هل تعوّل تركيا على سياسة حافة الهاوية في ليبيا؟

هل تعوّل تركيا على سياسة حافة الهاوية في ليبيا؟


20/07/2020

فيما بدا أنّ الحرب في سرت قد دنت، أطلقت تركيا تصريحاً غامضاً في مآلاته، حيث أعلن المتحدّث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أنّ تركيا لا ترغب في مواجهة مصر أو فرنسا في ليبيا.

ورأى مراقبون أنّ نشوب أيّ مواجهة عسكرية في سرت، ستعني مواجهة مصرية ـ تركية، ولو على نحو غير مباشر، حيث رسمت مصر خطّاً أحمر يستدعي تجاوزه حضورها عسكرياً، فيما الجهة الأخرى ممثلة في حكومة الوفاق والميليشيات المسلحة مدعومة بالأساس من تركيا.

وفيما شهدت الساحة الليبية حراكاً في الأيام الماضية، تجاوز الدبلوماسية، برصد تحرّكات للميليشيات في محيط سرت، وحشد للقوات، ما أنذر بقرب المعركة، خرجت تركيا بتصريحها الذي يعبّر إمّا عن تراجع وإمّا عن  مراوغة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تبعية لأردوغان وإثارة للفوضى في تونس ومزايدة على السودان

والمتابع لتحرّكات تركيا في المشهد الليبي، يعلم أنها لم تتبنَّ يوماً خطاباً واحداً، إذ اعتادت إبداء الليونة والمرونة والرغبة في الحلّ السلمي ووقف إطلاق النار في العلن، فيما تستمرّ على الأرض في ضخّ مزيد من المقاتلين المحسوبين على بعض الفصائل السورية لدعم الوفاق، وإمداد الحكومة بالأسلحة، وتسيير الطائرات التركية في خدمتها.

 

المتحدّث باسم الرئاسة التركية أعلن أنّ بلاده لا ترغب بمواجهة مصر أو فرنسا في ليبيا

وبفضل الدعم التركي السخي، استطاعت حكومة الوفاق تحقيق تقدّمات ميدانية خلال الشهور الماضية، حتى باتت المعركة عند حد فاصل حيث منطقة الهلال النفطي، ما يعني اقتراب تركيا من هدفها، "النفط الليبي"، ما استدعى تدخل مصر وفرنسا، وكلٌّ له دوافعه.

وبدخول مصر وفرنسا على خط المواجهة، بات هدف تركيا أصعب، لكنها من غير المتوقع أن تتراجع عن تحقيقه، خصوصاً بالنظر إلى استمرار تدفق الميليشيات، وزيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أمس إلى قطر ولقائه الشيخ تميم بن حمد، في زيارة غلفتها السرّية، وإن كان مضمونها مقروءاً في سياق تطوّرات الأوضاع في ليبيا.

لذا، فإنّ التصريح التركي الأخير، يمكن أن يُفهم كنوع من المراوغة، للإيهام بأنّ تركيا لن تطلق إشارة البدء للميليشيات لمحاولة اقتحام سرت، خصوصاً أنّها من مصلحتها تهدئة الأجواء وامتصاص الاستعداد والاستنفار قبل بدء أيّ هجوم.

اقرأ أيضاً: الجيش الليبي يستعد لمواجهة مرتزقة أردوغان وميليشيات الوفاق... هذه إجراءاته

وقد قُدّمت النصيحة لتركيا حول سرت بأن يكون هجومها خاطفاً يستطيع أن يخلق واقعاً جديداً على الأرض، يضمن موضع قدم للوفاق في الهلال النفطي، ليؤهلها فيما بعد للتفاوض على أرضية صلبة، بحسب مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب، في تصريح لـ"العربية".

 

تركيا لم تتبنَّ يوماً خطاباً واحداً بالأزمة بين إبداء الليونة في العلن فيما تستمرّ بضخّ المقاتلين

ويُعتقد أنّ من وجّه تلك النصيحة هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقف خلف تركيا وحكومة الوفاق، رغبة في تحجيم النفوذ الروسي.

غير أنّ إجراء تلك الضربة المباغتة عملياً يظلّ هدفاً صعباً بالنظر إلى استنفار قوات الجيش الليبي، واستعداد مصر للتدخل السريع حال تطوّرت الأوضاع.

ومن ثمّ، فإنّ قول المتحدث باسم الرئاسة التركية أمس، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم"، إنّ بلاده "ليست مع تصعيد التوتر في ليبيا، لكنها ستواصل دعم حقّ الحكومة الشرعية في طرابلس بالدفاع عن نفسها"، يعكس حقيقة التوجّه التركي في استمرار التصعيد ولكن بالوكالة.

ويُعدّ التصريح من جهة أخرى مناقضاً للهجة المتشنجة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه مصر قبل أيام، التي أبدى فيها كمّ القلق التركي من المواجهة معها، فيما تحاول أنقرة اليوم التراجع خطوة إلى الخلف، وتقديم واجهة "حكومة الوفاق"   و"الشرعية".

اقرأ أيضاً: غطرسة أردوغان تعيد تركيا إلى سلوك الماضي المظلم

وفي الوقت الذي وصف فيه أردوغان تدخل مصر في ليبيا بـ"غير الشرعي"، قال قالن في لقاء مع قناة "إن تي في" التركية: "لسنا مع تصعيد التوتر في ليبيا. ليس لدينا أيّ خطة أو نيّة أو تفكير لمجابهة أي دولة هناك، للحكومة الوطنية الليبية حقّ الدفاع عن نفسها. وتركيا حتماً ستواصل تقديم دعمها لهذه الحكومة".

 

بفضل الدعم التركي السخي استطاعت حكومة الوفاق تحقيق تقدّمات ميدانية خلال الشهور الماضية

وأشار إلى أنّ تركيا والحكومة الوطنية الليبية تربطهما اتفاقية تعاون عسكري موقعة في كانون الأول (ديسمبر) 2019، وفي إطارها يقدّم الدعم التركي. وادّعى قالن أنّ الوجود التركي في ليبيا حقق التوازن، قائلاً: "عند حديثي مع نظرائي في أمريكا وأوروبا، يعترفون لنا بهذا. ونحن لا نسعى لنيل التقديرات، بل لحلّ الأزمة، ودفع العملية السياسية، وفق قواعد الأمم المتحدة، ومخرجات مؤتمر برلين".

 ودعا قالن إلى تقييم الجدل الدائر حول محور سرت ـ الجفرة الليبيتين، ضمن سياق المشهد العام في ليبيا.

ويبقى جزء من حديث قالن الأقرب من الصحة، وهو الخاص بعدم مواجهة تركيا لمصر أو فرنسا، حيث إنّ المعارك التي تخوضها تركيا ليست صريحة ومتكافئة، بل تعمد إلى تمرير أهدافها عبر سلاح الميليشيات، دون أن تضع جنودها في الواجهة.

وذلك لا يعني أنّ أيّ خسارة ستتكبدها تلك الميليشيات أو الوفاق لن تعني خسارة مباشرة لتركيا، لذا فهي تتمهل في خطواتها، منتظرة اللحظة المواتية، ما قد يعني استمرار الأوضاع على ما هي عليه أسابيع أخرى.

من جانبه، وصف الدبلوماسي الليبي السابق، السفير رمضان البحباح، التصريحات التركية الأخيرة حول ليبيا بـ "الكذب والدعاية وتزييف الواقع"، موضحاً لـ"حفريات": السلوكان كلاهما متناقضان، لا يوجد من يحشد الأسلحة والمرتزقة ويجلبهم إلى ليبيا، ويعلن ساسته أنهم يريدون إعادة أمجاد أجدادهم.

وأضاف: ومن جهة أخرى يتحدثون عن اتفاقيات أمنية وعسكرية طويلة مع حكومة منصّبة من الأمم المتحدة ولمدة عام انتهى عملها في العام 2016، يقصد الوفاق، وما زالت تمارس مهامّها مخالفة لكافة القوانين التشريعية.

اقرأ أيضاً: ما هي دوافع أردوغان لتوريط تركيا في أزمة أرمينيا - أذربيجان؟

وشدّد البحباح: وفق القانون، هذه الحكومة غير مخوّلة لإبرام أيّ اتفاقية، وحتى في حالة إبرامها تحتاج إلى اعتماد تشريعي يفوّضها بالتنفيذ من قبل البرلمان، وهذا لم يحدث.

وتابع أنّ "الأتراك يصرّحون بأنّهم ليس في نيتهم المواجهة مع أيّ قوة في ليبيا، هذا تناقض صارخ ومحاولة لكسب الوقت وتزييف أمام الرأي العام الدولي الذي يتابع ويراقب عن كثب التطوّرات المتلاحقة، والتي تنذر باشتعال الحرب في أيّ لحظة".  

وحذّر الدبلوماسي الليبي من أنّ "الأتراك ينفّذون أجندات خارجية متفق عليها من قبل الغرب وإسرائيل لتدمير جيوش المنطقة العربية، بعدما دمّروا القوّة العراقية والسورية والليبية، دون أن يخسروا دولاراً واحداً".

 

نشوب أيّ مواجهة عسكرية في سرت ستعني مواجهة مصرية ـ تركية ولو على نحو غير مباشر

وأضاف: "المعركة اليوم هي معركة قومية بامتياز، لحفظ ما تبقى على وجود الأمّة، فإذا تمكّنوا من إشعال الحرب، فليس أمام العرب إلّا مواجهتها من أجل البقاء فوق الأرض وتحت الشمس، وإلا علينا السلام، سيكون حينها مصيرنا مثل مصير أمّة الهنود الحمر وأمّة الغجر والأكراد، هذا ناقوس خطر أدقه من خلالكم، وعلى الجميع الانتباه".

في غضون ذلك، تواصل مصر تهيئة أوراقها استعداداً للتدخل السريع إذا ما تطلب الأمر ذلك، حيث من المقرر أن يبتّ البرلمان المصري في أمر إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا خلال جلسة سرية اليوم، في توجّه للموافقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية