هل تكون الجزائر بوابة أردوغان لاستعادة النفوذ في شمال أفريقيا؟

هل تكون الجزائر بوابة أردوغان لاستعادة النفوذ في شمال أفريقيا؟


22/05/2022

في زيارة هي الأولي من نوعها منذ نحو 17 عاماً، توجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى تركيا، في منتصف أيار (مايو) الجاري، في زيارة دولة استغرقت 3 أيام. وتعتبر زيارة تبون إلى تركيا حدثاً مهماً؛ باعتبارها أول زيارة لرئيس جزائري، منذ الزيارة التي قام بها الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في العام 2005، والتي أعقبها في العام التالي توقيع البلدين اتفاقيات صداقة وتعاون؛ لتعزيز العلاقات.

وجاءت الزيارة بعد أيام فقط، من إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك، مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، وحدة أراضي المغرب، وسيادتها على أقاليمها الجنوبية، حيث قال نصاً: "أود أن أكرر موقف تركيا المبدئي، المؤيد لوحدة أراضي وسيادة الدول، وأن أؤكد مجدداً دعم تركيا لسيادة المغرب الشقيق، وسلامته الإقليمية".

ومع دعم تركيا الرسمي لخطة الحكم الذاتي المغربية، حاولت السفارة التركية في الجزائر تخفيف الصدمة عن الجزائريين، بإعلانها أنّ دعم أنقرة لحل سياسي لقضية الصحراء، يستند إلى اتفاقيات دولية.

زيارة من أجل إذابة الجليد في العلاقات

بحسب بيان أصدرته الرئاسة الجزائرية، فإنّ زيارة تبون، هي أول زيارة للرئيس الجزائري  إلى تركيا، منذ تولّيه منصبه نهاية العام 2019، وكان الرئيس التركي أردوغان، هو أول رئيس يزور الجزائر، بعد انتخاب تبون رئيساً، حيث وصل أردوغان إلى الجزائر في كانون الثاني (يناير) 2020.

وكان الرئيس التركي قد دعا تبون لزيارة تركيا، في أقرب وقت ممكن، في العام 2021، لكنّه لم يتلق رداً، إلّا بعد ثلاثة أيام من تأكيد جاويش أوغلو، دعم بلاده لوحدة أراضي المغرب.

في زيارة هي الأولي من نوعها منذ نحو 17 عاماً، توجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى تركيا، في منتصف أيار (مايو) الجاري

كان توتراً قد شاب العلاقات بين أنقرة والجزائر، في شباط (فبراير) 2020، في أعقاب تصريحات صدرت عن الرئيس التركي، حول ما زعم أنّ الرئيس الجزائري أخبره به، حول قتل فرنسا 5 ملايين جزائري، حيث أعربت وزارة الخارجية الجزائرية عن تفاجئها من تصريحات أردوغان، مؤكدة في بيان رسمي أنّ "حديث الرئيس الجزائري، أخرج عن سياقه".

وأضاف البيان: "بداعي التوضيح تشدّد الجزائر على أنّ المسائل المعقدة المتعلقة بالذاكرة الوطنية، التي لها قدسية خاصّة عند الشعب الجزائري، هي مسائل جد حساسة، لا تساهم مثل هذه التصريحات، في الجهود التي تبذلها الجزائر وفرنسا لحلها".

يبدو أنّ انزعاج الجزائر من قيام أردوغان بتوظيف قضاياها الوطنية، في إطار الملاسنات التي جرت بينه وبين الرئيس الفرنسي ماكرون، قد أسهم في تراكم الجليد حول العلاقات بين البلدين، لكنّ التدخل التركي المفاجئ في قضية الصحراء، يبدو أنّه دفع الرئيس الجزائري نحو تدشين زيارته.

محمد الفرجاني: زيارة الرئيس الجزائري، جاءت من أجل منع تكوين تحالف تركي مغربي صريح، يمكن من خلاله الإضرار بمصالح الجزائر، التي رأت أنّ مقتضيات السياسة تفرض عليها تجاوز الخلافات، واحتواء التدخل التركي

الدكتور محمد الفرجاني، الباحث المختص في التاريخ المعاصر والدراسات العربية، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ النفوذ التركي في شمال أفريقيا تراجع كثيراً، بسقوط حركة النهضة في تونس، وابتعاد حزب العدالة والتنمية عن الحكم في المغرب، بالإضافة إلى تراجع نفوذ الإخوان في ليبيا، وهنا كان على أنقرة أن تبحث من مدخل جديد، من أجل تقوية نفوذها في المغرب العربي، حيث مارست أنقرة نوعاً من الضغط السياسي على الجزائر، من خلال التدخل في قضية الصحراء، وإعلانها دعم وجهة النظر المغربية، في وقت تشهد فيه العلاقات المغربية الجزائرية تدهوراً حاداً، بلغ ذروته بقيام الجزائر بإلغاء اتفاقيات الغاز مع الرباط.

ويرى الفرجاني أنّ زيارة الرئيس الجزائري، جاءت من أجل منع تكوين تحالف تركي مغربي صريح، يمكن من خلاله الإضرار بمصالح الجزائر، التي رأت أنّ مقتضيات السياسة تفرض عليها تجاوز الخلافات، واحتواء التدخل التركي، بل وتوجيهه لصالح الجزائر، عبر توقيع سلسلة من الاتفاقيات، تلفت من خلالها نظر تركيا إلى الأهمية التي يمكن للجزائر أن تمثلها، ما يجعل أنقرة في المستقبل حريصة على اتخاذ مواقف متوازنة، فيما يتعلق بالمسائل الخلافية بين دول المغرب العربي.

تفاهمات واتفاقيات جديدة

خلال زيارة الرئيس تبون، ناقش الرئيسان الجزائري والتركي "القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك"، مع تركيز مباحثاتهما "على العلاقات الثنائية، وسبل استدامتها وتوسيعها؛ بما يساهم في تحقيق مصالح الشعبين". بحسب بيان الرئاسة الجزائرية.

وأثناء الزيارة، وقعت تركيا والجزائر 15 اتفاقية تعاون؛ تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والدفاعية والدبلوماسية،؛ ومذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الخدمات الاجتماعية، وأخرى في المجال البيئي، وثالثة في مجال التعدين، بالإضافة إلى مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، في إطار سعيهما لتنمية علاقاتهما الثنائية بشكل أكبر وتعزيز التعاون، مع التركيز بشكل خاص على صناعة الدفاع.

 وقعت تركيا والجزائر 15 اتفاقية تعاون

وناقش الرئيسان سبل ووسائل تعزيز التعاون الثنائي، والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وقال أردوغان إنّ "السياحة والزراعة والأمن، من المجالات المهمة الأخرى، التي تحدث البلدان عن تعزيز التعاون فيها". وأضاف أنّهما أجريا محادثات شاملة، مؤكداً أنّ العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، تزداد قوة كل يوم.

وعلى الرغم من جائحة كوفيد -19، ارتفع حجم التجارة الثنائية بنسبة 35٪ إلى 4.2 مليار دولار (65.3 مليار ليرة تركية)، حسبما قال أردوغان في مؤتمر صحفي مع الرئيس تبون.

وقال إنّ هدف حجم التجارة الثنائية، الذي تم تحديده مسبقاً عند 5 مليارات دولار، تم تعديله إلى 10 مليارات دولار. وأشار إلى أنّه "بصفتنا دولتين تلعبان دوراً مهماً في ضمان السلام والاستقرار في القارة الأفريقية، فإنّنا مصممون على تعزيز التعاون في صناعة الدفاع"، وقال كذلك إنّ العديد من شركات الدفاع التركية، تجري محادثات مع الجزائر، دون الخوض في التفاصيل.

يبدو أنّ حاجة الجزائر، لتطوير قدراتها العسكرية، سوف تفتح الطريق أمام أنقرة لتسويق صناعتها الدفاعية، وطائراتها المسيرة

من جانبه، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنّه والرئيس التركي أردوغان، أتيحت لهما الفرصة لتعزيز العلاقات العميقة الجذور بين البلدين، في العديد من المجالات. وأكد أنّه يعتقد أن حجم الاستثمار مع تركيا سوف يزداد، ليصل إلى 10 مليارات دولار أو أكثر. كما قال إنّ الجزائر "تدرس اتخاذ خطوات مهمة (مع تركيا)، لا سيما في المجالات المدنية والعسكرية والبحرية".

وقال تبون "عقدنا لقاء شاملاً ومثمراً مع السيد أردوغان"، معرباً عن سعادته بزيارة أنقرة. ومضى يقول إنّ الزعيمين يمكنهما جلب البلدين الشقيقين إلى مكان أفضل بكثير. وإلى جانب العلاقات الثنائية، قال تبون إنّهما بحثا أيضاً التطورات الإقليمية، بما في ذلك ليبيا وفلسطين.

ويبدو أنّ حاجة الجزائر، لتطوير قدراتها العسكرية، سوف تفتح الطريق أمام أنقرة لتسويق صناعتها الدفاعية، وطائراتها المسيرة، لكن يظل ملف المعارضين المطلوبين من قبل الجزائر، ودعم أنقرة للتيارات الإسلامية، عقبة أمام توقيع اتفاقية عسكرية شاملة، وإن توقع مراقبون أنّ أنقرة قد تقدم تنازلات كبيرة في هذا الشأن.

مواضيع ذات صلة:

كيف نقرأ واقع العمل الإخواني في الجزائر في الأعوام الأخيرة؟

قضية الصحراء والخلافات المغربية الجزائرية: حقل ألغام لا يهدأ

الجزائر: ماذا تبقى من التاريخ النضالي لجبهة التحرير؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية