هل تعود تركيا إلى مغامراتها العسكرية؟

هل تعود تركيا إلى مغامراتها العسكرية؟


12/06/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

يمكن أن يُغفرَ للمرء إذا اعتقد أنّ تركيا بدأت تعدّ نزعتها للمغامرة العسكريّة جزءاً من الماضي.

في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي، لم تشنّ أنقرة عمليّة توغّل أو عمليّتين في سوريا، بل ثلاثاً، مسيطرةً على مساحات كبيرة من الأراضي في كلّ مرّة، كما أرسلت تركيا قوّات برّيّة إلى العراق، وطائرات من دون طيار ومستشارين عسكريّين إلى كلّ من ليبيا وناغورنو-كاراباخ، وأنشأت قاعدة عسكريّة في قطر، وقاعدة أكبر في الصّومال، وهدّدت السّفن البحريّة التّركيّة سفناً إيطاليّة وفرنسيّة في البحر الأبيض المتوسّط​​، على نحو عزّز سياسة "الوطن الأزرق" الطّموحة لـ "حزب العدالة والتّنمية".

لكن في العامين الماضيين، وسط أزمة اقتصاديّة متنامية، اتّخذت أنقرة موقفاً أكثر ليونة أثناء سعيها لتجديد العلاقات مع الولايات المتّحدة، والاتّحاد الأوروبيّ، وأرمينيا ومصر وإسرائيل ودول الخليج. حتّى إنّ الرّئيس التّركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، أصبحا شبه وديّين.

رفع أردوغان الرّهان، مؤخراً، بالحديث عن هجوم آخر على سوريا. السّبب ليس سرّاً: خلق منطقة آمنة، يبلغ عرضها 30 كيلومتراً، وُعِدَ بها طويلاً لاستضافة اللاجئين العائدين

ثمّ، الشّهر الماضي، مع تركيز العالم على أوكرانيا، شنّت تركيا هجوماً برّيّاً على شمال العراق، مستهدفة معاقل جبليّة لـ "حزب العمّال الكردستاني"، الذي يقود تمرّداً في جنوب شرق تركيا، منذ ثمانينيّات القرن الماضي، والذي تصنّفه تركيا والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ جماعةً إرهابيّة.

رفع أردوغان الرّهان، مؤخراً، بالحديث عن هجوم آخر على سوريا. السّبب ليس سرّاً: خلق منطقة آمنة، يبلغ عرضها 30 كيلومتراً، وُعِدَ بها طويلاً لاستضافة اللاجئين العائدين؛ ودفع "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" المتحالفة مع الولايات المتّحدة والتي يقودها أكراد، وتعدّها أنقرة جزءاً من "حزب العمّال الكردستانيّ"، بعيداً عن الحدود التركية.

هذا هو السّبب، لكن التّوقيت، الآن، أكثر تعقيداً، قد يكون أحد الأسباب هو الإلهاء الواضح الذي تقدّمه الحرب في أوكرانيا، وقد يكون الآخر هو اختبار عزم تحالف الغرب مع "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة"، والذي يركّز على محاربة فلول "داعش". عام 2019، عندما انتقلت تركيا، للمرة الأولى، إلى شمال شرق سوريا، سحب الرّئيس الأمريكيّ آنذاك، دونالد ترامب، القوّات الأمريكيّة من المنطقة، فيما عدّه كثيرون خيانة للمقاتلين الأكراد الذين لعبوا دوراً رئيساً في هزيمة داعش.

شنّت أنقرة في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي العديد من عمليات التوغّل العسكرية شمال سوريا

هذه المرّة، حذّرت الولايات المتّحدة من أنّ غزواً آخر من شأنه أن "يقوّض الأمن الإقليميّ"، لكن يبدو أنّها مستعدّة لغضّ الطّرف، وتعرّضت العلاقات الغربيّة مع المسلّحين الأكراد للتّدقيق في الآونة الأخيرة، حيث ضغطت تركيا على السّويد لإنهاء دعمها للجماعات الكرديّة، بما في ذلك "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة"، من أجل الموافقة على طلب دخولها "حلف شمال الأطلسيّ".

المحادثات بشأن هذه المسألة في أنقرة، لم تسر على ما يرام، حيث بدا أنّ السّويد متمسّكة بموقفها، ولم يكن من المثمر قول قوّات الأمن التّركيّة إنّها عثرت على سلاح مضادّ للدّبابات سويديّ الصّنع في مخبأ لـ "حزب العمّال الكردستانيّ" شمال العراق.

ربما تأمل أنقرة أن يمتنع الحلفاء في "حلف شمال الأطلسيّ" عن انتقاد هذا التّوغّل المأمول من ناحيتها على أمل تشجيع تركيا على المصادقة على دخول السّويد وفنلندا الحلف قبل قمّة الكتلة، في أواخر حزيران (يونيو)، وربما ترسل تركيا بهذا، أيضاً، رسالة إلى "الاتّحاد الأوروبيّ" بمهارة: إمّا أن ترسلوا إلينا المزيد من الأموال لتمويل استضافتنا لـ 4 ملايين لاجئ، أو دعونا نخلق هذه المنطقة الآمنة.

قد يسأل "الاتّحاد الأوروبيّ" في ردّه "أين؟"، حيث كشف الزّعيم التّركيّ عن القليل من التّفاصيل. عام 2018، تحدّث أردوغان عن السّيطرة على تلّ رفعت، وهي منطقة يسيطر عليها الأكراد، شمال غرب سوريا.

ربما وافقت موسكو بهدوءٍ على التّوغل التّركي المخطّط له، وذلك بمثابة شكر لأردوغان على تعطيله دخول السويد وفنلندا "حلف شمال الأطلسيّ"

مؤخّراً، أفادت وسائل إعلام تركيّة موالية للحكومة، بأنّ ربع مليون نازح من سكّان تلك المنطقة يأملون في العودة قريباً إلى ديارهم.

لكن أنقرة قد تفضّل مسار مقاومة منخفضة، سواء فقدت روسيا 30 ألف جنديّ منذ غزوها، الذي بدأ في أواخر شباط (فبراير)، أم لا، كما تؤكّد أوكرانيا، يبدو أنّ الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، قد اتّخذ نهجاً يحشد كلّ القوّات للنّزاع، الذي اشتدّ في شرق أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة.

من أجل إعادة تعبئة القوّات هناك، سحبت موسكو أعداداً كبيرة من قوّاتها من شمال سوريا، بما في ذلك من مواقع رئيسة، إلى جانب "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" في منبج وكوباني، مُهّد الطّريق بشكل أساسيّ للجيش التّركيّ في المناطق المتاخمة للأراضي التي استولى عليها من "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" قبل ثلاثة أعوام. وعلى عكس المرّة السّابقة، عندما كان للحماسة القوميّة استخدام سياسيّ ضئيل في الدّاخل؛ فإنّ تركيا الآن على بُعد عام واحد فقط من انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة.

كان إخراج "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" من ممرّ منبج- كوباني جزءًا من اتّفاقيّة سوتشي

تميل الهجمات المناهضة لـ "حزب العمّال الكردستانيّ" إلى منح "حزب العدالة والتّنمية" الحاكم دفعة سياسيّة، كما حدث عام 2015، عندما شكّلت طفرة وحشيّة في الجنوب الشرقيّ نتيجة الانتخابات. من المرجّح أن تدغدغ استعادة كوباني، رمز الفخر الكرديّ منذ عام 2015، بشكل خاصّ مشاعر النّاخبين، وكذلك تأمين منطقة آمنة يمكن أن تستوعب ما يصل إلى مليوني لاجئ عائد.

علاوة على ذلك، كان إخراج "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" من ممرّ منبج- كوباني جزءًا من اتّفاقيّة سوتشي، ولذلك ربما وافقت موسكو بهدوءٍ على التّوغل التّركي المخطّط له، وذلك بمثابة شكر لأردوغان على تعطيله دخول السويد وفنلندا "حلف شمال الأطلسيّ".

ومع ذلك، ربما تتّجه تركيا إلى بحار سياسيّة متقلّبة، يقاوم العراق أنقرة بقوّة أكبر هذه المرّة، حيث قال مسؤولون إنّ تركيا انتهكت سيادة بلدهم، ومن خلال الاقتراب التدريجيّ الخطير من احتلال أجزاء من كردستان العراق، ربما تحثّ تركيا بغداد على أخذ موقف حازم.

والأهم من ذلك، ألمحت دول عربيّة في الأشهر الأخيرة إلى التّرحيب بعودة الرّئيس السوريّ، بشار الأسد، الذي كان مهمّشاً إلى حدّ كبير خلال العقد الماضي، إلى الحظيرة الدّبلوماسيّة. إذا أصبحت دمشق، مرّة أخرى، صوتاً عربيّاً ذا سيادة ومقبول، فقد نتوقّع بعض الدّفع الإقليميّ المضادّ لغزو تركيا لجارتها الجنوبيّة عن عمد للاستيلاء على جزء من أراضيها.

أخيراً، ليس لدى الغرب سوى الصّبر الكثير. ففي صحيفة "وول ستريت جورنال"، حاجج عضوان سابقان في مجلس الشّيوخ الأمريكيّ بضرورة تعديل اللوائح الدّاخلية لـ "حلف شمال الأطلسيّ" للسّماح بطرد تركيا، مستشهدين بموقف أنقرة من الأكراد كسبب رئيس.

ولّدت تركيا قدراً كبيراً من حسن النّيّة الدّوليّ هذا العام، من خلال التّقارب متعدّد الجوانب، والدّعم العسكريّ الكبير لأوكرانيا، واستمرارها في استضافة ملايين اللاجئين، على الرّغم من تزايد كراهية الأجانب بين المواطنين الأتراك، تماماً كما غمر أوروبا وصول 6 ملايين أوكرانيّ.

لكنّ هجوماً آخر على سوريا، لا سيما هجوم له عواقب وخيمة على الأكراد السّوريّين، يهدّد حسابات تركيا مع القوى الغربيّة، في الوقت الذي يمكن أن تستخدم فيه أنقرة بعض الأصدقاء حقّاً.

المصدر:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 31 أيار (مايو) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/05/31/can-turkey-still-make-military-gains-without-alienating-its-new-friends/

مواضيع ذات صلة:

-"مستوطنات" أردوغان في عفرين السورية... تجمعات للنازحين أم تغيير ديموغرافي؟

لماذا يشعل أردوغان حرباً في شمال سوريا؟

تعزيزات تركية إلى شمال سوريا... هل بدأت العملية العسكرية؟

الصفحة الرئيسية