هل تنجح أحزاب تونس في إخراج "النهضة" من الحكم؟

هل تنجح أحزاب تونس في إخراج "النهضة" من الحكم؟


23/07/2020

تُشير آخر المداولات إلى أنّ الساحة السياسية التونسية باتت على بعد خطوات من بدء مرحلةٍ جديدة من التغييرات التي تُعدّ "جوهرية"، ستكون كفيلة برسم معادلات جديدة وتغيير تشكّل المشهد السياسي برمّته، بعد الكشف عن تحالفات جديدة داخل البرلمان، في ظل أجواء من التشاحن بين القوى السياسية، والصراعات الدائرة بين حركة النّهضة وباقي مكونات الائتلاف الحكومي، وما يتردد حول التوجه لتشكيل حكومة جديدة دون حركة النّهضة.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يتفقد القوات الخاصة ليلاً.. ما علاقة حركة النهضة؟

وتؤكد مختلف المعطيات الواردة من داخل قبّة البرلمان إلى أنّ مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة تتجّه نحو إبعاد حركة النهضة التي يتزعمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، عن الحكم، مع تصاعد الاتهامات الموجهة لها بتعطيل العمل البرلماني والحكومي في البلاد.

شركاء النّهضة يعملون على استبعادها

وتبدو محاولات بناء مشهدٍ سياسي وبرلماني جديدٍ دون حركة النهضة التي لم تغادر الحكم ولا البرلمان منذ 2011، جديةً خصوصاً بعد أن تشبّثت أحزاب وازنة وكتل برلمانية وكذلك نخب سياسية وإعلامية، بضرورة استبعاد الحركة، التي يحملونها مسؤولية الفشل السياسي والحكومي خلال السنوات الأخيرة، عن مواقع القرار.

هذه الأحزاب هي كلّ من التيار الديمقراطي (وسطي) وحركة الشعب (قومية)، شريكيْ الحركة في حكومة إلياس الفخفاخ المنتهية، إذ يشدّد قادة حركة الشعب في مختلف تصريحاتهم على أنّ حزبهم لن يشارك في حكومة بديلة تضم حركة النهضة، وأنّ أيّ حكومةٍ قادمة في تونس لن تنجح إذا تضمّنت النهضة لأنّها لا تعترف بمفهوم التشاركية في الحكم.

المحلل السياسي محمد بوعود لـ"حفريات": النّهضة لن تخرج بسهولة من الحكم لأنّ ذلك سيعرّضها إلى المساءلة، ويهدّد جماعتها التي زرعتها في مختلف المرافق الإدارية والحكومية

بدوره، فتح حزب التيار الديمقراطي الباب أمام حزب قلب تونس ورئيسه نبيل القروي لإجراء محادثات تخص تكوين الحكومة الجديدة، معتبراً أنّه من غير الممكن أن يشارك في حكومة تتركب من حركة النهضة وحزب قلب تونس في الوقت نفسه.

وانتهت الآجال الدستورية لاختيار الشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة المقبلة، بعد انقضاء عشرة أيام على استقالة الفخفاخ، ويتعاطى قيس سعيد بطريقة المراسلات الكتابية لا المشاورات المباشرة، حيث يتلقى من الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية مرشحيهم لهذا المنصب، ما اعتبره البعض طريقة غامضة وغير مجدية، لكنها تَخلق عنصر المفاجأة وتترك الأمور بيد الرئيس.

"النهضة لن تقبل الخروج من السلطة"

من جهتها، لوّحت حركة النّهضة بتقويض الاستقرار في البلاد، إذا ما تم استبعادها من الحكومة المرتقب تشكيلها خلال الأسابيع المقبلة، وفق ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري خلال مقابلة صحفية، قال خلالها إنّه "لن يكون هناك استقرار في تونس دون حكومة تكون فيها النهضة".

وشدد الخميري على أنّ "رئيس الحكومة القادمة لا يمكن أن يبحث عن استقرار في المرحلة القادمة دون حركة النهضة"، وهو ما اُعتبر تهديداً صريحاً بإدخال البلاد مرحلة الفوضى، في حال خرجت الحركة من الحكم.

ويرى المحلل السياسي محمد بوعود في هذا السياق، أنّ الحركة لن تستسلم، لن تخرج بسهولة من الحكم، لأنّ ذلك سيعرّضها إلى المساءلة، كما يهدّد جماعتها التي زرعتها في مختلف المرافق الإدارية والحكومية، لافتاً إلى أنّها ستختار سيناريو إعادة الانتخابات برمّتها إذا ما فشلت في تمرير مرشّحها، أو إذا تم استبعادها من التركيبة الحكومية.

اقرأ أيضاً: هل اقترب موعد أفول نجم "النهضة" في تونس؟

وقال بوعود في تصريحه لـ"حفريات "، إنّ الحركة ستحاول أن تلعب دور الطرف الأقوى خلال مشاورات تعيين الرئيس الجديد، واختيار فريقه، فيما ستعمل باقي الكتل على فرض حكومةٍ على قياسها، وقد تضطر الحركة لقبولها والتصويت لصالحها، أو إسقاطها للمرور لإجراء انتخابات مبكرة، قد لا تخسر خلالها مقاعد كثيرة.

بوعود أضاف أنّ الحركة تعتمد كثيراً في مداولاتها السياسية على كتلة ائتلاف الكرامة ذات التوجه الإسلامي، حزب قلب تونس (ليبيرالي) الذي سيدعمها حفاظاً على مصالحه، مشدّداً على أنّ رئيسه قطب الإعلام نبيل القروي الذي تلاحقه قضايا فساد وتبييض أموال، لن يخرج من جلباب الشيخ، خوفاً من العودة إلى السجن، لأنّ بينهم ملفات قضائية.

قيس سعيّد يعزز موقف الأحزاب

وبعد طلب كتل نيابية سحب الثقة من الغنوشي، واستقالة رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، تتجه أنظار التونسيين إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي سيعلن قبل 24 يوليو (تموز) الجاري عن مرشح جديد لتشكيل الحكومة بعد التشاور مع الأحزاب والكتل النيابية.

ويبدو موقف سعيّد متقارباً مع الكتل التي ترغب في إبعاد النهضة عن الحكم، خاصّةً أنّه في خلافٍ دائمٍ معها ومع رئيسها راشد الغنّوشي، منذ تسلّمه مقاليد الحكم، وذلك على خلفية تنازع صلاحيات، وتداخل مهام، بعد الديبلوماسية الموازية التي مارسها الغنّوشي بخصوص الملف الليبي والتدخّل التركي.

سعيّد الذي لا يملك الخبرة السياسية الكافية، ظهر عصيّاً على التوظيف ولاعباً محدداً في المشهد من خلال حرصه على تصويب أداء الطبقة السياسية، بعد أن كان الغنوشي يتوقع أن يتم ترويض مؤسسة الرئاسة وتوظيفها لخدمة أجندة الحركة في السيطرة على البلاد.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية إذ تضع تونس على مرجل ساخن

ووفق مراقبين للشأن السياسي التونسي، فإنّ موقف سعيّد من النّهضة ورئيسها، يعدّ داعماً قوياً لمحاولات إبعادها من دوائر الحكم، خاصّةً أنّ اختيار رئيس الحكومة الجديد، وفريقه مازالت بيد سعيّد، إلاّ في حال إسقاط الحكومة الجديدة والمرور إلى انتخابات برلمانية جديدة.

وفي هذا الشأن، يرى الكاتب والباحث التونسي في الحركات الإسلامية منذر بالضيافي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّه وبمنطق الحسابات السياسية، من الممكن جدّاً تكوين حكومةٍ جديدةٍ تستثني حركة النّهضة لأوّل مرّةٍ منذ 2011، لأنّ الحركة لا تملك سوى 20 بالمائة من التمثيلية البرلمانية (54 نائباً)، وهو ما لا يجعلها كتلةً مهيمنةً.

وأضاف بالضيافي أنّ الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية المشتتة تستطيع إبقاء النّهضة في المعارضة، إذا ما التقت، كما أنّها لن تستطيع إذا ما تخلّى عنها قلب تونس أن تسقط الحكومة المفترض تكوينها في الأيام القليلة القادمة، لأنّها تبدو اليوم في أضعف حالاتها.

الباحث التونسي أشار أيضاً إلى أنّ أهمّ اختبار ستواجهه هذه الكتل البرلمانية التي دخلت في مواجهة مع حركة النّهضة، هو سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنّوشي، لافتاً إلى أنّها إذا نجحت في هذا الاختبار ستنجح دون شكّ في إخراج الحركة من الحكم، وستضعفها وتجعلها حزباً أقلياً لا يتحكم بالمشهد.

أوّل حكومة دون حركة النّهضة

الأزمة السياسية التي تعيشها حركة النّهضة تفاقمت منذ قرّرت الحركة سحب دعمها عن رئيس الحكومة الحالي إلياس الفخفاخ، والتهديد بسحب الثقة منه، ما اضطرّه للاستقالة، وإقالة كافّة وزراء الحركة من الحكومة، تمهيداً لاستبعادها من الحكم.

منذر بالضيافي: من الممكن جدّاً تكوين حكومةٍ جديدةٍ تستثني حركة النّهضة لأوّل مرّةٍ منذ 2011، لأنّ الحركة لا تملك سوى 20 بالمائة من التمثيلية البرلمانية (54 نائباً)

وتعدّ هذه المرّة الأولى التي تغادر فيها حركة النّهضة دوائر الحكم، وقصر القصبة (مقرّ الحكومة) منذ 2011، بعد أن كانت دائماً الرقم الأساسي في تشكيلة الحكومات السياسية خلال السنوات العشر الماضية.

واتهم الفخفاخ حركة النهضة بالتحضير لمشهد وصفه بالمأزوم، وخدمة مصالحها الحزبية، والإخلال بمبدأ التضامن الحكومي، واعتبر دعوتها إلى تشكيل حكومةٍ جديدةٍ تهرباً من التزاماتها وتعهداتها مع شركائها في الائتلاف، في خضم ما وصفها بمساع وطنية لإنقاذ الدولة واقتصاد البلاد المنهك، كما وصف موقفها بأنه "انتهاك صارخ واستخفاف بالاستقرار".

ويأتي موقف رئيس الحكومة رداً على قرار مجلس شورى حركة النهضة الذي تبنى قراراً يقضي بتكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإجراء مشاورات مع رئيس الدولة قيس سعيّد والقوى السياسية والمنظمات الاجتماعية، من أجل تشكيل حكومة جديدة بسبب شبهات تضارب المصالح التي أثيرت قبل أسابيع حول الفخفاخ بشأن امتلاكه أسهماً في شركات تتعامل مع الدولة تجارياً، وأبرمت معها صفقات بملايين الدولارات، وهو ما يمنعه القانون.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية