هل صارت هزيمة الإرهاب هدفاً مستحيلاً؟

هل صارت هزيمة الإرهاب هدفاً مستحيلاً؟


20/09/2021

في مثل هذا اليوم من العام 2001، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، في خطاب أمام الكونغرس، الحرب على الإرهاب.

وبعد عشرين عاماً، من حق المراقب أن يتساءل: هل أنجزت الولايات المتحدة فرقاً في حربها ضد الإرهاب، وهل كانت تلك الحرب مبررة حقاً. ثم هل ازدادت وتيرة الإرهاب في العالم بعد عشرين عاماً بدأت بأحداث 11 أيلول سبتمبر، ولم تنته حتى الآن؟

ومن شأن "جردة الحساب" مع جهود الإدارات الأمريكية المتتالية وحلفائها، بخصوص محاربة الإرهاب، أن تفضي إلى تعيين المكاسب في مقابل الخسائر، أو الهزائم التي مني بها "التحالف الدولي ضد الإرهاب"، لاسيما التحولات الدراماتيكية التي حدثت في أفغانساتن وسقوط "الدولة" في أيدي حركة طالبان التي ظلت توصف على أنها حركة إرهابية.

مقتل زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي أحد أبرز نتائج الحرب على الإرهاب

على الجانب الآخر، يقدر مراقبون أنّ الحرب ضد الإرهاب ساهمت في مقتل العديد من زعماء التنظيمات الإرهابية كـ"القاعدة" و"داعش"، حيث قتل زعماء الإرهاب أسامة بن لادن، وبعده أبو مصعب الزرقاوي، ثم حمزة بن أسامة بن لادن، فيما قتل زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي في عملية نفذتها القوات الأميركية الخاصة في سوريا. وقتل كذلك أحد أبرز قياديي "داعش" أحمد العبيدي "أبو دجانة"، والقيادي في حركة تحرير الشام أبو أحمد المهاجر، وسواهم.

بعد مرور عقدين على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ازدادت قاعدة بيانات الحكومة الأمريكية عن الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم بمقدار 20 ضعفاً تقريباً

ويؤكد ماثيو ليفيت، مدير برنامج "راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن، ومؤلف مذكرته الانتقالية لعام 2021 "إعادة التفكير في جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب: نحو خطة مستدامة بعد عقدين من 11 أيلول/سبتمبر"، أنّ دحر الإرهاب بالكامل أمر مستحيل، داعياً إلى تجنّب استخدام اللغة التي تلمّح إلى أنّ الإرهاب سينتهي أو يُهزم، وأن يتم الحديث عن الإرهاب على أنه خطر يجب أخذه على محمل الجدّ، ولكنه لا يمثل تهديداً وجودياً للبلاد.

يقول ليفيت في مقالة على موقع "إن بي سي نيوز"، أعاد نشرها موقع معهد واشنطن، بأنّ الهدف يجب أن يكون الحدَّ من الإرهاب.

خبير أمريكي يقدّم روايته

ويروي الخبير الأمريكي ما عاينه عندما وقعت هجمات 11 أيلول (سبتمبر): كنت محللاً أقدم لشؤون مكافحة الإرهاب في مقر "مكتب التحقيقات الفيدرالي" في العاصمة الأمريكية واشنطن، وركزتُ على الإرهاب في الشرق الأوسط ومنه. وكانت وتيرة التهديدات المرتبطة بتنظيم "القاعدة" تتصاعد منذ مطلع هذه الألفية. وبحلول ربيع وصيف عام 2001، كان النظام [المتعلق بالإرهاب] يُطلق جرس الإنذار، حيث جمعت وكالات الاستخبارات أخباراً عن مخطط وشيك، ولكنها عجزت عن الحصول على معلومات قيّمة يمكن البناء عليها لمواجهة التهديد.

اقرأ أيضاً: الإرهاب في فرنسا: تهديد دائم وحلول صعبة

يتذكر ليفيت جيداً الشعور بالاستجابة الفطرية للخطر المتمثلة في "المواجهة أو الهرب". فقد "التصق" الناس بأجهزة التلفزيون يشاهدون الطائرات وهي تصطدم بالأبراج مراراً وتكراراً على أخبار القنوات الفضائية: شعرتُ بالامتنان لكوني جزءاً من استجابة "مكتب التحقيقات الفدرالي". فبخلاف الكثيرين، كان يمكنني القيام بشيء ما فعلياً. عملتُ أنا وزملائي لمدة 15 ساعة في اليوم وستة أيام في الأسبوع في محاولتنا ليس لتحديد من نفَّذ الهجمات فحسب، بل لكشف ومنع الهجمات اللاحقة التي كنا نخشى أن تكون قادمة. وكانت الاستخبارات والمعلومات من العامة وسُبل التحقيق تأتي مثل موجة المد والجزر، وكان فهم كل ذلك في الوقت المناسب مهمة ضخمة.

اقرأ أيضاً: كيف تغير تهديد الإرهاب بعد عشرين عاماً من 11 سبتمبر؟

يردف الخبير الأمريكي: لكن مع تحوّل الأيام والأسابيع إلى أشهر وسنوات، لم يتطور ما قمنا به لمواجهة الإرهاب بشكل كبير. وكان من المنطقي أن ينصب تركيز كامل العمل البيروقراطي المعني بالأمن القومي في الولايات المتحدة والبلاد برمتها، مباشرةً بعد 11 أيلول (سبتمبر)، فقط على جلب الجناة أمام العدالة ومنع وقوع هجوم آخر. ولكن بعد ذلك، كان يتعيّن علينا التكيّف - إلا أننا لم نفعل ذلك.

الصراع مع الإرهاب ليس حرباً يمكن الفوز بها أو خسارتها

وعلى الفور، أدرج مسؤولون أمريكيون، بدءاً بالرئيس جورج دبليو بوش، مساعي مكافحة الإرهاب في إطار حرب لا بدّ من الفوز بها. وكانت تلك خطوة ملائمة وسط حاجة الأمريكيين إلى السماع أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنه سيتمّ إيجاد الإرهابيين ومعاقبتهم، في وقت كان لا بدّ من تحفيز البيروقراطية الحكومية لضمان أمن البلاد على وجه السرعة.

اقرأ أيضاً: الإرهاب الدولي في حقبة طالبان

ويعترف الخبير الأمريكي بأنه خلال العقدين التاليين، بنت الولايات المتحدة مؤسسة لمكافحة الإرهاب من خلال معلوماتها الاستخباراتية وعمليات إنفاذ القانون والهيئات العسكرية التي حققت نجاحاً ملحوظاً من منظور تكتيكي - تمثّل بـ إحباط الهجمات وتعطيل الشبكات الإرهابية. ولكنها لم تكن ناجحة بنفس القدر من ناحية الميزة الإستراتيجية، نظراً إلى أنّ عدد الأفراد ذوي الفكر المتطرف العنيف يفوق اليوم ما كان عليه في عام 2001 كجزء من تهديد إرهابي أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي. وبعد مرور عقدين على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ازدادت قاعدة بيانات الحكومة الأمريكية عن الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم بمقدار 20 ضعفاً تقريباً.

الصراع مع الإرهاب

الواقع أنّ الصراع مع الإرهاب ليس حرباً يمكن الفوز بها أو خسارتها. فالولايات المتحدة لم تخض مطلقاً "حرباً على الإرهاب" أكثر مما خاضت حرباً على الجريمة أو المخدرات. وبالتالي، لا يمكن قياس جهود مكافحة الإرهاب من حيث الانتصار أو الهزيمة. وبدلاً من ذلك، يجب أن يُنظر إليها على أنها جزء من جهد مستمر - بخلاف كل من الحرب والسلام - لتعطيل أعمال الإرهاب والتنافس مع الخصوم ومعالجة القضايا الأساسية التي تجعل أقلية خطيرة من الناس تعتقد أن السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها الاجتماعية أو السياسية هي من خلال العنف الذي يستهدف المدنيين.

الأسئلة المتصلة بنجاح أو فشل الإستراتيجية الأمريكية للحرب على الإرهاب تتواصل، مع الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول (سبتمبر)، فقد رأى معلقون عرب أنّ أحداث 11 سبتمبر خلفت عشرين عاماً و"أسئلة لا أجوبة".

ويتساءل الكاتب زياد عيتاني في صحيفة "عكاظ" السعودية: "بعد 20 عاماً نقف كما وقفنا في اللحظة الأولى مبهورين متسائلين لماذا حصل ما حصل؟ لماذا هاجمت تلك الطائرات المدنية الولايات المتحدة الأمريكية وأحدثت هذا الزلزال الكبير؟".

العراق عراقات

ويرى الكاتب أنه و"بعد 20 عاماً لا تزال الأسئلة نفسها نتداولها على ألسنتنا ونسمع الآخرين يتداولونها دون النجاح في الوصول إلى أي جواب". يقول: "بعد 20 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، ها هي الولايات المتحدة تخرج من أفغانستان، وها هي حرمة طالبان تعود إلى كابول. أما العراق فهو عراقات تتحكم فيه الميليشيات وشعبه يعوم على بحر من النفط، ولا يجد وقوداً للسيارات".

كاريكاتير لعلي الخليل في "النهار" اللبنانية

وفي السياق ذاته، يتحدث الكاتب البدر الشاطري في صحيفة "البيان" الإماراتية عن العواقب "الكارثية" لأحداث 11 سبتمبر، ومنها أن قامت الولايات المتحدة "بغزو العراق ومنها بدأ مسلسل تحطم العالم العربي. ورغم أنّ واشنطن ذهبت بقضها وقضيضها لمحاربة الإرهاب، بدأت الحركات المتطرفة تستفحل وتتقوى في المنطقة".

يقول الكاتب: "كانت رؤية المحافظين الجدد في احتلال العراق تحويله على شاكلة الولايات المتحدة وإطلاق عملية (دمقرطة) لإعادة تشكيل العالم العربي بصورة تتماهى مع الولايات المتحدة. وأن هذه التحولات هي العلاج الناجع لمشكلة التطرف والإرهاب في المنطقة".

الخبير الأمريكي ماثيو ليفيت: دحر الإرهاب بالكامل أمر مستحيل. يجب تجنّب استخدام اللغة بأنّ الإرهاب سينتهي أو يُهزم، وأن يتم الحديث عن الإرهاب على أنه خطر

وخلص الشاطري إلى أنه "لا ديمقراطية تحققت، ولا أوطان بقيت، ولا اختفى الإرهاب. بل إنّ الأمور تفاقمت ومازالت آثارها بادية للعيان".

أمر آخر متصل بالسياسات الأمريكية، ينوّه إليه الكاتب مشاري الذايدي في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، يتعلق بالاتهامات التي وُجهت للسعودية بدعم تنظيم القاعدة والتورط في هجمات 11 سبتمبر.

ويقول الذايدي: "بعد مرور عقدين، ها نحن كأننا في مربع البداية؛ طالبان التي أسقطت أمريكا حكمها على أفغانستان، بنفس العام 2001 تعود في 2021 لحكم أفغانستان، ويسارع تنظيم القاعدة للمباركة والتهنئة، لتتحول ورقة 11 سبتمبر لكارت مكر سياسي، ومزايدة على آلام أهالي الضحايا بأمريكا، وها نحن نعيد نفس الكلام في الرد على أباطيل الصحافة اليسارية الأمريكية، ومعها ثلة من انتهازيي الساسة والمحامين".

هل كانت الحرب ضد الإرهاب عبئاً على واشنطن؟

يدعو الخبير الأمريكي ماثيو ليفيت إلى استثمار أقل في القوة الخشنة (العسكرية) الباهظة الثمن واستثمار أكبر بكثير في القوة الناعمة غير المكلفة (الاستخبارات، والدبلوماسية، وبناء القدرات المدنية). إنه تَحوّل سيستلزم فترة من إعادة التوازن، إلى جانب انتقال العبء إلى الشركاء والحلفاء.

ويعتقد ليفيت بأنه يجب أن تسعى هذه التغييرات في السياسة الأمريكية إلى الحفاظ على الإنجازات العديدة في مكافحة الإرهاب التي تم إحرازها بالفعل. على سبيل المثال، يجب على الولايات المتحدة التفكير في الاحتفاظ بأعداد صغيرة من القوات في المواقع الرئيسية لنزع فتيل التحديات العالمية، وإن لم يكن ذلك بقصد إيجاد الحل لها. وقد تكون المهمات الصغيرة لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا وأفريقيا، ونعم، في أفغانستان، ضرورية لمنع الجماعات الإرهابية من السيطرة على الأراضي أو التخطيط لهجمات في الخارج من ملاذاتها الآمنة.

ويشدّد ليفيت على أنه "بخلاف الحروب التقليدية، ليست هناك نهاية أو استراتيجية خروج لهذا الصراع ضدّ الإرهاب". المطلوب أن يكون الهدف هو الحدّ من الإرهاب ودفعه إلى مستوى منخفض من التهديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية