على الرغم من أنّ المشهد الليبي شهد حراكاً لافتاً خلال الأسابيع الماضية، انطلاقاً من محاولات تركية جديدة لعرقلة الحوار الليبي ـ الليبي، واستفزازات مضادة بين الجانبين المتصارعين ممثلين في حكومة الوفاق الليبي من جهة، والجيش الوطني من جهة أخرى، فإنّ الموقف بحسب مراقبين لن يشهد قفزات كبيرة، حتى وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل.
اقرأ أيضاً: نُذر الخطر في ليبيا
وفسّر البعض محاولات تركيا تحريك المشهد في ليبيا نحو الاضطراب، بعد انخراط طرفيه على مدار شهور في حوارات مثمرة، على أنه محاولة من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز أوراقه في مواجهة الرئيس الأمريكي بايدن، الذي لا تجمعه علاقة الصداقة نفسها التي جمعت أردوغان بترامب، وكانت سبباً في توفير مساحات أكبر للدور التركي في الشرق الأوسط.
وكان الحوار الليبي ـ الليبي منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، على أكثر من محور وداخل أكثر من عاصمة، قد دفع بأنقرة إلى الظل، ولم تسجل أي حضور لافت في محاولات الحل، وكانت تتم الإشارة دائماً إلى دورها على أنه محرّك للفوضى وسبب في الأزمة، لذا فإنّ بروز الدور التركي من جديد يستلزم العودة إلى الاضطراب والصراع.
دفع الحوار الليبي ـ الليبي منذ أيلول الماضي على أكثر من محور وداخل أكثر من عاصمة، بأنقرة إلى الظل، ولم تسجل أي حضور لافت في محاولات الحل
لكنّ صناعة مشهد الفوضى في ليبيا لم يعد بالسهولة نفسها، بعدما تدخلت أطراف عدة في المشهد، في مقدمتها مصر وفرنسا، اللتان ستتصديان لأيّ محاولة تركية لتجديد القتال، من أجل إضافة أوراق جديدة في مواجهة بايدن، بحسب مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية، محمد حامد، الذي استبعد في تصريح لـ"حفريات" إقدام تركيا على مغامرة كهذه، ويقصد استئناف القتال في ليبيا، في وجود أطراف كمصر ستتصدى لها.
أمريكا في ليبيا
وكان السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند قد أكد في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، حرص واشنطن على إنجاح مسار الحوار السياسي وتثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، بحسب بيان نشره المجلس الأعلى للدولة عبر صفحته على فيسبوك أمس.
السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أكد في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، حرص واشنطن على إنجاح مسار الحوار السياسي وتثبيت وقف إطلاق النار
وأضاف البيان: إنّ المشري ونورلاند ناقشا "التطورات الخاصة بالحوار السياسي، وعدداً من الملفات ذات الاهتمام المشترك".
الاتصال الأخير يعكس دفع الولايات المتحدة إلى الحلّ السياسي في ليبيا، بعدما فاقم من الصراع النهج الذي اتخذه الرئيس ترامب في وقت من الأوقات، بدعم التوجه التركي وحكومة الوفاق، في محاولة لتقويض النفوذ الروسي الداعم للجيش الوطني، وكاد يصل الصراع إلى حرب إقليمية، فضلاً عن تحوّل ليبيا إلى بؤرة جديدة للخطر على أمن أوروبا ومصنع للإرهاب، بعدما اكتظت بالميليشيات.
وقال مدير منتدى شرق المتوسط لـ"حفريات": إنّ الموقف الأمريكي مرّ بتغيرات كثيرة نحو ليبيا، فقد تجاهلت إدارة ترامب الأزمة الليبية، واتخذت إدارة أوباما قراراً وحيداً بدفع نحو إسقاط نظام القذافي خلال الـ8 أعوام من حكمه، لكنّ بايدن سيحاول أن يصلح ما انتهجه سابقاه.
وأضاف: إنّ بايدن سيدعم بناء حكومة جديدة ودستور وبرلمان جديدين، ويقلص النفوذ الخارجي فيها، كما سيدعم حلّ الميليشيات التي تقوّض الاستقرار الداخلي في ليبيا، لأنّ قوات الأفروكوم (القوات الأمريكية في أفريقيا) قالت صراحة: إنّ على حكومة الوفاق حلّ الميليشيات.
الرئيس التركي قد يباغت باستخدام الورقة الليبية لاكتشاف مدى قدرة بايدن على إدارة المشهد الدولي بوجه عام
وتابع: لا أعتقد أنّ حكومة بايدن ستدعم تصرفات تركيا في ليبيا، لأنّ تقليم نفوذ تركيا في الإقليم يبدأ من ليبيا، لأنه نفوذ مستجد وتوجد قدرة على إنهائه سريعاً.
ولفت حامد إلى أنّ الرئيس التركي يفتقد الاستراتيجية للتعامل مع بايدن، الذي توعد بإسقاط حكمه قبل عامين، فقد كان يتوقع فوز ترامب، لذا فإنه قد يباغت باستخدام الورقة الليبية لاكتشاف مدى قدرة بايدن على إدارة المشهد الدولي بوجه عام، وقد تكون ورقة ضغط في مواجهة الولايات المتحدة، فهو احتمال قادم، لكن لا أتوقع أن يقدم على مغامرة كتلك، فهو يعلم أنّ القاهرة وروسيا في الصورة، ولن يستمر في استثمار بعثرة الأوراق التي أكسبته عداء الجميع خلال الأعوام الماضية، لذا أستبعد أن يدخل في مواجهة مباشرة مع إدارة بايدن، والأقرب أنه سيصبح ردّ فعل وليس فعلاً.
وقدّم وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، في مقال بجريدة الشروق المصرية، تصوراً لما ستنتهجه إدارة بايدن نحو التورط في الأزمات الإقليمية، تحت عنوان "مرحلة فك الاشتباك الأمريكي إقليمياً".
وقال فهمي: إنّ هناك توجهاً أمريكياً عاماً يتجاوز المواقف الحزبية، ويدعو إلى تجنب الدخول فى النزاعات الإقليمية أو القضايا التى لا تشكّل خطراً على الولايات المتحدة ولا تحقق مصلحة أمريكية مباشرة على المدى القصير، والفارق الوحيد هو أنّ الحزب الجمهوري يضع هذا تحت عنوان أمريكا أوّلاً، بينما الحزب الديمقراطي يضع توجهه الانعزالي والانكماش تحت عنوان يبدو بنّاء أو أكثر جاذبية، ألا وهو العودة إلى المنظمات الدولية.
لذا أتوقع أن نشهد من بايدن في أوّل الأمر مرحلة فك أو عدم اشتباك أمريكي في سياستها وعملياتها فى الساحات الإقليمية، دون أن نشهد انسحاباً أمريكيّاً من مختلف الساحات الدولية، باعتبارها دولة كبرى لا تستطيع فعلياً الانسحاب من ساحات كثيرة أو الغياب طويلاً، وسيشجع ذلك على انتشار النفوذ الصيني والروسي في ساحات كانت تقليدياً مناطق نفوذ أمريكية، قبل تكثيف المنافسة بين الدول الكبرى مرّة أخرى، وقد ينضمّ إلى هذا التنافس بعض الدول الأخرى، وهذا موضوع آخر للحديث.