هل تغدو إيران دولة الحرس الثوري؟

هل تغدو إيران دولة الحرس الثوري؟


03/09/2020

محاولة قراءة مستقبل النظام الإيراني، وتفكيك طبقاته الداخلية، تبدو متناقضة، وتعكس أكثر من صورة، خاصة في ظلّ الترهّل والانسداد السياسي الذي يعانيه. وبالدرجة نفسها، حالة التضخم والصراعات التي تشق جيوباً في جسده، تنفذ منها ملامح تحوّل وتغيير في طبيعة السلطة، والدفع باتجاه خيار ملء حيز السلطة بواسطة الجناح الراديكالي، وتغول الحرس الثوري الإيراني على مفاصل الدولة، ومن ثم تنحية الأدوار الأخرى وتهميشها، الأمر الذي يعكس أزمة في بنية النظام، منذ عام 1979، وتعثّره في الانتقال من الثورة إلى الدولة.

نقطة اللاعودة

مع تنامي الاحتجاجات الشعبية، السياسية والطبقية والحقوقية في طهران، والتي اتسعت وشملت أكثر من بيئة وحاضنة مجتمعية، كما لم تقتصر على الفئات المهمشة، أو الأقليات الدينية والقومية، إنما صعّد منحى الغضب من خلال فئات عمرية، وكذا مرجعيات دينية وسياسية ومناطقية متباينة، احتشد المحتجون، وهتفوا ضدّ الولي الفقيه مباشرة، وقد كان من بين الشعارات المعلنة: "الموت للديكتاتور"، و"الموت للولي الفقيه"، الأمر الذي عكس تذمراً واضحاً من السلطة الحاكمة، في جمهورية إيران الإسلامية، والممثلة في مفهوم الإمام المطلق وإمام الأمة، بحسب المنصوص عليه في الدستور الإيراني، والذي يمنح الولي الفقيه سلطات مطلقة، تتجاوز ما تحوزه السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

في ضوء ذلك، فإنّ قبضة رجال الحرس الثوري على نظام الحكم في إيران، ليست أمراً طارئاً أو جديد، لكنّ الترتيبات الحاصلة، مؤخراً، في سياقها المحلي والإقليمي، وصعود الجنرال السابق في الحرس الثوري، محمد باقر قالبيقاف، ليتولى رئاسة مجلس النواب الإيراني، والخلافات المحتدمة بين جناح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، تفصح عن ميل حاد باتجاه عسكرة النظام في حدوده القصوى.

الصحفي زكي الدروبي لـ"حفريات": "تتعامل إيران مع أزماتها عبر سلاح الصبر الإستراتيجي، كما هي عادتها، والانتظار حتى تتغير الإدارة الأمريكية الحالية، وتأتي إدارة ديمقراطية بديلة عن إدارة ترامب

ورجحت مجلة "فورين أفيرز"، الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، أنّ الرئيس المقبل لإيران سيكون من الحرس الثوري؛ إذ ألمحت في تقريرها المنشور في العدد الشهري الأخير، إلى أنّ "البرلمان الإيراني الجديد يقدم أحدث الأدلة على هذا المنحى الأخير المتشدد، لا سيما أنّ رئيس البرلمان هو القائد العسكري السابق في الحرس الثوري الإيراني، محمد باقر قاليباف، وثلثا أعضاء البرلمان إما أعضاء سابقون، أو ما يزالون منتمين إلى الحرس الثوري والمنظمات التابعة له"، مشيرة إلى أنّ "ثمة مقولة جديدة رائجة في طهران: يتمّ امتصاص السلطة من الرأس إلى أصابع القدم"؛ وتعني أنّ الحكم ينتقل من الرجال الذين يرتدون العمامات إلى الرجال الذين يرتدون أحذية طويلة".

وتردف: "لطالما توقع كثيرون في إيران والولايات المتحدة استيلاء الحرس الثوري الإيراني على الحكومة الإيرانية، وستكون الخطوة التالية نحو هذه النتيجة، هي انتخاب مرشح تابع للحرس الثوري الإيراني رئيساً في العام 2021".

الحرس الثوري ومستقبل الحكم

وفي التقرير، الذي جاء بعنوان "الحرس الثوري يستعد للسيطرة على إيران"، لفتت المجلة الأمريكية إلى وجود انقسام في قلب النظام والسلطة بإيران؛ إذ تدير المؤسسات المنتخبة الشؤون اليومية للدولة، وفي المقابل، يحوز المرشد الأعلى كافة الصلاحيات والقوة والهيمنة السياسية، الأمر الذي تتحمل حماية استمراره المنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري، في نهاية المطاف، بيد أنّه "لأكثر من عقدين من الزمن، كافح الإصلاحيون داخل المؤسسة السياسية الإيرانية، بغية تعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضدّ سلطة الدولة الموازية. والآن، هم يتصالحون مع فشل ذلك المشروع، ويستعدون لقيادة الدولة الموازية لغزو الهيئات المنتخبة، وتعزيز السلطة لأنفسهم".

وفيما يتّصل بالأزمات والصراعات القائمة بين أجنحة النظام، خاصة أنّ روحاني يبدو غير قادر على الوفاء بوعوده في السياسة الداخلية أو الخارجية، وحسبما تشير المجلة الأمريكية، فإنّ "إيران ستشهد قريباً حكومة يديرها الجيش، وهي ليست نتيجة مفروضة، لكن يبدو أنّها الأكثر ترجيحاً؛ فالإيرانيون محبطون من التوترات الحزبية والأزمات المجتمعية المتفاقمة، لا سيما أنّ العقوبات الأمريكية استنزفت الوضع الاقتصادي في البلاد، فانخفضت القوة الشرائية إلى ثلثي ما كانت عليه، قبل عقد من الزمن، حتى مع تنامي هوس الجمهور بالثروة، بشكل كبير، كما أنّ هناك حالة من الاستياء والغضب بين الإيرانيين، على خلفية وضعهم الدولي الهشّ، وأنّهم لا يحصلون على المكانة الدولية التي يستحقونها، وهو ما سوف ينجم عنه ظهور شكل جديد من أشكال القومية".

تلفت "فورين بوليسي" إلى وجود انقسام في قلب النظام والسلطة بإيران، إذ تدير المؤسسات المنتخبة الشؤون اليومية للدولة، وفي المقابل، يحوز المرشد الأعلى كافة الصلاحيات والقوة والهيمنة السياسية

لا تختلف النتائج التي خلصت إليها المجلة الأمريكية عن دراسة صدرت قبل أعوام قليلة عن كلية الحرب الأمريكية، تتصل بنفوذ الحرس الثوري، السياسي والأمني، في إيران؛ حيث حظي الأخير بصلاحيات غير محدودة من قيادات الثورة الإسلامية، جعلت منه طبقة مستقلة تتولى رعاية المصالح، السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، للنظام الجديد، ما يجعلها بؤرة حيوية تتجمع عندها كافة خيوط السياسة، الداخلية والخارجية.

الحصار الأمريكي

وتشير الدراسة، التي جاءت بعنوان "نقاط ضعف يمكن استغلالها لدى الحرس الثوري الإيراني": "رغم أنّه من المفترض قانوناً أنّ الحرس الثوري يعمل بالتنسيق مع القوات المسلحة الإيرانية التقليدية، ويخضع لقيادة مشتركة للإشراف على القوات الأمنية، لكنّ الواقع أنّ الحرس الثوري لا يخضع فعلياً إلا لعلي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهذه الصلة المباشرة بالمرشد، الذي يمنح دعمه الدائم للحرس الثورى، تجعل الحرس كياناً لا نظير له بين قوات الجيش، والمخابرات، وقوات الأمن الإيرانية".

وتضيف: "وإذا كان الخميني قد أسس الحرس الثوري أساساً كجهاز للأمن الداخلي، بهدف حماية الثورة الإسلامية؛ فمن الضرورى إذاً النظر إلى طبيعة هذا الدور الأمني، قبل بحث الأدوار الأخرى غير التقليدية للحرس الثوري، سواء فى مجال السياسة الخارجية، والاقتصاد، والمعلومات، والاستخبارات.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة يهرب الحرس الثوري الأموال لحزب الله اللبناني

 لقد نجح الخميني في تدعيم سلطته بعد الإطاحة بالشاه، عبر مواجهة الثورة المضادة التى رآها من القوات المسلحة الإيرانية، بواسطة الحرس الثوري، الذي كان أقرب إلى قوات مسلحة موازية تدين بالولاء له هو ومبادئه الثورية، ومن أجل الحفاظ على النظام الداخلي، وقمع المعارضة؛ منح الخميني صبغة رسمية للميليشيات الموالية له، التي انبثقت بعد الثورة، من خلال تشكيل قوات حملت اسم "الباسيج".

هل تصمد أوهام طهران؟

إلى ذلك، يوضح الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، زكي الدروبي، أنّ هناك استحقاقات قادمة للنظام الايراني، تظهر شيئاً فشيئاً؛ إذ إنّه أمام انتخابات رئاسية، عام 2021، وأمامه التحضير لخلافة خامنئي، ومن ثم، يمكن أن نرى الحركة السياسية في إيران، وكذا مستقبل النظام من خلال هذه المظلة الممتدة، مضيفاً لـ "حفريات": "تبرز كافة التوقعات السياسية احتمالية تعزيز دور الحرس الثوري الإيراني، وتعظيم نفوذه في مؤسسات الدولة حتى ابتلاعها، لتصبح الدولة العميقة في طهران، هي الحاكم المباشر والعلني، وذلك عبر الدعوات إلى تقليص صلاحيات بعض المؤسسات، مثل الرئاسة والبرلمان، لصالح مؤسسات أخرى، لا تستمدّ شرعيتها من الانتخابات، مثل: "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، و"المجلس الأعلى للأمن القومي".

وبحسب الدروبي، فإنّ هذه التطورات تتصل بمجموعة ملفات حساسة، تتمثل في ملف النفوذ الإقليمي لطهران بالمنطقة، وملف البرنامج النووي؛ إذ تبدو الإدارة الأمريكية عازمة على تقليص هذا النفوذ، من خلال الضوء الأخضر المعطى لإسرائيل باستهداف القوات العسكرية الإيرانية، بشكل شبه يومي، في دمشق، وكذا عملية اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، والأخيرة نفذتها واشنطن، ناهيك عن العمليات التي تحصل على الأراضي الإيرانية ذاتها، من دون الإعلان عن فاعلها، مثل التفجيرات الغامضة في المنشآت العسكرية التي تعرضت لها، مؤخراً.

اقرأ أيضاً: إيران: الحرس الثوري والجيش... هل تتفاقم الخلافات مجدداً؟

وتابع: "تتعامل إيران مع هذا الوضع عبر سلاح الصبر الإستراتيجي، كما هي عادتها، والانتظار حتى تتغير الإدارة الأمريكية الحالية، وتأتي إدارة ديمقراطية بديلة عن إدارة ترامب، وبالتالي، تتغير طريقة التعاطي معها؛ حيث تراهن على أنّ الديمقراطيين سيقومون بتخفيف الحصار الشديد المفروض من الإدارة الجمهورية الحالية، وعليه، يكون بمقدور طهران العودة إلى طاولة المفاوضات حول ملفها النووي، كما تتجه نحو الشرق للبحث عن شركاء تحتمي بهم، كالصين وروسيا، وهذا واضح من خلال الاتفاقيات الاقتصادية الكبرى التي وقّعت مع الصين".

الصفحة الرئيسية