هل هناك امتعاضٌ تركيّ من تردّد قطر في تقديم باقي حُزَم المساعدات لأنقرة؟

قطر وتركيا

هل هناك امتعاضٌ تركيّ من تردّد قطر في تقديم باقي حُزَم المساعدات لأنقرة؟


27/10/2018

يبدو أنّه ليس لدى السلطات القطرية أيَّ بوادر ارتياح من التعاون التركي-السعودي في الكشف عن تفاصيل الجريمة البشعة لقتل الصحفي جمال خاشقجي. لقد كانت الدوحة ترغب وتتمنى من الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، أن يُصَعّد مع الرياض إلى حد القطيعة واللاعودة، وهو ما لم يحدث، ما أصاب قطر و"الإخوان المسلمون" بخيبة أمل، وعدم قدرة على إدراك الحسابات الحقيقية والسياقات التي يتحرّك من خلالها الرئيس التركي.
كما أنّ أنقرة، من جانبها أدركت، مع أزمة القس الأمريكي، أندرو برانسون، ومن بعدها أزمة خاشقجي، أنّ "الوعود القطرية السخيّة" بدعم الاقتصاد التركي ووقف تراجعات الليرة التركية لا يُعوّل عليها كثيراً في وقف الانكشاف الاقتصادي لأنقرة. وقد هوت الليرة التركية إلى مستويات قياسية خلال الأزمة مع واشنطن بشأن القس المسجون، قبل أن تفرج عنه أنقرة مؤخراً.

اقرأ أيضاً: أزمة خاشقجي تكشف حقيقة تحالفات أردوغان
وفي وارد الاحتمالات القوية أن تكون أجهزة الأمن التركية اتجهت لـ "لعبة التسريبات" في قضية خاشقجي؛ علّها تحقق مكاسب اقتصادية من الرياض تحت وطأة "تكتيكات الابتزاز" و"الحرب النفسية" التي خاضتها ضد المملكة العربية السعودية، خلال الأسابيع الماضية، وقابلتها الرياض بثقة وهدوء وإصرار على "عدم خلط الأوراق"، وهو نهجٌ وصل إلى حدّ إعلان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مؤتمر "دافوس الصحراء" أنّ المراهنين على إحداث شرخ في العلاقات السعودية- التركية "سيفشلون".
مقامرة بأموال الشعب القطري

أردوغان: نعم، لدينا نقصٌ في السيولة
يأتي هذا في وقت اعترف فيه الرئيس التركي أمس، في كلمة لقادة "حزب العدالة والتنمية" في أنقرة، بأنّه "يعلم بأنّ السوق المالية التركية بها نقص في السيولة"، كما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء، التي أوردت أيضاً أنّ الليرة التركية ارتفعت أمام الدولار الأمريكي أول من أمس بعد أن أبقى البنك المركزي التركي أسعار الفائدة مستقرة، في خطوة كانت متوقعة، على الرغم من أنّ متعاملين حذّروا من أنّها قد تشهد المزيد من الضعف. ودفعت موجة هبوط العملة التضخم إلى الصعود لنحو 25 بالمئة، ويقول المحللون إنّها أثارت احتمال حدوث ركود وارتفاع الديون المتعثرة في البنوك.

اقرأ أيضاً: هل خذلت قطر تركيا؟
وفي سياق ذي صلة، قال وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، أمس إنّ حكومة بلاده لن تتصرف على نحو يخالف قناعتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان (في تركيا)، لكنه أشار إلى أنّ التجارة مع تركيا يجب أن تظل ممكنة.  وأبلغ ألتماير إذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية، خلال زيارة إلى تركيا برفقة وفد من ممثلي قطاع الأعمال في ألمانيا، قائلاً إنّ بلاده مهتمة بألا تصبح تركيا غير مستقرة.  وأضاف، وفق "رويترز": "دافعتُ عن مصالح الشركات الألمانية العاملة في تركيا".
هل هي "مقامرة بأموال الشعب القطري"؟
وكما تقول نيرفانا محمود في مقال نشرته في آب (أغسطس) الماضي على الموقع الإلكتروني لقناة "الحرّة" الأمريكية فقد "تبدو المليارات القطرية حلاً سحرياً لأزمة الليرة التركية، ولكنها في الواقع ليست إلا مقامرة بأموال الشعب القطري". وليس مستبعداً أن تكون السلطات المالية القطرية قد أدركت ذلك، وفهمتْ أكلاف التورّط في وهم إنقاذ الأزمة الاقتصادية العميقة والمتشعبة في تركيا، والمتنامية، في الحقيقة، منذ أعوام؛ حيث يبدو "أنّ النظام الاقتصادي الأردوغاني بلغ طريقاً مسدوداً. ففي بداية عهده، غذى طفرة اقتصادية عن طريق استثمار المليارات في قطاع البناء. فشقّ الطرق وشيّد أبراجاً سكنية ومستشفيات. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يفتح أكبر مطار في العالم أبوابه في إسطنبول. وسياسة النمو الحكومية هذه كانت تجري على ما يرام طالما أن الليرة مستقرة ورؤوس الأموال تدفق من الخارج. ولكن اليوم البلاد تنزلق إلى هاوية"، كما كتبت "دير شبيغل" الألمانية (17/8/2018)، التي أضافت بأنّ ثقة المستثمرين اهتزت مع خطابات أردوغان المعادية للغرب، وقمع المعارضين وتدخله في تحديد سعر الفائدة. وبين 2015 و2017، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 35 في المئة، وخفض تصنيف تركيا الائتماني في أيار (مايو) الماضي. وصار اقتراض أنقرة الأموال أبهظ في وقت تمس حاجتها إلى السيولة. وهي اليوم، تسدد فائدة قدرها 20 في المئة على السندات الحكومية. وتلفت "دير شبيغل" الأنظار إلى أنه إثر انهيار الليرة التركية، تواجه الشركات التركية صعوبات في تمويل خدمة ديونها. وبدأ عدد من الشركات الكبيرة، ومنها شركة "يليديز" للمنتجات الغذائية، مفاوضة البنوك منذ أشهر على هيكلة ديونها، في وقت بلغت خسائر شركة الاتصالات التركية، تركيش تيليكوم، نحو مليار ليرة في الربع الثاني من العام 2018، وخسرت حصص ثلاثة من أكبر المصارف التركية، نصف قيمتها منذ مطلع العام 2018.

أنقرة أدركت مع أزمة القس الأمريكي وأزمة خاشقجي أنّ الوعود القطرية بدعم الاقتصاد التركي لا يُعوّل عليها كثيراً

وقد اتسعت حالة الانكشاف الاقتصادي لتركيا على خلفية التوتر الحاد مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث شهدت العلاقات الأمريكية – التركية تدهوراً غير مسبوق منذ نهاية تموز (يوليو) العام 2018، وصلت إلى حد فرض عقوبات متبادلة، وتوتر سياسي، أخذ يتراجع في الآونة الأخيرة، وليس مؤكداً بعدُ ما إذا كان التعاون التركي-الأمريكي في منبج أو في سوريا عموماً جزءاً من ثمن صفقة القس الأمريكي برانسون بين أنقرة وواشنطن؛ حيث أفرجت عنه الأولى، مع العلم أنها كانت تتهمه بالتجسس ودعم الإرهاب!!
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية ترفض تسليم فتح الله غولن إلى السلطات التركية (التي تتهمه بالوقوف وراء عملية الانقلاب الفاشل في تركيا في تموز/ يوليو 2016) بحجة عدم كفاية الأدلة التي قدمتها أنقرة ضده.
إطلاق سراح القس برانسون خطوة جيدة نحو علاقات طبيعية بين تركيا وأمريكا

عمق انكشاف قطر على تركيا
وفي مؤشر على عمق انكشاف قطر على تركيا، أظهرت بيانات رسمية أن صادرات تركيا إلى قطر ارتفعت خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة 93 بالمئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب صحيفة "العرب" اللندنية. وذكر بيان صادر عن اتحاد المصدرين الأتراك في الشهر الماضي أنّ قيمة الصادرات التركية إلى قطر خلال الفترة المذكورة بلغت 636 مليون دولار، وهو مبلغ كبير مقارنة بحجم السوق القطرية الصغير.

اقرأ أيضاً: اقتصاديون: مليارات الدوحة لتركيا تضاعف أزمات اقتصاد قطر
وذكر تقرير لـ "رويترز" الثلاثاء الماضي، أنّ الليرة التركية انخفضت أكثر من ثلاثة بالمئة الأسبوع الماضي بما يضعها على مسار أسوأ يوم منذ ما يزيد على شهر؛ وذلك بعد أن أعلن حزب "الحركة القومية"، بزعامة دولت بهشلي، انسحابه من التحالف مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس التركي، مؤكداً أنه لن يسعى للتحالف مع "العدالة" في الانتخابات المحلية العام المقبل.
تحسّن في العلاقة مع أمريكا يتزامن مع تلكئ قطري
وفي حين يشكل إطلاق سراح القس برانسون خطوة جيدة نحو التوصل إلى علاقات طبيعية بين تركيا والولايات المتحدة، فإنه لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به، وآخر المستجدات هو تهديد الكونغرس الأمريكي بفرض عقوبات إذا ما مضت أنقرة قدماً بخططها لشراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية من نوع "أس-400" في عام 2019، لأن هذه الخطوة تتعارض مع مكانة تركيا كحليف لـ "الناتو"، كما يقول الباحث الأمريكي سونر چاغاپتاي، في مقال نشرته مجلة "تايم" الأسبوع الماضي. ويبدو، بحسب چاغاپتاي، أنّ موقف الكونغرس من أردوغان قد تحسّن بعد الإفراج عن برانسون - الأمر الذي يمهّد الطريق أمام الكونغرس للسماح لترامب ببيع أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية من نوع "باتريوت" إلى تركيا. لكنّ على أردوغان، إن شاء، توطيد علاقته المتجددة مع ترامب، أن يعيد النظر في قراره بشأنه نظام "أس-400".

قد "تبدو المليارات القطرية حلاً سحرياً لأزمة الليرة التركية، ولكنها في الواقع ليست إلا مقامرة بأموال الشعب القطري

وفي سياق الانفراجات المحتملة في العلاقات الأمريكية-التركية تبدو تركيا أمام معضلة الاقتصاد، وقد بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة، وبعد حادثتي برانسون وخاشقجي تحديداً، الأصوات التركية الغاضبة من عدم جدّية وصدقية الوعود القطرية لتركيا بأن تكون مساعدات الدوحة طوق نجاة يحول دون انهيارات الليرة التركية، وينعش الصديق التركي، وهو ما لم يتمّ حتى الآن، ما يزيد غضب الأتراك من الخذلان القطري. وقد أشارت تحليلات تركية (الرابط هنا) إلى الوعود القطرية باستثمار 15 مليار دولار، بما في ذلك ثلاثة مليارات دولار في مقايضات العملة، للمساعدة في استقرار الاقتصاد التركي، وأوضحت تلك التحليلات أنه على الرغم من صرف مقايضات العملة في أيلول (سبتمبر) الماضي، فإنّ القيادة العليا في قطر لم تتحدث عن باقي حزم المساعدات منذ اندلاع عاصفة خاشقجي السياسية، وأكدت تلك الأوساط أنّ دولة قطر خذلت أردوغان، وأنها لا تكون متاحة عندما تكون هناك حاجة ماسة إليه.

اقرأ أيضاً: قطر تخلف و عودها بدعم الاقتصاد التركي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية