هل ستكون "هيئة التصنيع الحربي" بوابة لسيطرة إيران الأمنية على العراق؟

العراق

هل ستكون "هيئة التصنيع الحربي" بوابة لسيطرة إيران الأمنية على العراق؟


22/10/2019

في ظل انفجار الاحتجاجات العراقية التي عكست توترات قائمة، بين كتل اجتماعية متفاوتة، خاصة، فئة الشباب، الذين يتحملون الأثر المباشر لكلفة التداعيات السياسية والإقليمية والعسكرية، التي شهدتها بغداد، منذ العام 2003؛ فإنّ الواقع المأزوم يعري تفشياً في الفساد السياسي والحكومي، مع العجز عن توفير الوظائف والخدمات، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ينوء بأعبائها المواطنون، والبطالة التي تلتهم أحلام قطاع كبير من العراقيين، وسيطرة الطائفية والميلشياوية، الحاكمة بالوكالة على مجمل الأوضاع، والتي تقبض بنفوذها على الحالة الأمنية والسياسية، وقد تسببت في سقوط أكثر من 105 قتلى، وأكثر من 4000 جريح، حصيلة الاحتجاجات العفوية.
أفول الواقع العراقي
المشهد الاحتجاجي، وتفاصيله، ونتائجه، يبدو مدخلاً مفتاحياً، على قرار شديد الأهمية والحساسية، في العراق، اُتخذ في نهاية الشهر الماضي، حين صوت مجلس النواب، على قانون بتدشين هيئة التصنيع الحربي، بهدف سد احتياجات القوات المسلحة والأمنية من الأسلحة والعتاد والذخائر، وهو ما يبعث ببعض المخاوف، بحسب مراقبين، بأن يتحول هذا القانون في ظل انضواء ميلشيا الحشد الشعبي، التابعة لإيران، ضمن هذه الهيئة، إلى ما يمكن توصيفه باستكمال مأسسة العسكرة الإيرانية في العراق، وفرض خياراتها الأمنية والسياسية والإقليمية عليها، ومن ثم استمرار لعناصر الأزمة، التي تغدو مرشحة للصعود.

الميليشيات المدعومة من إيران ستسعى إلى تنفيذ سياسة خارجية مستقلة عن العراق، تضع في أولوياتها مصالحها الفئوية

الباحث الأمريكي، مايكل نايتس، يشير إلى أنّ العراق تحت سيطرة الميليشيات الطائفية، يبدو غير قادر على توفير الحكم الرشيد؛ حيث قامت النخبة السياسية، في الفترة التي تلت سقوط صدام حسين، بوضع مكانة متميزة للتمثيل؛ العرقي والطائفي، وترك مؤسسات الدولة تتدهور، وبالتالي، أصبحت الحكومة كياناً متصدّعاً، يضم ما يصل إلى 263 حزباً سياسيّاً مسجلاً، وتملأ الانتهاكات نظام تقاسم الإيرادات، القائم على المحسوبية.
ويضاف إلى ذلك، بحسب نايتس، في دراسته المنشورة، عبر (منصة): "ديفينس بوست"، بأنّ الميليشيات المدعومة من إيران، ستسعى إلى تنفيذ سياسة خارجية مستقلة عن العراق، تضع في أولوياتها مصالحها الفئوية؛ حيث تسخر من حكومة البلاد ودستورها، وسيصبح العراقيون هم الضحايا الرئيسيون لأنشطتها؛ الأمر الذي سيؤدي إلى رفع وتيرة المخاطر الأمنية بالنسبة للعراقيين، خاصة مع تحكم الميليشيات بالأسلحة الثقيلة، ووجودها بين سكان المدن، ما يعرضهم للمخاطر بصورة مباشرة، فيتم تخبئة صواريخ إيرانية كبيرة في بلدات صغيرة مثل آمرلي.

 

 

بغداد في العقل السياسي الإيراني
ويلفت الدكتور محمد الزغول، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية، في مركز الإمارات للسياسات، في أبو ظبي، إلى أنّ أحد أهم الدروس الإستراتيجية التي خلصت إليها القيادة الإيرانية من الحرب مع العراق، والتي امتدت طوال ثماني سنوات، هو أنّ العراق بما يمتلكه من إمكانات، وموارد ضخمة، يعد المعادل الموضوعي الرئيس لإيران في المنطقة.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ اعترافات الحلبوسي وصالح حول قمع الاحتجاجات في العراق؟
كما أنّ وجود دولة عراقية قوية (مهما كان شكل الحكم الذي تتبناه) "يعني ضمناً نهاية المشروع التوسعي الإيراني، وانكفاء إيران إلى داخل حدودها، وبالتبعية، انتهاء نفوذها الإقليمي، ووقف خطوط إمداد، وتسليح حلفائها ووكلائها في الأقاليم الجغرافية الأبعد؛ مثل: سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، ولذلك ظلت إيران حريصة على إبقاء العراق ضعيفاً ومفككاً ومنقسماً على نفسه، وإبقاء سيطرة الدولة العراقية ضعيفة، على الرغم من أنّ الطبقة السياسية التي وصلت إلى الحكم في العراق بعد عام 2003 كانت مقربة جداً من طهران، وتجمعها معها روابط وعلاقات متميزة".

اقرأ أيضاً: الغموض يلف المشهد في العراق.. تهديدات تطال ناشطين وإغلاق عدة فضائيات
وبرأي الزغول، فإنّ هذه النقطة المحورية كانت بمثابة حجر الزاوية، في إصرار إيران على حل الجيش العراقي، وتفكيك الدولة العراقية، بشكل عام، بعد سقوط النظام العراقي السابق، والإصرار على إنشاء ذلك العدد الهائل من الميليشيات، تحت عناوين ورايات متعددة ومتناقضة ومتناحرة؛ "إذ أبقى النظام الإيراني على الجيش الإيراني، وهياكل الدولة الإيرانية بالكامل بعد انتصار الثورة الإيرانية، وسقوط الشاه، خشية إضعاف إيران الدولة، لكنه حرص كل الحرص على التأكد من تفكيك الجيش العراقي، وكل هياكل الدولة العراقية، وأجهزتها الأمنية بعد سقوط صدام حسين، وهو ما يظهر بجلاء سوء النوايا الذي كان مضمراً للعراق في المخيلة الإيرانية".
لا حقوق للعراقيين تحت مظلة الطائفية
ويعتقد الزغول أنّ مصلحة العراقيين، بكل أطيافهم اليوم "تكمن في دولة مدنية مستقلة وقوية، لكن بناء مثل هذه الدولة بات أمراً متعذراً أو على الأقل في غاية الصعوبة، في ظل فوضى انتشار السلاح، والميليشيات، التي تعيق عمل الجيش العراقي، وتفرض قيوداً على سيطرته على أمن البلاد واستقرارها. بل تزاحمه في أبرز وأهم صلاحياته الحصرية، مثل عمليات إنتاج وتصنيع السلاح، وتصديره واستيراده، وعمليات السيطرة، والانتشار، والمراقبة. ولعل من أشد ابتلاءات العراق في هذا العصر العسير، هو أنّه تعين عليه أن يفاضل، ويختار بين الاستبداد، والإسلام السياسي فقط، ودون خيارات أخرى تفتح الباب أمام بناء دولة مستقرة ومتصالحة مع مختلف مكونات شعبها، ومحيطها الإقليمي".

اقرأ أيضاً: أكراد العراق.. لماذا كانوا الأقرب إلى تحقيق الاستقلال؟
وبحسب مخرجات التصويت الذي أقر به مجلس النواب العراقي، فإنّ لجنة التنسيق الحربي، ستتشكل من عدة كيانات عسكرية، ومؤسسات وطنية، مؤلفة من رئيس الهيئة الحربية، وممثلين عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارتي الدفاع والداخلية، وهيئة الحشد الشعبي، وجهازي الأمن الوطني والاستخبارات، بالإضافة إلى جهاز مكافحة الإرهاب، حيث تهدف جميعها إلى رسم إستراتيجية لبناء وتطوير الصناعات الحربية في العراق، ووضع أولويات احتياجات القوات المسلحة، والقوات الأمنية، من الصناعات الحربية، ومتابعة تنفيذها.
العراق تحت سيطرة الميليشيات الطائفية، يبدو غير قادر على توفير الحكم الرشيد

ماذا ستستفيد طهران؟
وعليه، اعتبر رئيس مستشاري رئيس مجلس النواب العراقي، كامل كريم الدليمي، أنّ قانون هيئة التصنيع العسكري، الذي تم إقراره في المجلس، بمثابة انعطافة كبيرة لدعم الأمن الاقتصادي الوطني، ودعم سيادة البلد، وتوفير الدعم اللوجستي للقطاعات العسكرية في الظروف الاعتيادية والطارئة.

باحث لـ"حفريات": مصلحة العراقيين، بكل أطيافهم، تكمن في دولة مدنية مستقلة وقوية، لكن ذلك بات أمراً متعذراً الآن

وفي بيان رسمي أصدره، قال: "لقد نجح مجلس النواب العراقي في تحقيق منجز كبير، على مستوى دعم الأمن السيادي للعراق، وذلك من خلال التصويت على هذا القانون والذي يعد خطوة استباقية للبرلمان، بغية تدعيم الأمن العسكري، والحفاظ على ديمومة الإمدادات العسكرية، تحسباً لأي طارئ، كما يعد التصويت خطوة استباقية لمواجهة أي عدوان قد يهدد العراق".
من جهته، يرى الصحفي والباحث العراقي، منتظر القبيسي، أنه باستثناء تمثيل ميلشيا الحشد الشعبي في هيئة التصنيع الحربي، لا يرى ثمة مميزات لحلفاء إيران، تحديداً في التشكيل الجديد، "لكن هذا لا يمنع أن يتحول إلى إحدى قنوات التأثير الإيراني على قرارت الدولة، فيما يتعلق بمصادر التسلح، وإعطاء إيران دور رئيسي في الدعم والتدريب، وإعادة تأهيل منشآت التصنيع العسكري التي لم يبق منها شيء يذكر، منذ سنوات بعدما طالها الإهمال، بالإضافة إلى الاستيلاء على محتوياتها وتهريبها إلى إيران".
وفي نظر القبيسي، يعد استخدام هيئة التصنيع الحربي المستحدثة، كوسيلة لاستنزاف الخزينة العامة مقابل عقود مضخمة أو حتى وهمية، "بمثابة استغلال، وواجهة لتمويل مصانع الأسلحة التابعة للفصائل الولائية، والتي تملك بالأساس ورشاً كبيرة أقرب ما تكون للمصانع، التي تصنع فيها مجموعة كبيرة من الأسلحة، وأهمها العبوات الارتجالية الطائرة (صواريخ بدائية)، ويمكن بسهولة تطويرها على أيدي الخبراء الإيرانيين، ناهيك عن الطائرات الهجومية المسيرة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية