فجوة بدأت تتسع أكثر فأكثر بين الشيعة العرب وإيران، خصوصًا بعد اعتقال السلطات الإيرانية مؤخرًا لرجل الدين الشيعي العراقي حسين الشيرازي، نجل المرجع الشيعي صادق الشيرازي في فبراير/شباط الماضي على خلفية هجومه على خامنئي إيران ووصفه له بالفرعون. وبسبب هذا الاعتقال، شهد محيط سفارة إيران بالعراق موجة من التظاهرات الشيعية للمطالبة بالإفراج عن حسين الشيرازي فورًا، وهو ما لم يتم حتى الآن.
هجوم الشيعي حسين الشيرازي على إيران ومرشدها الحالي، وتسببه بموجة غضب عراقية كبيرة على إيران من شيعة أيضًا، أكد ضعف السلطة الدينية لإيران على الشيعة في العالم، على الرغم من أن هذه الدولة هي الراعية الأولى للمذهب الشيعي باعتباره المذهب الرسمي للدولة.
لهذا تكرهنا إيران
ليس حسين الشيرازي هو الشيعي الوحيد الذي هاجم خامنئي، وهاجم دولة إيران بسياساتها الحالية، بل هناك غيره الآلاف الذين يقبعون الآن في السجون الإيرانية، فيما يهاجم كثيرون سياسات إيران من بعيد، حيث لا يد إيرانية تستطيع أن تطولهم، مثل ضياء محرم القيادي الشيعي المصري البارز الذي تحدث لـ”كيوبوست” عن سر هجومه على إيران، رغم أنه شيعي: “أنا أهاجم إيران لأني أرفض ولاية الفقيه التي اعتبرها لا تختلف على الإطلاق عن الخلافة التي صدع بها الإسلاميون رؤوسنا، ويسعى تنظيم داعش الإرهابي إلى تطبيقها”.
وأضاف قائلًا: “نحن لا نعتقد بخلافة غير المعصوم غير المنصوص على اسمه من قبل الله ورسوله بالقرآن والسنة، وهو ما تؤمن به وتنفذه إيران، بمعنى أدق: نحن نرفض أن نكون عبيدًا لغير لله، ولهذا تكرهنا إيران، وتلقي القبض على أي شيعي يروج لما نروجه كما فعلت مع حسين شيرازي، ومن قبله محمد علي الموسوي، وغيرهم الآلاف في السجون الإيرانية، الذين جرى رصدهم في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية الكبرى مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش”.
وتابع: “أنا لا أعادي إيران، بل أعادي نظام الحكم المتسلط المستبد الإسلامي الراديكالي فيها، الذي لا يختلف عن أنظمة حكم الإخوان الراديكالية التي عاديناها وأسقطناها في مصر، الذي نتمنى أن يسقط أيضًا في إيران، خصوصًا أنه يتلاعب بالمذهب الشيعي لخدمة أجنداته وأهدافه”.
اختلاف مع الممارسات السياسية
من المهاجمين أيضًا لإيران مؤخرًا، الباحث المصري البارز، القيادي الشيعي، محمود جابر، الذي قال: “أولًا أنا لست ضد ولاية الفقيه ولست عدوًا معاذ الله للسيد الخامنئي، فهو مرجع تقليد من مراجع الشيعة الكبار، وأحد المقامات الاسلامية الكبرى في العالم، فقط أنا أختلف مع كثير من الممارسات السياسية للسلطة الإيرانية في العديد من الملفات، وهذا خلاف سياسي، وأحد محطاته هو التعاون بين إيران وبين الإخوان المسلمين، الذين أراهم ويراهم الكثيرون غيري جماعة إرهابية، لم تترك بلد من بلادنا إلا وألحقت به أذى وضررًا بالمواطن والوطن والإسلام”.
وأضاف في تصريحاته الخاصة لـ”كيوبوست”: “أما قضية ولاية الفقيه فهي إحدى نظريات الحكم عند الشيعة، لها جذور قديمة وكان للإمام الخميني الفضل في بلورتها على قدر يسمح بأن تنتقل النظرية من بطون الكتب إلى الواقع، ولكني لا أرى -مثل كثيرين غيري- أن ولاية الفقيه هي النظرية الوحيدة للحكم أو للتعامل مع الواقع. وسواء كنت مؤمنًا بها أو لا فأنا لا أرى ضررًا من نقدها، أو العمل بشكل مخالف لها، وما يصلح لي ربما لا يصلح لغيري”.
وعن سبب الهجوم الكبير من الشيعة عليه، باعتباره يهاجم إيران، يقول: “هؤلاء لا يفهمون ما أنادي به، ولا يقبلون النقد أيًا كان، وأعتقد أنهم لجان إلكترونية تابعة لإيران”.
معارضة شيعية شرسة لإيران
تحدثت كيوبوست أيضًا مع باحث بارز في الشأن الشيعي، هو محمد جاد الزغبي، ليكشف سبب هجوم عدد كبير من الشيعة على إيران، فقال: “هناك أسباب كثيرة دعت إلى وجود المعارضة الشرسة من بعض الشيعة للنظام الإيراني، يمكن تلخيصها في نقاط عدة؛ أولها: احتلال إيران لإقليم الأحواز العربي، الذي كان مستقلًا في السابق، وكان في هذا الإقليم العديد من الشيعة العرب، الذين أعلنوا توحدهم مع السنة هناك، للمطالبة باستقلال بلادهم، خصوصًا في ظل الاضطهاد الإيراني لهم، لأنهم شيعة عرب، ويعتبرون بالنسبة للنظام شيعة درجة ثانية بالمقارنة بالشيعة درجة أولى – أي من ذوي الأصول الفارسية.
وتابع الزغبي في تصريحاته: “السبب الثاني لمعارضة عدد كبير من الشيعة لإيران هو أنه في منتصف القرن العشرين ظهرت في إيران -كما هو الحال في كل العالم حينها- حركة قومية يسارية شيوعية كبيرة، وبلغت من القوة أن وصل أحد ممثليها، الدكتور محمد مصدق، إلى مقعد رئاسة الوزراء، وأعلن تأميم مؤسسات النفط الإيراني، وانقلب على خيارات الشاه بهلوي، فرد الأمريكيون بانقلاب مضاد، وأعدموا مصدق، لكن الحركة القومية واليسارية لم تنته طبعًا بإعدام مصدق، واستمرت كحركة فاعلة في الشأن الإيراني، حتى قيام ثورة الشعب عام 1979، التي خطفها الخميني، وكانت الثورة قائمة على أكتاف الشعب كله، بما فيهم اليساريين الذين جرى التنكيل بهم، وبكل من شارك في الثورة من غير رجال الخميني، وهؤلاء أعلنوها حربًا ضد نظام الملالي، وضد تسلط رجال الدين أيضًا.
وبطبيعة الحال لم يمثل لهم انتماؤهم للشيعة مانعًا من معارضة نظام الملالي، لأن الأفكار اليسارية والقومية لا يمثل الدين فيها مرجعية في الحكم والسياسة، بعكس عوام الناس ممن يستعبدهم رجال الدين بالطاعة العمياء كأحد ثوابت الدين الشيعي”.
وأضاف قائلًا: “الفئة الثالثة من الشيعة المعارضين للنظام الإيراني هم من فئات رجال الدين الشيعة أنفسهم، وهم تلك الفئات التي ورثت أفكار المرجع الشيعي الكبير آية الله البرقعي، والدكتور موسي الموسوي المعارض الأكبر للخميني، بعد الثورة. وهؤلاء المراجع والشخصيات الدينية الكبيرة جرى اضطهادهم والتنكيل بهم، ولكن أفكارهم المناهضة التي واجهوا بها نظام ولاية الفقيه -الذي ابتدعه الخميني- أدت إلى تمسك أجيال كثيرة بعدهم بتلك الأفكار.
ورغم أنهم شيعة إلا أنهم معارضون بشدة لأفكار الخميني في الدين الشيعي، الذى جعل المراجع الدينية أشبه بالآلهة لا تقبل النقض والرفض، ومن أبرز من ظهروا بتلك الأفكار التحررية المعارض الشيعي البارز أحمد الكاتب الذي ظهر منذ نحو عشر سنوات، ورفض معظم مسلمات المراجع القديمة والحديثة، وظهر غيره كثيرون.
واختتم الزغبي تصريحاته مؤكدًا على أن الشيعة العرب قد يكونون السبب في انهيار إيران، إذا لم تتخذ إيران خطوات حقيقية لاحتوائهم.
عن "كيوبوست"