ما يزال الجدل قائماً فيما يتعلق بالمحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بالخرطوم، الإثنين 9 آذار (مارس) الجاري، التي أسفرت عن إصابة أحد أفراد "تشريفته" فيما لم يصب هو، أو أيّ من مرافقيه بأذى، وفيما يجري التحقيق حول الحادثة على قدمٍ وساق، بمشاركة ثلاثة خبراء من المباحث الفيدرالية الأمريكية "إف بي آي"، وصلوا الخرطوم للمساعدة في كشف ملابسات العملية الإرهابية؛ فإنّ وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، رجّح في حوار مع قناة "الفرنسية ٢٤"؛ أنّ أطرافاً متضررة من الثورة ومرتبطة بالنظام القديم تقف وراء محاولة الاغتيال، إلا أنّ مفارز تتبع لجماعة الإخوان المسلمين وتنشط في وسائل التواصل الاجتماعي، رأت العملية برمتها (مفبركة) من قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي تحالف أحزاب ونقابات تقود المرحلة الانتقالية الراهنة، من أجل كسب تعاطف الشعب السوداني، الذي يعاني ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة، واستعادة رصيدها الجماهيري الداعم إبان الثورة، بعد أن بدأت تفقده رويداً، كلما ازداد الوضع الاقتصادي تعقيداً.
محاولة مخطط لها بدقة
وفي السياق؛ كشف مصدر أمني رفيع لـ "حفريات"؛ أنّ محاولة الاغتيال حقيقية ومخطط لها بدقة، وكانت تستهدف مباشرة القضاء على رئيس الوزراء من أجل خلق حالة من البلبلة وإظهار الحكومة الانتقالية بأنّها عاجزة حتى عن توفير الأمن لرئيسها وحمايته، وعليه؛ فهي بالضرورة عاجزة عن حماية الشعب.
مصدر أمني لـ"حفريات": محاولة الاغتيال حقيقية ومخطط لها بدقة وكانت تستهدف خلق حالة من البلبلة
واستطرد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، كونه يعمل ضمن لجنة التحقيق في الحادثة؛ أنّ التفجير تمّ بزرع عبوة تزن 750 غراماً، مصنوعة من مادة (أزيد الرصاص) شديدة الانفجار، على منحنى نصف دائري بجانب الطريق الذي تسلكه تشريفة رئيس الوزراء يومياً من منزله إلى القصر الرئاسي والعكس، وقد اختير هذا المنحنى بعناية فائقة؛ حيث يُضطر السائق إلى الإبطاء في القيادة، وبالتالي فإنّ إمكانية إصابة الهدف وتفجيره ستكون الاحتمال الأرجح.
وأضاف: "توصلنا في التحقيق إلى أنّ قُطر المنطقة التي غطّاها الانفجار بلغ 1500 متر، فيما أحدث حفرة بعمق أكثر من 90 سنتمتراً، بعرض 70 سنتمتراً وعمق 33 سنتمتراً، والتحقيقات ما تزال جارية مع المشتبه بهم، ومن بينهم أجانب، وجميعهم ينتمون بشكل مباشر أو غير مباشر للتيار الإسلامي".
تقاعس قوى الحرية والتغيير وترصد الإخوان
من جهته، قال عبد المحمود عثمان، خبير أمني وإستراتيجي؛ إنّ المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الله حمدوك كانت تستهدف نسف استقرار البلاد وجرّها إلى الفوضى، وإنّ السودان، رغم العنف الدموي الكبير الذي ساد تاريخه السياسي، من إعدامات واعتقالات، وحروب أهلية أشعلها السياسيون منذ فجر الاستقلال وإلى اليوم، والتي أسفرت عن إزهاق أرواح الكثير من المدنيين الآمنين وحرق قراهم وتشريدهم في الآفاق، لكنّه لم يعرف تصفية الخصوم السياسيين بواسطة التفجيرات والاغتيالات.
خبير إستراتيجي: لا أستبعد تورّط أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بصفة فردّية في محاولة الاغتيال الفاشلة
وحمّل عثمان، في حديثه لــ "حفريات"، قوى إعلان الحرية والتغيير المسؤولية الكاملة عن التراخي وعدم تقديم الحماية اللازمة لرئيس الوزراء، والتعامل مع المسائل الأمنية الحساسة والضرورية بنوعٍ من اللامبالاة وعدم الانضباط، وأضاف: "لاحظت، كخبير أمني، أنّ القصر الجمهوري ومكاتب الوزراء صارت مفتوحة للجميع، وأنّ كلّ من هبّ ودبّ، بحسب وصفه، يمكنه أن يلتقي رئيس الحكومة والوزراء ويتحدث إليهم ويتناول معهم الطعام ويثرثر معهم في كلّ شيء، لذلك فإنّ هذا السلوك غير المسؤول يجعل معلومات كثيرة تتسرب إلى المتربصين بالثورة والحكومة، وتجعل الوزراء أنفسهم عرضة للخطر المباشر وغير المباشر".
وشدّد عثمان على ضرورة ضبط جدول رئيس الوزراء وطاقمه، ومنعهم من التصريحات غير الضرورية، وكتابة كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنّ المعلومات التي يدلي بها هؤلاء الحُكام الجُدد دونما حساب، تخضع للتحليل الأمني الدقيق، من قبل الجهات المُعادية، عبر مجموعة من الخطوات المنهجية التي تسعى لاكتشاف المعاني الكامنة في محتوى النصوص المكتوبة أو التصريحات غير المنضبطة، والعمل على تفكيك العلاقات الارتباطية داخلها، من خلال البحث الكمي والموضوعي المُنظِم للسماتِ الظاهرة والمخفيِّة في هذا المحتوى أو ذاك.
اقرأ أيضاً: تفاصيل محاولة اغتيال حمدوك
لذلك؛ فإنّ على مجلس الوزراء أن يستعين بخبراء أمنيين لدراسة تصريحاته وبياناته قبل الدفع بها إلى وسائل الإعلام أو التصريح بها في المناسبات الخاصة أو جلسات السمر، كما يفعل جُلّ أعضاء حكومة عبد الله حمدوك، مع ضرورة التنسيق عالي المستوى مع المُكوِّن العسكري في مجلس السيادة لاتّخاذ التدابير الحمائية الكاملة للمكوّن المدني قليل الخبرة في هذا الجانب.
وأشار عثمان إلى أنّه لا يستبعد تورط أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بصفة فرديّة في محاولة الاغتيال الفاشلة، لكنّه يستبعد أن تكون الجماعة قد أصدرت أمر الاغتيال أو خططت له؛ لأنّها تفتقر الآن إلى القدرة التنظيمية العالية لفعل ذلك، لكن ما تزال لديها القدرات اللوجستية والبشرية الكامنة، لذلك فإنّه ينبغي على الحكومة أن تُسرِّع عملية تفكيك النظام السابق، وأن تحدّد، على الأقل، حركة ونشاط كوادره الأمنية والاستخباريّة.
لا أحد غير الجماعة
إلى ذلك، قال الباحث السياسي، حازم عبد الله، لـ "حفريات": "كلّ الدلائل والمؤشرات تذهب إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين على رأس المخططين لمحاولة اغتيال عبد حمدوك، بدءاً من تصريحات وزير الإعلام، بأنّ أطرافاً متضررة من الثورة ومرتبطة بالنظام القديم تقف وراء محاولة الاغتيال، وانتهاءً باعتقال أجانب ضمن المشتبه بهم، فالجميع يعلم أنّه لا يوجد طرف أكثر تضرراً من الثورة من جماعة الإخوان المسلمين، وأنّ الأحزاب السياسية السودانية جميعها، عدا الإخوان المسلمين، لا تضمّ أجانب ولا تستعين بهم في العمل السياسي".
باحث سياسي: كلّ الدلائل والمؤشرات تذهب إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين على رأس المخططين لمحاولة اغتيال حمدوك
وأضاف عبد الله: "جماعة الترابي، بحسب تعبيره، هي التي جلبت الأجانب الإرهابيين إلى البلاد، من أسامة بن لادن إلى الخليفي إلى كارلوس إلى الأفغان العرب وأعضاء بوكو حرام وحركة الشباب الإسلامي الصومالية، إلى البلاد على فترات متفاوته، وبالتالي وجود أجانب بين المشتبه بهم يعني بالضرورة أنّ من دبّر وخطّط لتفجير موكب عبد الله حمدوك هي جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب أنّها الطرف الوحيد المتضرر من الثورة؛ حيث تمّ إقصاؤها عن الحكم بعد أن ظلّت متشبثة به لثلاثين عاماً، أوقعت خلالهم البلاد في الفوضى والفساد والإرهاب، وأنّ المعاناة القائمة اليوم هي بسبب سياسات الجماعة، ولا يُمكن تحميلها لحكومة عبد الله حمدوك التي لم تكمل ستة أشهر في الحكم بعد.