانت تجربة "إخوان مصر" كما تقول المؤلفة، في الكتاب  الصادر عن دار الساقي العام 2018 بترجمة أحمد ناهد البداوي، هي تجربة حركة عجوز صعبة المراس، تصارع من أجل أن تكيف نفسها كي تصبح مؤسسة سياسية فعال حديثة، فإنّ "الإخوان المسلمون" في ليبيا كانوا أشبه بطفل جديد في الساحة، وقد كانت الجماعة على حد من الوهن والضعف إلى درجة أنّها دخلت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في حوار مع نجل القذافي سيف الإسلام، وكان أقصى أمل لها هو العودة إلى البلاد والعمل بصفة جمعية خيرية أو مدنية.

تقدم بارجيتر ثلاث تجارب للإخوان المسلمين في الربيع العربي وما بعده وهي مصر وليبيا وتونس

لكن الجماعة تحولت وبسرعة بعد "انتفاضة فبراير" في بنغازي إلى جهة سياسية فعالة، وشاركت في المجلس الوطني الانتقالي بوزارتين، هما؛ الأوقاف والشؤون الدينية (سالم الشيخي) ووزارة الاقتصاد (عبدالله شامية)، ومع أنّ الجماعة لم تحصل على نتائج مهمة في الانتخابات التي جرت فيما بعد، فقد بدأت تنظر إلى نفسها كقوة سياسية رئيسية، لكن الإطاحة بالإخوان في مصر كانت أيضاً ضربة قاسية أقرب إلى الإطاحة بالإخوان الليبيين.

 

 

وفي تونس صعدت حركة النهضة "الإسلامية" كقوة رئيسية بعد سقوط زين العابدين بن علي، وأحرزت 89 مقعداً من أصل 217 مقعداً نيابياً في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) للعام 2011، ودخلت إلى الحكم في شراكة ثلاثية، كان فيها المنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية، وحمادي الجبالي من النهضة رئيساً للحكومة، ومصطفى بن جعفر (التكتل) رئيساً للمجلس الوطني التأسيسي، لكن كانت النهضة هي القوة الرئيسية في الحكم.

ظل مرسي يعمل كعضو في الجماعة وليس كرئيس لمصر ولم يبدد اعتقاداً مفاده أنه ليس أكثر من واجهة وأن الجماعة هي المحرك الحقيقي

لكن المؤلفة ترى أنّ النهضة تحولت في شهور قليلة من حزب إنقاذي إلى حزب نيوليبرالي أدار ظهره للفقراء والمهمشين والثوار الذين أطاحوا بالاستبداد، ولم تتحقق الآمال والوعود الاقتصادية بتحسين الحياة كما كان التونسيون ينتظرون من الثورة والانتخابات التي أعقبتها.

وتخلص المؤلفة، في خاتمة الكتاب، إلى أنّ الإسلام السياسي الذي صعد في "الربيع العربي" تعرض لضربة قاصمة في ظل تجربته السياسية، لكنه لم يمت، وسيبقى معلماً رئيسياً من معالم المنطقة، فـ"الإخوان" و"النهضة" حركات اجتماعية جماهيرية تمضي في العمل والحشد أكثر من دورها السياسي، ولا يمكن إقصاؤها بسرعة أو بسهولة، كما أنّ الظروف التي أنتجت الإخوان ما تزال موجودة وقائمة، فضلاً عن أنّ المنطقة تعاني من الاستبداد والفشل الاقتصادي والتنموي، والحال أنّ جماعات الإسلام السياسي لم تكن أسوأ من غيرها من الأحزاب والقوى السياسية، وما حدث بالفعل ليس فقط إخفاق الإسلام السياسي، لكنه أيضاً مأساة فشل المنطقة وعدم قدرتها على التقدم باتجاه الأفضل.

الصفحة الرئيسية