هل نشهد إعلان الإمارة الإسلامية "الطالبانية" الثانية في أفغانستان؟

هل نشهد إعلان الإمارة الإسلامية "الطالبانية" الثانية في أفغانستان؟


15/08/2021

يُنظر إلى التطورات المتحرجة بسرعة شديدة في أفغانستان باعتبارها إعلاناً وشيكاً لسيطرة حركة طالبان المتشددة على مختلف الولايات في أفغانسان، وبالتالي تأسيس الإمارة الطالبانية الثانية.

أكد مسؤول أفغاني، اليوم الأحد، أنّ طالبان تسيطر الآن على كافة المعابر الحدودية للبلاد، مؤكداً أنّ مطار كابول هو المخَرج الوحيد الباقي تحت سيطرة قوات الحكومة، حتى ظهر اليوم الأحد.

وأعلنت وزارة الداخلية الأفغانية أنّ حركة طالبان بدأت الدخول إلى العاصمة كابول من جميع الاتجاهات، فيما أعلنت حركة طالبان في بيان عدم نيتها دخول كابول بالقوة.

ويُنظر إلى هذه التطورات المتدحرجة بسرعة شديدة في أفغانستان، باعتبارها إعلاناً وشيكاً لسيطرة حركة طالبان المتشددة على مختلف الولايات في أفغانسان، وبالتالي تأسيس الإمارة الطالبانية الثانية.

ويرى مراقبون أنّ هذا المشروع، في حال تحققه، فإنما يعني هزيمة محققة للولايات المتحدة، إذ يقارن رئيس تحرير موقع "رأي اليوم" عبد الباري عطوان، ما يجري بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالمشهد الفيتنامي الذي "يتكرر بطريقة أبشع".

ويتساءل في فيديو على قناة "يوتيوب": هل ستصمد الإمارة الإسلامية "الطالبانية" الثانية الوشيكة في كابول؟ وهل هي نقطة النهاية للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط؟

ويعكس مقدار الهلع العالمي من سيطرة طالبان، المدعومة بشدة من باكستان، على أفغانستان صحة المعلومات التي كشفت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) التي تنبأت بسقوط أفغانستان القريب. وأفادت شبكة (CNN) الأمريكية، الأسبوع الماضي، بأنه قد يتم محاصرة كابول من قبل طالبان خلال فترة تتراوح من 30 إلى 60 يوماً، مما يرفع من فرص سقوط العاصمة الأفغانية تحت سيطرة الحركة، وفقا لتقييم استخباراتي أمريكي. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى سقوط الحكومة الأفغانية، وقد يعرض للخطر الوجود الدبلوماسي للولايات المتحدة على الأرض، والذي تعهد مسؤولو إدارة بايدن بالإبقاء عليه حتى بعد اكتمال انسحاب القوات.

سكان كابول يشعرون بالخوف

وذكرت وكالات الأنباء، أمس السبت، أنّ حركة طالبان تُحكم سيطرتها على المناطق المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابول، حيث يشعر سكانها، ومن لجأوا إليها مع تقدم المتمردين بالخوف، بينما تستعد الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لإجلاء رعاياها ودبلوماسييها.

وخلال أسبوع ونيف، سيطرت طالبان بالكامل تقريباً على شمال أفغانستان وغربها وجنوبها ووصلت إلى أبواب كابول. وقد أصبحت على بعد خمسين كيلومتراً فقط عن العاصمة، ولا تبدي أي مؤشر إلى رغبة في إبطاء تقدمها.

الإيقاع السريع لتقدم قوات طالبان يبدو أنه يسير بوتيرة أشد مما توقعته (CIA) ما يضغط على المجتمع الدولي من أجل الحيلولة دون سقوط العاصمة في أيدي المتمردين المتشددين الذي يرغبون، بحسب مخاوف محللين، في إقامة "إمارة إسلامية" تتصادم مع إيقاع العصر الحديث، وتمثل عودة للتشدد الرايكالي، واحتضاناً للجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها "القاعدة" التي يتردد أنها تعيد إنتاج ذاتها من جديد!

النموذجان العراقي والأفغاني

وفي نظر الكاتب إبراهيم العبادي، فإنّ الانسحاب الامريكي المتعجل سيعُد نجاحاً جديداً لفكرة مقاومة الشعوب للاحتلالات الأجنبية ولوليدها السياسي (الدولة الحديثة) التي لم تتأسس وفق سياقات اجتماعية وسياسية وفكرية محلية، إنما وفق نمط (نموذج) غربي هو أقرب إلى الوصفة الجاهزة للديمقراطية في بيئة غير ديمقراطية اجتماعياً وسياسياً وفكرياً، ومؤسسات دولة يقودها أناس غير ديمقراطيين وأكثرهم فاسدون.

يخشى الكثير من الأفغان، وخصوصا النساء، الذين اعتادوا على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، عودة طالبان إلى السلطة ورؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية

الكاتب، الذي يعقد مقارنة بين ظروف أفغانستان والعراق، يعتقد في مقاله على "شبكة النبأ" أنّ فشل نموذج الدولة الأفغانية الجديدة، سيكون مرضاً مُعدياً، فالنماذج الأخرى التي سهرت عليها أمريكا وأنفقت من أجلها الكثير، ستتهاوى أيضاً، هذا ما يتوقعه بعض المراقبين، ويروج له إعلام القوى المعادية لأمريكا، ويربطون ذلك كله بـ"أيديولوجية المقاومة ضد الغطرسة الأمريكية".

وتوقعت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في الثاني عشر من الشهر الماضي، أن يكون مستقبل أفغانستان قاتماً في المرحلة المقبلة، "إذ تبدو البلاد مقبلة نحو حرب أهلية، وبما أنّ طالبان لن تستطيع السيطرة على الأراضي الأفغانية كافة، فهذا يعني أنّ المواجهات العسكرية مع أمراء الحرب المناوئين لها ستشكل أحد أبرز المشاهد الأفغانية المقبلة".

طالبان ومحيطها

ويتساءل محللون عن مصير العلاقة بين طالبان ومحيطها في حال سيطرت الحركة على مفاصل الدولة في أفغانستان، حيث تتوارد في سياق محاولة الإجابة عن هذا السؤال صورتان؛ الأولى التي رسخت في الذهن عن تجارب طالبان السابقة وهدمها التماثيل وتضييقها على الحريات وخنقها، ومنعها الموسيقى وتشددها في فرض الزي الإسلامي وطرق المعيشة الإسلامية المتشددة في فترة حكمها الأولى.

أما الصورة الثانية، فتوحي بأنّ خطاب الحركة تغير، وأنها تطمح إلى علاقات جوار آمن مع محيطها، وفق ما أعلن عنه رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد عبد الغني برادر، الذي قال، في مقالة له منشورة على الموقع الرسمي للحركة alemaraharabi.org في العشرين من حزيران (يونيو) الماضي "نحن نريد أن نقيم علاقات إيجابية ومفيدة مع العالم الأجنبي، وأنّ الأفغان من أجل إعمار أفغانستان المستقبلية بحاجة إلى دعم العالم، ويرحبون به، وشعب أفغانستان يريد أن يعيش حياة سلمية، عالي الهامة، في ضوء قيمه الإسلامية والوطنية".

طالبان وإيران

وماذا عن علاقة طالبان بإيران؟ هكذا يتساءل الكاتب توفيق شومان، الذي يقول إنّ ثمة عناوين إشكالية عدة، ما فتئت عالقة في فضاء العلاقة بين إيران وطالبان، والواضح أنّ الجانبين يبتعدان حتى الآن عن حمأتها وسخونتها، ومن بين هذه العناوين:

 -مصير العاصمة كابل وكيفية تعاطي طالبان معها.

-العلاقة مع الأقليات القومية والمذهبية في حال أمسكت طالبان بمقاليد الحكم والسلطة.

 -طبيعة النظام الإسلامي الذي تنشده طالبان.

-مستقبل العلاقة بين طالبان والولايات المتحدة بعد سحب قواتها من أفغانستان.

ويعتقد شومان في مقالة نشرت في موقع (180Post) بأنّ هناك خشية من أن تطوي طالبان صفحة الصراع الدامي مع واشنطن، وتذهب إلى استعادة صفحة التعاون مع الإدارة الأمريكية، وبالطريقة التي كانت عليها في المرحلة الأولى التي شهدت انطلاقة طالبان في عام 1994.

وإلى تلك العناوين الكبرى، ثمة أسئلة إيرانية، يتموضع في صدارتها، وفق شومان، مصير أكثر من مليون لاجىء أفغاني في إيران، والمخاوف من موجة لجوء أفغانية واسعة في حال دخلت طالبان في صراعات مع أطراف محلية ليست على وفاق معها، كما أنّ مصير لواء "فاطميون" يشكل نقطة تباين أخرى بين إيران وطالبان.

 وفي حين كان محمد جواد ظريف قد شدّد في حوار مع وكالة "طلوع نيوز" الأفغانية على ضرورة استفادة القادة الأفغان من هذا اللواء، فإنّ الناطق باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد كان سبقه بالقول في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 9 آذار(مارس) 2019 إنّ "الإمارة الإسلامية لا تقبل بوجود تنظيمات داخلية مسلحة تكون خارج المنظومة الشرعية للدفاع".

معارك عنيفة

وفي عودة إلى التطورات الميدانية في أفغانستان، أفادت وكالات الأنباء عن اندلاع معارك عنيفة، أمس السبت، حول مزار شريف عاصمة ولاية بلخ حيث شن الجيش الأفغاني غارات جوية جديدة. هذا المفترق التجاري هو المدينة الرئيسية الوحيدة في شمال البلاد التي لم تسيطر عليها حركة طالبان بعد.

تقول السيدة مزدة التي وصلت إلى العاصمة مع شقيقتها لوكالة فرانس برس: "أبكي في الليل والنهار عندما أرى طالبان تجبر الفتيات الصغيرات على الزواج من مقاتليها"

وإلى جانب كابول ومزار شريف، تبقى جلال أباد (شرق) وغارديز وخوست (جنوب شرق) المدن الرئيسية الوحيدة المتبقية تحت سيطرة الحكومة. لكن بما أنها تقع في منطقة يهيمن عليها البشتون، الإثنية التي تنتمي إليها طالبان، لا يتوقع أن تقاوم لفترة طويلة.

ويشعر سكان كابول وعشرات الآلاف من الأشخاص الذين فروا إليها بعد مغادرة منازلهم في الأسابيع الأخيرة بالخوف.

وقالت مزدة (35 عاماً) التي وصلت إلى العاصمة مع شقيقتها من ولاية بروان شمالاً، لوكالة فرانس برس "أبكي في الليل والنهار عندما أرى طالبان تجبر الفتيات الصغيرات على الزواج من مقاتليها". وأضافت "رفضت عروض زواج في الماضي (…) إذا أجبرتني طالبان على الزواج منهم فسأنتحر".

من جهته، صرح داود هوتاك (28 عاماً) وهو تاجر من كابول أنه "قلق بشأن مستقبل" شقيقاته الصغيرات ولا يعرف "ماذا سيحدث لهن". وقال "إذا ساء الوضع حقاً، فسنغادر أفغانستان مرة أخرى كما فعلنا مطلع تسعينات" القرن الماضي.

ويخشى الكثير من الأفغان، وخصوصا النساء، الذين اعتادوا على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، عودة طالبان إلى السلطة.

فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من السلطة، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية.

وقد مُنعت النساء من الخروج بدون مرافق ذكر ومن العمل. كما مُنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وتعرضت النساء المتهمات بجرائم مثل الزنا، للجلد والرجم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية