بعد رفض الجانب الأمريكي انتشار قوات تركية أو حليفة لها في "المنطقة الأمنية" المقرر إنشاؤها شمال شرقي سوريا، جاءت من موسكو عقبة أخرى وتقييد آخر أمام طموحات أنقرة الراغبة في إقامة المنطقة بمفردها. فعلاوة على التباين بين موسكو وأنقرة في تعريف "الإرهاب" في ما يتعلق بالتنظيمات الكردية السورية، نقلت وكالات أنباء روسية عن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قوله أمس إنّ الشرطة العسكرية الروسية يمكن نشرها في "منطقة آمنة" مقترحة على طول الحدود الشمالية السورية مع تركيا.
لافروف: إنّ الشرطة العسكرية الروسية يمكن نشرها في "منطقة آمنة" مقترحة على طول الحدود الشمالية السورية مع تركيا
ومن غير المرجح، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، أن يكون الاقتراح مُرضياً بالنسبة لأنقرة، الحريصة على إقامة المنطقة لكنها أكدت ضرورة أن تكون تحت سيطرة تركية مع نشر قواتها فقط هناك. وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لأنصاره في كلمة في كانون الثاني (يناير) الماضي إنّ بلاده لا تتوقع من حلفائها سوى الدعم اللوجيستي!
وكانت روسيا، تضيف "رويترز"، قالت إنّ تركيا ليس لديها حق إقامة المنطقة من دون طلب موافقة الرئيس السوري، بشار الأسد، والحصول عليها. ونُقل عن لافروف قوله، أمس، إنّ القادة العسكريين في المرحلة النهائية من تحديد شكل المنطقة الآمنة، وإنّ أي قرار سيأخذ مصالح دمشق وأنقرة في الاعتبار بأقصى حدّ ممكن، وفي سياق "اتفاق أضنه"، الموقّع بين البلدين في العام 1998. ونُقل عن لافروف قوله "لدينا خبرة في دمج اتفاقات وقف إطلاق النار، وإجراءات السلامة، وإقامة مناطق خفض التصعيد بنشر الشرطة العسكرية الروسية". وأضاف "هذا الاحتمال قائم بالنسبة لهذه المنطقة الآمنة".
الفصل بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية
وعلى الجانب الأمريكي، فقد عكس البيان الذي أصدره، أول من أمس، متحدثٌ باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن نتائج اجتماع وزير الدفاع بالوكالة، باتريك شاناهان، بوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنّ الملفات التي يختلف عليها الطرفان لا تزال قائمة. وقالت مصادر صحيفة "الشرق الأوسط" إنّ الجانب الأمريكي أكد أنّ الإبقاء على 400 جندي أمريكي في شمال شرقي سوريا يهدف للفصل بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية.
الإبقاء على 400 جندي أمريكي في شمال شرقي سوريا يهدف للفصل بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية
وأضاف الجانب الأمريكي أنّه لن يتم السماح بوجود أي قوات في المنطقة الأمنية، وخصوصاً من قوات المعارضة التي تدعمها تركيا، وأن قوات غربية ستنضم لاحقاً إلى القوات الأمريكية. وأعلن السيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، أنّ خطة الرئيس دونالد ترمب، تهدف إلى الدفع باتجاه نشر ما يصل إلى ألف جندي أوروبي.
في المقابل، قال الرئيس التركي أردوغان، إنّ بلاده تأمل في أن تنشئ هذه المنطقة الأمنية بالتعاون مع حلفائها، لكنها لن تتردد في إقامتها بإمكاناتها الخاصة إذا لم يتحقق ذلك.
ضغوط أوروبية على الحليف الأمريكي
وكان إعلان الرئيس ترامب بأنّه سيسحب القوات الأمريكية قريباً من سوريا، دفع حلفاء واشنطن إلى التساؤل عن كيفية تصديهم لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار هناك. وفي هذا السياق، تساءل وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، الذي تنشر بلاده نحو 1200 جندي في المنطقة، عن السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لخلق فراغ في سوريا قد يفيد عدوتها إيران، معتبراً أن المقاربة "غامضة".
اقرأ أيضاً: أردوغان يجدد مطامعه في سوريا: أي منطقة آمنة يجب أن تكون تحت سيطرتنا
وانتقد مصدر في الحكومة الفرنسية، وفق "فرانس 24"، خطوة إدارة ترامب بالقول إنّها معادلة "نحن راحلون، أنتم باقون". وأضاف "يحاولون التعامل مع تداعيات قرار متسرع ويجعلوننا نحن نتحمل المسؤولية".
أما المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، فقالت في جواب عن سؤال طرح عليها في مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انعقد مؤخراً، إنّ الانسحاب الأمريكي من سوريا، يمكن أن "يعزز قدرة روسيا وإيران على ممارسة نفوذهما" بالمنطقة. وأبدى الشركاء الأوروبيون للولايات المتحدة الكثير من القلق تجاه الانسحاب الأمريكي، واعتبروا أنّه يخلق فراغاً بالمنطقة، المستفيد الأول منه: موسكو وطهران.
استجابة
وفي ردّه على ذلك، قال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد الجمعة الماضية، إنّه يثق في أنّ حلفاء بلاده سيتحملون مسؤولياتهم في سوريا؛ بعدما أعلنت واشنطن أنّها ستُبقي على مئات من الجنود هناك.
وكشف مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، بحسب صحيفة "الحياة"، أنّ بلاده ستترك في المجمل 400 جندي في سوريا، على أن يتم تقسيمهم على منطقة آمنة يجري التفاوض عليها في شمال شرقي البلاد، وقاعدة للجيش الأمريكي في التنف- قرب الحدود مع العراق والأردن.
وأوضح المسؤول الأمريكي أنّ مئتي جندي في شمال شرقي سوريا سيكونون في إطار التزام بنحو 800 إلى 1500 جندي من الحلفاء الأوروبيين لإقامة المنطقة الآمنة ومراقبتها.
اقرأ أيضاً: من سيحمي أكراد سوريا من أردوغان؟
وأشارت صحيفة "العرب" اللندنية إلى أنّ وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لم ينجح في أثناء اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، باتريك شاناهان بالبنتاغون، في إقناعه بتلبية المطالب التركية المتعلقة بالملف السوري، ولا بتلك المتعلقة بتسليم الداعية فتح الله غولن؛ الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة 2016.
وقال أكار السبت الماضي، في تصريحات نقلتها وكالة "الأناضول" للأنباء، لمسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية إنه ينبغي ألا يكون هناك فراغ أثناء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
وصرح "الأمريكيون وافقوا على منع التأخير في خارطة طريق منبج واستكمالها في أقرب وقت، وقالوا إنهم سيدرسون هذا الأمر". وأضاف "طرحنا أيضاً مسألة تسليم زعيم منظمة غولن وبقية أعضائها، وسنواصل متابعة هذه القضية عن كثب خلال الأيام المقبلة".
"المرصد": الأكراد وليس "داعش"
وفي حديث أمس لقناة "بي بي سي" قال مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رامي عبد الرحمن، (إنّ العدو الأكبر بالنسبة لأنقرة هم الأكراد وليس تنظيم "داعش"، بدليل تمكّن العشرات من عوائل عناصر "داعش" من الخروج من جيب التنظيم عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات). وكان موقع المرصد على الإنترنت أفاد أمس بأنّ أكثر من 85 عائلة تمكنت من الوصول إلى الأراضي التركية بعد رحلة على يد مهربين تلقوا مبالغ طائلة لإيصال هذه العوائل إلى الجانب التركي من الشريط الحدودي، عبر مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة قوات عملية "درع الفرات"، مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة؛ للوصول من جيب التنظيم في شرق الفرات نحو الجانب التركي.