
ترجمة: محمد الدخاخني
لقد شاعَت مصيبة الإرهاب بشكل متزايد في العالم الحديث منذ أكثر من (50) عاماً. ومع ذلك، في الأسبوع الماضي، كان هناك نقاش جديد محتدم على رأس الأجندة السياسية في المملكة المتحدة حول كيفية تعريف الإرهاب. والسؤال الأساسي الذي يواجه أولئك المنخرطين الآن في هذا الجدال هو كيفية معالجة التهديدات التي تواجه الناس.
وقد كان الأمر الذي أثار مناقشة إصلاحات أكثر جوهرية لسياسة الإرهاب ومكافحة التطرف هو الحكم الأخير على مراهق من أصل رواندي، يُدعى أكسل روداكوبانا، قتلَ (3) فتيات صغيرات، في ساوثبورت الصيف الماضي، بالسجن لـ (52) عاماً على الأقل بتهم شملت جرائم القتل الـ (3)، فضلاً عن هجمات على (8) أطفال آخرين وبالِغَين.
كان لروداكوبانا صلة عائلية مباشرة بالإبادة الجماعية في رواندا في التسعينيات من القرن الماضي، ويُظهِر تاريخه على الإنترنت هوساً عميقاً بالقتل الجماعي. وقد وُصِفَت الحالة بأكملها بأنّها شر محض. لكنّ المدعين قالوا إنّه لا يمكن ربط روداكوبانا بأيّ قضية إرهابية محددة تسعى إلى استخدام القوة للتأثير على الحكومة. ومن جانبه، رفض القاضي هذا الادعاء ليقول إنّ الدافع وراء الفظائع ليس هو الهدف، بل إنّ ما يهم هو "الصدمة والاشمئزاز" اللذان نجما عن الجرائم.
عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، فهناك الأساس الدولي للجريمة، والذي يكمن إلى حد كبير في قرارات الأمم المتحدة، فضلاً عن التسميات الوطنية الخاصة التي تختلف من دولة إلى أخرى. بالنسبة إلى البعض، فإنّ الأمر يتعلق بمقولة: "الإرهابي في نظر شخص ما هو مقاتل من أجل الحرية في نظر شخص آخر"، بينما يرسم آخرون تمييزات دقيقة وجزئية تماماً بين الإرهابيين والمناضلين.
وفي هذه التباينات هناك حالة نزاع، والتفسيرات المختلفة تُعَدّ مصادر للانقسامات في حد ذاتها. والآن يجب أن نضع في الاعتبار تأثير العنف الشديد أيضاً. والواضح من أحدث القضايا التي أثيرت في لندن هو أنّ هناك الكثير ممّا هو على المحك فيما يخص كيفية تأثير هذه الحجج على الواقع.
يوم الإثنين نشرت مؤسسة (بوليسي إكستشينج) البحثية نسخةً مسربةً من المداولات الخاصة لموظفي وزيرة الداخلية إيفيت كوبر. وقد ذكرت النسخة أنّ مراجعات مكافحة التطرف للأفراد الذين تم تسجيلهم على أنّهم مثيرون للقلق لم يعد من الممكن أن تستند إلى "إيديولوجيات مثيرة للقلق"، بل عليها أن تغطي بدلاً من ذلك مجموعةً من الأنماط السلوكية. ويبدو أنّ بعض المناقشات الإضافية حول كيفية عمل هذا الأمر تشبه عرضاً لبعض أبشع جوانب وسائل التواصل الاجتماعي، التي تغطي الكراهية المتطرفة بحق النساء، ونشطاء حقوق الرجال، والفوضويين البيئيين، والمظالم الفردية الضيقة.
وتُحذِّر مراجعة عام 2024 للتهديد الإرهابي في المملكة المتحدة، التي قامت بها هيئة إعادة التأمين ضد الإرهاب المدعومة من الحكومة البريطانية والتي تُدعى (بوول ري)، من أنّ الإرهاب العالمي يظل الخطر الأعظم الذي يمكن تحديده والذي يشكله المتطرفون على البلاد.
ويقول المستند الذي نُشر مؤخراً: "من المرجح للغاية أن يكون التهديد السائد الذي تُشكِّله حالياً الجهات الإرهابية العالمية نابعاً من قدرتها على ردكلة الأفراد سريعي التَّأثُّر في المملكة المتحدة عبر الإنترنت وإلهام هؤلاء الأفراد لاحقاً لشن هجمات منخفضة التعقيد في المملكة المتحدة". ويضيف: "من المرجح للغاية أن توفر وسائل الإعلام العلنية والسرية الموجودة عبر الإنترنت شبكة عالمية يمكن من خلالها تحويل الأفراد في المملكة المتحدة إلى متطرفين وإلهامهم لتنفيذ هجمات. ومن المرجح للغاية أن ينطبق هذا على جميع إيديولوجيات الإرهاب في المملكة المتحدة، ولكن بشكل خاص إيديولوجيات الإرهاب اليمينية المتطرفة والإسلاموية".
ويعترف توم كليمنتي، رئيس (بوول ري)، بالحاجة إلى النظر في هذا التعريف لأنّ الإرهاب لا يقف ساكناً، وفي الأعوام الأخيرة شهدنا اتجاهاً نحو أعمال إرهابية أصبحت غير معقدة بشكل متزايد ومنفصلة عن وجهة النظر القائلة إنّ هذه الأعمال تنفذها "مجموعات منظمة للغاية ذات نية سياسية أو إيديولوجية واضحة". ويقول أيضاً إنّه في بيئة التهديد الحالية هناك خطر متزايد لتورط الدول في الهجمات الإرهابية. وعندما تنظم الدول الفظائع أو تمولها، يكون لديها القدرة على التسبب في أضرار أكبر بكثير، ولكنّ هذه الأحداث ـ ما لم يكن تورط الدولة ضئيلاً نسبياً ـ يجب النظر إليها على أنّها أعمال حرب وليست إرهاباً.
لا يعني هذا أنّه يجب التقليل من شأن الكراهية المتطرفة بحق النساء، ونشطاء حقوق الرجال، والفوضويين البيئيين، والمظالم الفردية الضيقة، ولكن أنّ السؤال حول ما إذا كان يجب تمديد تعريف الإرهاب إلى أوسع نقاطه أصبح مفتوحاً.
وعند نشرها المداولات الداخلية للحكومة حذَّرت (بوليسي إكستشينج) من أنّ الحكومة الجديدة تتبنّى مقاربة مختلفة جذرياً عن مقاربة المراجعة الأخيرة التي أجريت بشأن "امنع"، برنامج مكافحة التطرف الرائد في البلاد.
لقد أُحيل اسم روداكوبانا إلى برنامج "امنع" (3) مرات، لكنّه أفلت من بين الشقوق. وقد أخبرت كوبر أعضاء البرلمان بالفعل بأنّها تتطلع إلى ما هو أبعد من هذه المراجعة التي أجراها ويليام شوكروس، بعد تبنّي جميع توصياته التي تجاوزت الـ (30) توصية، باستثناء واحدة.
وقالت للمتحدث باسم حكومة الظل لدى حزب المحافظين الأسبوع الماضي: "سأشير بلطف إلى أنّ المقاربة التي اتبعتها مراجعة شوكروس أفادت بأنّ برنامج "امنع" يجب أن يكون ضيقاً، ويجب أن يركز بشكل خاص على القضايا المتعلقة بالإرهاب". وأضافت: "كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تضمين عدد أقلّ من الحالات الشبيهة بهذه الحالة، حيث تكون الإيديولوجيا أقلّ وضوحاً".
إنّ دعوة شوكروس إلى تركيز "امنع" على منع الناس من التحول إلى إرهابيين أو دعم الإرهاب "مرفوضة ضمناً" في أوراق إحاطة كوبر. ونقلت (بوليسي إكستشينج) عن الشرطي السابق نيل باسو، الذي ترأس عمليات مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة، دعوته إلى نسخة "غير متمحورة على المتطرفين" من برنامج "امنع" تعالج هذه المشاكل خارج القضايا الإيديولوجية الأساسية أو الرائدة.
أيضاً، هناك مخاوف بشأن الموارد لدى العديد من المسؤولين البريطانيين الموجودين على خط المواجهة في مواجهة التهديد الإرهابي. فقد قال جوناثان هول، وهو مراجع لتشريعات الإرهاب والرجل الذي يقود تحقيق كوبر: إنّه يعتقد أنّ تتبُّع كل هجوم يُرهِب الناس يُعَدّ نهجاً خاطئاً. وفي حين أنّ التباين في تأثيرات الهجمات المختلفة قد يكون ضئيلاً للغاية، فإنّ تحويل الموارد في الاتجاه المعاكس قد يؤدي إلى زيادة المخاطر في بعض السياقات. كما أعرب عن قلقه من أنّ وكالات القانون والنظام المتخصصة وأجهزة الأمن قد تطغى عليها التغييرات، خاصة في وقت تنمو فيه تهديدات من دول مثل إيران بسرعة.
يحتاج الإرهاب إلى تعريف واضح، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي نرى أنّ المظالم المميتة التي يمكن أن تتحول إلى فظائع تشكل خطراً رهيباً على المجتمع. والخطر هنا هو أنّ التركيز على معالجة انتشار الدوافع الإيديولوجية سوف يصبح الآن في مرتبة ثانوية.
المصدر:
داميان ماك إلروي، "ذي ناشيونال نيوز"، 28 كانون الثاني (يناير) 2025