هل يتجاوز العراق معضلة الانفجار السياسي؟

هل يتجاوز العراق معضلة الانفجار السياسي؟


06/07/2022

لا تزال مسارات تشكيل الحكومة العراقية غامضة، في ضوء التوترات التي تشوب المشهد السياسي بعد انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان منتصف حزيران (يونيو) الماضي والتي كانت تشمل (73) نائباً، لتحل قوى "الإطار التنسيقي"، المؤلفة من أحزاب بعضها موالٍ لفصائل مسلحة، بديلاً عنه بعد أن وصل عددها إلى (130) نائباً داخل البرلمان، فيما تحذر تقارير عدة من احتمالات "الانفجار السياسي" بالبلاد.

ولم تنجح قوى الإطار التنسيقي حتى الوقت الراهن في تحديد ملامح أو مسار تشكيل الحكومة، فيما تحتدم الصراعات الداخلية بين أعضائها، لكن مصادر برلمانية عراقية توقعت أن تجري مشاورات تشكيل الحكومة ومن ثم الإعلان عن الترشيحات، عقب إجازة عيد الأضحى. 

وحول طبيعة الخلاف القائم بين أعضاء "الإطار التنسيقي"، قالت مصادر برلمانية عراقية من داخل التكتل لصحيفة "الشرق الأوسط"، إنها تتمحور حول مسألتين، "تتعلق الأولى بالمناصب، خصوصاً منصب رئيس الوزراء ومنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، أما الثانية فهي كيفية التعامل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي بدا انسحابه السياسي وانسحاب نوابه من البرلمان مفاجئاً تماماً في وقت يصعب ملء الفراغ الذي سيتركه".

وبحسب المصادر ذاتها، طرح زعيم "دولة القانون" نوري المالكي، وزعيم "الفتح" هادي العامري، اسميهما لتولي منصب رئيس الحكومة وسط رفض أطراف شيعية مؤثرة لتولي قادة الخط الأول أو رؤساء الحكومات السابقين المسؤولية الأولى من جديد. 

وإضافة إلى ذلك لا تلقى المبادرة التي أطلقها الزعيمان الشيعيان عمار الحكيم وحيدر العبادي، حول آلية تشكيل الحكومة المقبلة استحسان القيادات الراغبين في تشكيلها سريعاً، داخل الإطار التنسيقي، وتمثل أيضاً نقطة خلاف جوهرية بين أعضائه. 

وفي السياق ذاته، توقع مصدر مقرب من "التيار الصدري" فشل المفاوضات الجارية بين قوى "الإطار التنسيقي" والأطراف الأخرى، لاسيما تحالف "السيادة" والحزب "الديمقراطي الكردستاني"، بسبب ما وصفه بغياب الضمانات، مؤكداً في تصريحات لصحيفة "الاتحاد"، أنه "لا مؤشر ظهر على الساحة يؤكد قرب التوصل إلى تفاهم، أو بلورة أي اتفاق ببنود واضحة وصريحة". 

كيف سيجري تشكيل الحكومة المرتقبة في البلاد؟

وفق المعطيات الراهنة في المشهد السياسي بالعراق، تضع دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، سيناريوهين متوقعين لمسار تشكيل الحكومة المرتقبة في البلاد. 

 بدا انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر السياسي وانسحاب نوابه من البرلمان مفاجئاً تماماً في وقت يصعب ملء الفراغ الذي سيتركه

يتعلق الأول بمشروع حكومة الأغلبية، وهو المشروع الذي تمحورت حوله رؤية مقتدى الصدر، التي طرحها وأصر عليها وكررها في بياناته وتغريداته وخطبه السياسية، في السابق، قبل استقالته، وتحالف معه محمد الحلبوسي ومسعود بارزاني ليشكلوا تحالفاً ثلاثياً أطلقوا عليه اسم (تحالف إنقاذ وطن).

وحرص مقتدى الصدر من خلال هذا المشروع، بحسب الدراسة، على إقصاء خصومه التقليديين وخاصة نوري المالكي وبعض قيادات تحالف الفتح، فيما يستثني بعض الشخصيات في الإطار التنسيقي ويحاول استمالتها، مثل: هادي العامري، وعمار الحكيم، وحيدر العبادي.

عباس عبود سالم: انسحاب الصدر من المشهد السياسي شكل بداية لمفترق طريق سياسي احتمل مسارين: الأول؛ هو انهيار الدولة أمام ضغط الشارع، والثاني؛ تماسك الدولة في ظل الدستور والأنظمة والقوانين القائمة باستمرار دعم الفواعل الخارجية

وبحسب الدراسة المنشورة تحت عنوان: "المشهد السياسي العراقي بعد انسحاب الصدر.. تعدد الفواعل وقلة الخيارات" للباحث العراقي عباس عبود سالم، بذل مقتدى الصدر جهداً كبيراً وجرب تكتيكات ذكية لتفتيت الإطار التنسيقي لينفرد هو بالنهاية بقيادة المكون الشيعي داخل البرلمان وخارجه، لكنه لم يتمكن من المضي في تحقيق هدفه الاستراتيجي. 

أما المشروع الثاني، فيتمثل في احتمال تشكيل الحكومة التوافقية، وهي الرؤية التي طرحها الإطار التنسيقي وشركاؤه وتمسكوا بها خلال الفترة الماضية، والتي تقوم على مشاركة الكتل والقوى السياسية جميعها الفائزة بالانتخابات بتشكيل الحكومة، وحسبما جرت عليه العملية السياسية منذ أول دورة برلمانية لها، حيث قام النظام السياسي على مبدأ المكونات والتقاسم الوظيفي الطائفي – الإثني الذي يرى أغلب المراقبين أنه يغطّي على مظاهر الخلل والأخطاء والعيوب والنواقص والثغرات.

وسابقاً كان المالكي قد تبنّـى شعار الأغلبية السياسية للخروج من مأزق المحاصصة وتشكيل حكومة أغلبية سياسية، لكنه اكتشف بعد محاولات عدة أن تحقيق هذا المشروع يتطلب إصلاحات دستورية وتغييرات بنيوية في السلوك السياسي بحسب الدراسة ذاتها.

ما تداعيات انسحاب الصدر؟ 

شكّل انسحاب مقتدى الصدر من المشهد السياسي بداية لمفترق طريق سياسي يحتمل مسارين، بحسب الدراسة، الأول، هو انهيار الدولة أمام ضغط الشارع وقيام الصدر الذي تحول بانسحابه من العملية السياسية إلى فاعل سياسي مهم بإمكانه قيادة تظاهرات شعبية شبيهة بتظاهرات تشرين أو أشد منها، ففي ظل هذا المسار سيبرز دور الجماعات المسلحة بدل العملين السياسي والإعلامي، لضمان تحقيق توازن جديد في القوة بين الفرقاء السياسيين، والبحث عن حجوم جديدة تحددها القوة على الأرض لا صناديق الاقتراع.

لا تلقى المبادرة التي أطلقها الزعيمان الشيعيان عمار الحكيم وحيدر العبادي، حول آلية تشكيل الحكومة المقبلة، استحسان القيادات الراغبين في تشكيلها سريعاً

والمسار الثاني: تماسك الدولة في ظل الدستور والأنظمة والقوانين القائمة ويتم ذلك باستمرار دعم الفواعل الخارجية التي يرتبط العراق معها بالتزامات متبادلة للحفاظ على وحدته واستقراره ودعم نظامه الديمقراطي، مثل: الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

ما هي سيناريوهات المستقبل؟ 

في ضوء التطورات في المشهد السياسي العراقي يتوقع، الباحث 3 سيناريوهات للأزمة الراهنة، الأول هو حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. 

 ويعد الأول سيناريو قابل للتحقق إذا أقدم حلفاء مقتدى الصدر في "تحالف إنقاذ وطن"، وهم: مسعود بارزاني و محمد الحلبوسي على اتخاذ موقف مماثل من موقف مقتدى الصدر بالانسحاب من البرلمان، أو البقاء فيه والعمل كثلث معطل، لإحراج الإطار التنسيقي، لاسيما مع عدم توصل الإطار وشركائه إلى اتفاق على تشكيل الحكومة.

يتمثل السيناريو الثالث في تشكيل حكومة من المستقلين، وهو سيناريو مشابه لحكومة الكاظمي

ويرجح الباحث أن يتخذ البارزاني هذه الخطوة أو يهدد بها إذا شعر أنّ الخريطة السياسية الجديدة تتجاهله أو تهدد مكانته الجديدة كزعيم للكرد والسُّنة العرب، وفي حال لم يحصل بارزاني على تنازلات من الإطار التنسيقي بالاستجابة إلى مطالبه، كونه، أي البارزاني، أقل المستفيدين من التحالف الثلاثي منذ إعلان نتائج الانتخابات لغاية انسحاب مقتدى الصدر، ويمتلك بارزاني اليوم القدرة على حشد ثلث معطل لعرقلة جهود الإطار لتشكيل الحكومة.

وفي المقابل ترفض قوى الإطار التنسيقي هذا السيناريو؛ لأنها ترغب في تغيير قانون الانتخابات المعدل في عام 2020، الذي على أساسه أجريت انتخابات عام 2021، وتعتبره سبباً مباشراً فى تراجع نتائجها الانتخابية.

حكومة توافقية

السيناريو الثاني، يتمثل في تشكيل حكومة توافقية بالاتفاق بين الإطار التنسيقي مع حلفاء الصدر، وهو أفضل سيناريو ممكن، وفق الباحث وسيحظى بدعم خارجي جيد، لاسيما مع حاجة الحلبوسي والبارزاني إلى المضي بتشكيل الحكومة، ورغبة واشنطن في المضي بالاستحقاقات الدستورية، ورغبة إيران بتماسك وقوة حلفائها وأصدقائها داخل العراق لكنه سيكون في امتحان المواجهة مع الشارع.

سالم: هناك 3 سيناريوهات للأزمة العراقية، إما حل البرلمان أو تشكيل حكومة توافقية أو حكومة مستقلين 

ويبقى العامل الأهم في هذا السيناريو هو الاتفاق على رئيس وزراء يحظى بقَبُول لدى الفواعل الداخلية والخارجية ويمتلك الخبرة والقدرة على العمل في الظروف الاستثنائية.

وأخيراً يتمثل السيناريو الثالث في تشكيل حكومة من المستقلين، وهو سيناريو مشابه لحكومة الكاظمي، حيث يرى تقرير أمريكي نشره موقع البيت الأبيض بالعربي، وأوردته الدراسة "أنّ هذا السيناريو قد يكون هو الأصوب بالنسبة إلى العراق"، معللاً ذلك بأنّ اختيار رئيس حكومة مستقل سيكون كفيلاً "بامتصاص غضب الصدر، وغضب الجماهير باعتبار أنه من خارج الطبقة السياسية".

كما أنّ هذا الخيار هو سيناريو معقول سبق أن طرحه الإطار التنسيقي والتيار الصدري في مبادرتين منفصلتين سابقاً.

مواضيع ذات صلة:

ألغام في طريق رئيس الوزراء العراقي: ماذا تريد إيران من الكاظمي؟

استقالة الكتلة الصدرية.. متى يلتقط العراق أنفاسه؟

ميليشيات موالية لإيران تقاسم العراق ثرواته... أرقام صادمة لكميات النفط المنهوبة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية