هل تنجح الصوفية في مواجهة الفكر الجهادي؟

هل تنجح الصوفية في مواجهة الفكر الجهادي؟

هل تنجح الصوفية في مواجهة الفكر الجهادي؟


28/02/2024

ترجمة: علي نوار

بعيداً عن الهجمات التي تضرب أهدافاً أوروبية أو أمريكية،..، لم تخفِ السلفية الأصولية، ممثّلة في تنظيمات جهادية عالمية مثل؛ "القاعدة" و"داعش"، طوال العقد الماضي، عداءها وكراهيّتها الصوفيين، لتقتل المئات منهم وتدمّر عشرات الأضرحة التي يرتادها أتباع المذهب الصوفي الذي تحيط به هالة من الغموض، والذي ما يزال الغرب، حتى الآن، غير قادر على فهمه.

بدأت الصوفية منذ بداية دعوة النبي محمد، عليه السلام، وتتمحور حول مفهوم "الإحسان"، الذي يختبر في أماكن مغلقة، مثل؛ الزوايا والرباط أو الخانقاه، والذكر، كسبيل وحيد للارتقاء والوصول لعلاقة خاصة مع الذات الإلهية، واشتهر بها فلاسفة ومشرعون معروفون، مثل: أبو حامد الغزالي، وتقي الدين أحمد بن تيمية،..، وتشترك الصوفية مع الأصولية في العقيدة والشريعة، ومبادئ أحد المذاهب السنية الأربعة.

لكنّ خصوصية الصوفية تكمن في الطريقة التي تتمحور وتتطور بواسطتها: عن طريق جماعات تدور في فلك رجال يشهد لهم بالعفة، ويحظون باحترام، كونهم أشخاصاً ذوي أخلاق حميدة، أو لعلمهم، أو لتقواهم، يبجّلهم أبناء هذه التيارات خلال نوع من الفعاليات السنوية التي تطغى عليها، غالباً، الأجواء الفولكلورية والشعبية.
وكانت هذه الهالة الروحية الشعبية التأمّلية والرحلة الداخلية والاعتدال الظاهر، إضافة إلى القدرة التعبيرية الفريدة لبعض الطقوس، بالغة الأثر في إغواء وسلب لبّ مستشرقي العصر الحديث، الذين رأوا في الصوفية فرعاً أو تياراً مختلفاً داخل الإسلام،..، ويعود في جانب منه إلى الجدل حول الاشتقاق اللفظي لمصطلح "صوفية"؛ حيث يسود في الغرب اعتقاد بأنّ الكلمة أصلها هو "صوف"، في إشارة إلى النسيج الذي تصنع منه ملابس التابعين الأوائل، وليس أنّ مصدرها ربما يكون كلمة "صوفة"؛ التي تعني النقاء، أو مصطلح "أهل الصُفة"؛ وهم الذين عاصروا النبي محمد، صلّى الله عليه وسلّم.

ضريح صوفي محترق في تونس (أ.ف.ب)
وبعد قرن ونصف القرن من هذا التصوّر المثالي للصوفية، كنقطة اعتدال وروحانية احتوائية، مقابل صعود وتنامي الفكر الجهادي الإقصائي، بزغت بين السياسيين والعسكريين الأوروبيين والأمريكيين فكرة دفع صعود سلطة روحية ليّنة، وتحويلها إلى سلاح رئيس في مواجهة الإرهاب والطائفية، وهي إستراتيجية قديمة بدأت في الظهور مجدداً عام 2003، عقب فشل الاحتلال غير المشروع للعراق، كانت هذه الإستراتيجية تلقى ترحيباً في باكستان أولاً، من جانب الرئيس السابق برويز مشرف، ثم سلفه محمد میان سومر؛ الذي تبنّى الإستراتيجية نفسها من أجل وقف ما رآه "طلبنة" البلاد، ونال دعماً غير مسبوق، سيما بعد اشتعال ثورات "الربيع العربي"، لا سيما في سوريا ومصر وليبيا وتونس، رغم أنّ نتائج هذه الإستراتيجية ما تزال موضع شكّ.

لم تخفِ السلفية الأصولية، ممثّلة في تنظيمات جهادية عالمية مثل؛ "القاعدة" و"داعش"، طوال العقد الماضي، عداءها وكراهيّتها الصوفيين

بين طرقات المدينة العتيقة وأزقّتها الضيقة؛ يمثّل مقام كلّ من سيدي إبراهيم الرياحي وسيدي محرز، قلب الصوفية في تونس، البلد العربي المغاربي الذي يضمّ عشرات الأضرحة والزوايا المخصصة لمشايخ يرتقون لمرتبة القديسين. بنيت هذه الأضرحة بين القرنين الـ 17 والـ 19، وهي مرجعية لقرابة 300 ألف صوفيّ يعيشون في البلد العربي الصغير، ويشكّلون 3% بالكاد من إجمالي تعداد سكانها...
ويقول أستاذ الفلسفة، معز شيباهي، الذي يرتاد يومياً مسجد سيدي محرز: "نعم حركة النهضة هي الفصيل المهيمن لكن كان عليها التكيّف وتقبّل فكرة أنّ الإسلام في بلادنا ليس مغرقاً في العقائدية"، قبل أن يضيف "الصوفية جزء أصيل في الثقافة التونسية، وهذا ما يحول دون توفير مساحة لصعود المتشددين، صحيح ربما أنّ أغلب التونسيين لا يقدمون أنفسهم كصوفيين، لكنّ الصوفية منغرسة تماماً في ثقافتهم وفي عاداتهم اليومية، وهذا ما يجعلنا حالة استثنائية".

صوفيون باكستانيون بملجأ في كراتشي (أ.ف.ب)
أما في مصر؛ فقد أعقب وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم استغلال الجماعة، التي كانت تشهد عدة جبهات داخلية متناحرة فيما بينها، فرصة الفوضى الأولى والأجواء الديمقراطية التالية لها، كي تحاول الوصول للسلطة التي كانت تسعى وراءها منذ النصف الأول من القرن الـ 20، ... وكان الجناح الأكثر رجعية من الحركة هو المنتصر في نهاية المعركة.

...وفي الوقت الذي تتقاسم فيه التيارات السلفية المعتدلة والصوفية، التي يعد الشيخ عبد الهادي القصبي المرجعية الأبرز لها، الفراغ الذي تركته الجماعة التي أسسها حسن البنا، ووفق الأرقام الرسمية؛ فإنّ هناك في مصر 80 طريقة صوفية، ينتمي لها 15 مليون مريد، وهو رقم يمثل 14% من تعداد السكان.

بين طرقات المدينة العتيقة وأزقّتها الضيقة؛ يمثّل مقام كلّ من سيدي إبراهيم الرياحي وسيدي محرز، قلب الصوفية في تونس


وفي باكستان؛ كان وضع مشابه قائماً؛ حيث نشأ تحالف بين الجماعات الصوفية والسلطة، في ظلّ سعي الحلفاء الغربيين لجعل هذا التحالف رأس حربة في مواجهة التطرف، لكن ذلك أدّى لاتساع الهوة وتقويض الثقة في النزاع؛ فقد خاضت حركة "تحريك لبيك باكستان"، ذات المرجعية الإسلامية الصوفية، الانتخابات الأخيرة، وحلت في المركز الخامس، بأجندة أقرب للأفكار السلفية منها للوسطية، التي يفترض أنها أساس المذهب الصوفي.

من جانبها؛ شدّدت الجماعات السلفية هجومها على الصوفية التي تنظر إليها بوصفها "شركاً بالله تعالى"، فضلاً عن تحالفها مع الغرب، ويتناقض هذا الاتجاه مع الميزانيات والأهداف المحددة من قبل المدافعين عن "السلطة الدينية المعتدلة"، التي علاوة على فشلها في إحلال الوسطية، يبدو أنّها تسهم في جلب مزيد من الهجوم من جانب المنظّرين الرجعيين الذين يستميتون منذ ثمانية عقود في الحيلولة دون حدوث التطور الذي لا غنى عنه، نحو إضفاء الروح الإنسانية على الفكر الإسلامي.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

فورين بوليسي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية