هل صاغت ثورة يناير نظرة جديدة للقضايا الجنسية في مصر؟

مصر

هل صاغت ثورة يناير نظرة جديدة للقضايا الجنسية في مصر؟


09/12/2019

من التغييرات المجتمعية التي شهدها الشارع في مصر بعد 2011 إعادة النظر في قضايا شديدة الخطورة والخصوصية وتثير الكثير من الجدل تتعلق بالقضايا الجنسية، مع تغيّر واضح في تقبّل بعض الناس لمثل تلك النوعية من الحريات، في صدام مع شريحة مجتمعية كبيرة محافظة في مصر، ومؤخراً حققت رواية عن المثلية مبيعات كبيرة في مصر، للمؤلف محمد عبد النبي.

اقرأ أيضاً: البابا يعلن "حرباً شاملة" على الانتهاكات الجنسية
واستقبلت السينمات، بعد ثورة كانون الثاني (يناير) فيلماً عن المثلية الجنسية، بعنوان "أسرار عائلية"، يرصد الجانب الاجتماعي والنفسي للمثلي دون تعمّد تشويهه كما كان يحدث عادة في السينما المصرية، إلى جانب احتفاء الشارع المصري بفوز الممثل الأمريكي من أصل مصري، رامي مالك، بجائزة أوسكار عن فيلم "افتتان البوهيمية"؛ الذي يجسد فيه دور فنان مثلي، فهل ما سبق يشير بشكل واضح إلى ميل شريحة من الشارع في مصر إلى تقبل مسائل مثيرة جداً كالحريات الجنسية وحقوق المثليين والعابرين جنسياً في مجتمع مصري يوصف في العادة بالمحافظ دينياً؟
غلاف كتاب سيرة اللذة والجنس

سيرة اللذّة والجنس
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تناولت قضية التعامل مع الحريات الجنسية في مصر، عقب ثورة كانون الثاني (يناير): "الأيام الأخيرة في عهد نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، والفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير، كانت موجعة بالنسبة إلى كثيرين في مصر، لكنّها بالنسبة إلى مثليي الجنس والمتحولين جنسياً كانت فترة من الحرية غير المعتادة".

يعمل المخرج المصري، هاني جرجس فوزي، على فيلم بعنوان "ترانس"، عن العابرين جنسياً، عن رواية للكاتبة رضوى العوضي

وأضافت الصحيفة: "كانوا يتلاقون في البارات والمقاهي على الأرصفة، وباتوا يتواعدون مع شركائهم عبر تطبيقات للمواعدة على الهواتف الجوالة، بقدر أكبر من الانفتاح والأريحية عما كانوا عليه من قبل".
وتابعت: "لكن هذه الفترة انتهت، بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، حينما ألقت السلطات القبض على ما لا يقل عن 250 شخصـاً من السحاقيات ومثليي الجنس ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيـاً، في حملة هادئة أدّت لتمزيق تلك التجمعات النشطة والظاهرة للعيان آنذاك".

اقرأ أيضاً: تقرير أممي يكشف انتهاكات جنسية غير مسبوقة في جنوب السودان
الكاتب الصحفي ياسر ثابت، رصد تلك التحولات المجتمعية في كتابه "سيرة اللذة والجنس"، الصادر عن دار "اكتب"، عام 2017، أشار فيه لظواهر التعبير عن تلك الحريات، بداية من ثورة كانون الثاني (يناير): "علياء المهدي؛ طالبة تدرس الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومدوّنة وناشطة، تجرّدت من ملابسها إبان ثورة 25 يناير، مطالبة بالحرية التامة للنساء، ومبررة نشر الصور العارية بأنّه احتجاج على ما سمّته "مجتمع العنف والعنصرية والنفاق"، وأطلقت مدونة سمتها "مذكرات ثائرة"، تحت عنوان "فنّ عاري"، في ٢٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١، وتظهر فيها كذلك صورة عارية لمن يُعتقد أنّه صديقها، وأخرى لمجهولين، إضافة إلى صور عارية من رسم فنانين مصريين".
يضيف ثابت: "أثارت الصور الأولى لعلياء جدلاً واسعـاً بين من أيدها، واعتبرها ثورة على الواقع، ومعارضيها الذين رأوا فيه خروجـاً عن التقاليد والدين، كما وصل عدد زوار مدونتها إلى 882 ألف زائر خلال يومين، وشهدت أخبارها متابعة كبيرة في العالم العربي".


ثابت أشار أيضاً للإعلام المصري الذي بدأ في عرض تلك القضايا بشكل أكثر جرأة: "على الهواء مباشرة، سردت سلوى عرابي، فتاة الكوبري، التي تمّ العثور عليها في العباسية، تفاصيل قصتها، وما حدث لها، وقالت إنّها عندما كانت في سنّ السادسة عشرة تعرّفت إلى شاب وعاشت معه"، وأضافت: "كنت مصاحبة واحد وعايشة معاه زي الأجانب وأنا عندي 16 سنة".
وأوضحت خلال لقائها مع معتز الدمرداش، في برنامج "90 دقيقة"، على قناة "المحور"، في مطلع تموز (يوليو) 2017؛ أنّ "علاقتها بالشاب انتهت وهو تزوج من فتاة أخرى، بعد فشل الحياة بينهما، خاصة أنها كانت في سنّ صغيرة".
يؤكد ثابت: "كانت تلك المرة الأولى التي تتحدث فيها امرأة مصرية عن علاقاتها الجنسية خارج إطار الزواج في تاريخ الإعلام المرئي في مصر".

اقرأ أيضاً: التربية الجنسية تهيّج الصراع بين الليبراليين والمحافظين في كندا
في توقيتٍ متزامن، ظهرت دعاء صلاح، مقدمة برنامج "دودي شو"، على قناة "النهار"، في حلقة حملت عنوان "اشتري راجل"، وهي تضع ملابس تبدو فيها وكأنها حامل، وتحدثت عن أنّ المرأة من الممكن أن تكون أمـاً دون حاجة لرجل، وتصبح الأب والأم في وقت واحد، عن طريق الاتفاق مع رجل لغرض الحمل فقط".
وما هي إلا أيام، حتى أعلن حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، أنّ مجلس النقابة قرّر وقف، ريهام سعيد ودعاء صلاح، ٣ أشهر، وإخطار إدارة القناة بالقرار، مشدداً على ضرورة تنفيذه، حتى لا تكون الإدارة شريكـاً في المسؤولية.
وفي أيلول (سبتمبر) 2017؛ عاد ملف المثليين في مصر للظهور، مع حفل "ميوزيك بارك"، بالتجمع الخامس في القاهرة الجديدة، الذي غنت فيه فرقة "مشروع ليلى"؛ حيث تمّ رفع علم قوس قزح، وهو شعار المثليين، وللمرة الأولى نرى جهراً من المثليين في مصر بحالتهم، بل ظهر بعضهم في أجهزة الإعلام، وذلك هو الحدث الأهم.
وما بين مؤيد ومعارض، من مثقفين وسياسيين ومقدمي برامج ورجال دين، تحركت أجهزة الأمن وألقت القبض على 57 شخصـاً، في القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، ووُجِّهت لهم اتهامات بـ "الاعتياد على ممارسة الفجور"، بعد أن التُقطِت لهم صور ومقاطع فيديو وهم يرفعون علم المثليين.
غلاف رواية في غرفة العنكبوت

في غرفة العنكبوت
على استحياء، تبدو النظرة للمثلية الجنسية قبل 2011 تتغير ببطء شديد، من ظواهر ذلك؛ نشر كتاب، عام 2009، للصحفي المصري مصطفى فتحي، بعنوان "بلد الولاد"، عن قصص حقيقية للمثليين، لكنّ التعامل مع الكتاب كان على استحياء، وسريعاً ما أغلقت الدار التي نشرت الكتاب، واختفى بالتالي من المكتبات، دون أسباب واضحة، غير أنّ عام 2016 شهد صدور رواية "في غرفة العنكبوت"، للروائي والمترجم المصري محمد عبد النبي، بنى عبد النبي روايته على حادثة حقيقية، وهي حادثة عُرفت إعلامياً بعنوان "الكوين بوت"، التي جرت أحداثها في مصر، عام 2001، حين احتُجز العشرات في الملهى الليلي العائم "ناريمان بوت" أو "كوين بوت"، وتمّ القبض عليهم بتهمة ممارسة الفجور، وقدموا للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة.

غلاف كتاب في بلد الولاد
يقول الناشر عن الرواية: "بطل الرواية، هاني، واحدٌ من أولئك المثليين الذين تمّ القبض عليهم، وبعد بضعة شهور قضاها في السجن، يخرج هاني محفوظ مصاباً بخرس طارئ، ليجد صوته الجديد بين دفاتره، حيث يكتب كلّ يوم، فارضاً على نفسه عزلة اختيارية بغرفة فندق، لا يشاركه إياها غير عنكبوت صغير، يكتب متتبعاً صوره القديمة، على أمل العثور على صورة واحدة حقيقية له، يكتب حكاياته الصغيرة مع أهله وميوله الخاصة والأفراح الخاسرة في شوارع الليل، وأيضاً عن تجربته المذلة خلال أشهر سجنه، منقباً عن مغزى خفي، وراء كلّ ذلك الركام، في رحلة لا تتبع خطاً مستقيماً، بقدر ما تأخذه في اتجاهات عديدة، كأنها شبكة عنكبوت يغزلها بخيط واحد هو صوته المفقود، خيط يمتدّ من نفسه إلى الآخرين، من حاضر إلى ماضيه، ومن أوهام الحبّ الصبيانية إلى كابوس الوحشة والأذى".

اقرأ أيضاً: أطفال يقايضون...الجنس مقابل اللجوء!
الرواية حققت انتشاراً كبيراً في الشارع المصري، واحتفى بها النقاد، ووصلت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، وفازت الرواية في طبعتها الفرنسية، من ترجمة "جيل جوتييه"، بجائزة الأدب العربي، التي يقدمها معهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية باريس.
وقالت لجنة التحكيم، برئاسة بيير ليروي، التي اختارت الرواية بالإجماع في كلمتها، إنّها "كتابة جريئة بأسلوب قوي وحازم يغرق القارئ في قلب المحرمات في المجتمع المصري والعربي، هذه رواية يمكن أن تكون قصيدة للتسامح والإنسانية".

أسرار عائلية
المسألة لم تتوقف عند الأدب فقط، قدمت السينما المصرية فيلم "أسرار عائلية"، وهو فيلم درامي مصري من إنتاج عام 2013، من إخراج هاني فوزي وكتابة محمد عبد القادر، ويعدّ أول فلم مصري وعربي حول حياة شاب يبلغ من العمر 18 عاماً يكافح مع توجهه الجنسي، والوصمة الاجتماعية المحيطة بالمثلية الجنسية.
المخرج توجه إلى لجنة التظلمات بعد أن رفض جهاز الرقابة المصري السماح بعرض الفيلم، ورغم تناول السينما سابقاً للمثلية الجنسية، وبعضها تعامل مع المثلية بنوع من القبول، إلا أنّ فيلم "أسرار عائلية" يدور بالكامل في هذا العالم، من خلال حكاية شاب يعاني مع المثلية، ويرفض تقبّل ميوله الجنسية، ويقضي فترات طويلة بين الطبيب النفسي والمسجد محاولاً الهروب من تلك الرغبة التي بات يظنّ أنّه خلق بها هكذا، وأنّها ليست مرضاً أو ميولاً شاذة كما يروّج المجتمع.

اقرأ أيضاً: هل نحتاج فعلاً إلى التربية الجنسية؟
مؤخراً؛ صرّح المخرج المصري، هاني جرجس فوزي، بأنّه يعمل على فيلم بعنوان "ترانس"، عن العابرين جنسياً، مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، للكاتبة رضوى العوضي، وهي القضية التي تناولتها الدراما المصرية سابقاً، لكنّها محاولات جاءت جميعها في إطار الكوميديا، أشهرها فيلم "السادة الرجال"، للمخرج رأفت الميهي، والذي كان يتناول في الأساس مسألة المساواة بين المرأة والرجل، لا قضية العابرين جنسياً بالتحديد.
القضية ظهرت على السطح مؤخراً على خلفية اعتقال ملك الكاشف، العابرة جنسياً، والتي تبنت قضايا حقوقية تتعلق بحرية التحول الجنسي، يشرح المحامي والحقوقي، عاطف أبو العنين، في تقرير نشره موقع "رصيف 22"؛ أنّه لا يوجد قانون في مصر، ينظم عملية التصحيح الجنسي، فالأمر يخضع للجنة تابعة لنقابة الأطباء، تم إنشاؤها تبعاً لقرار أصدره وزير الصحة، في الخامس من أيلول (سبتمبر) 2003، ويحمل رقم 238.
وتتكوّن لجنة تصحيح الجنس من سبعة أعضاء، منهم؛ أستاذ جينات وراثية، وأستاذ أمراض ذكورة، وأستاذ في الطب النفسي، إضافة إلى عضو من دار الإفتاء المصرية، للموافقة على شرعية العملية.
حالياً، تتجاوز المشكلة إجراء عمليات التصحيح الجنسي في المستشفيات الحكومية، لتصبح في الحصول على التقارير الطبية من مستشفى الحسين الجامعي.

عام 2009 نشر  كان على استحياء  كتاب "بلد الولاد"، للصحفي المصري مصطفى فتحي، عن قصص حقيقية للمثليين

يقول أبو العنين لـ "رصيف 22": إنّ لجنة تصحيح الجنس لم تعد تنعقد، بسبب عدم حضور عضو دار الإفتاء منذ أواخر عام 2014، لأنّه يعترض على أن يكون اسمه في اللجنة، رغم أنّ قرار وزير الصحة بإنشاء اللجنة كان يتضمن حضور عضو من دار الإفتاء، وأرجع عدم حضوره إلى اعتراضه على التصحيح الجنسي، رغم أنّ الانزعاج الجندري مسألة طبية بحتة لا تخضع إلى أهواء الأشخاص، كما أنّ شيخ الأزهر السابق، محمد طنطاوي، أباح إجراءها.
ويؤكّد أنّ عمل اللجنة توقّف جزئياً، في بدايات 2015، ولتفادي التعطيل اعتمدت الموافقة على عمليات التصحيح، بغياب عضو الإفتاء، الدكتور محمد وسام خضر، وبإجماع الآراء بين الأعضاء الباقين، لكنّ خضر لم يكتفِ بعدم حضوره، بل قرّر الاعتراض على التصاريح التي أعطتها اللجنة للعابرين جنسياً، بسبب عدم الرجوع إليه، فتوقف عملها كلياً في أواخر 2017.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية