هل ترضخ إسرائيل لشروط حماس؟

هل ترضخ إسرائيل لشروط حماس؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
22/05/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تسعى حماس إلى الصمود في المعركة الحالية، وسيخرج هذا التنظيم، على أيّة حال، من المعركة بصورة المنتصر، فعدم انهيار حماس وجرّ جبهات أخرى للتصعيد، سواء من الضفة والمجتمع العربي في إسرائيل، يعدّ بمثابة إنجاز مهمّ سيصعب على إسرائيل أن توازنه، فإسرائيل الآن تجد نفسها متورطة ويصعب عليها وقف العملية العسكرية في ظلّ غياب أيّة صورة للنصر.

تكمن المشكلة الكبيرة التي تواجه إسرائيل في كيفية إيقاف ضرب القاذفات الصاروخية من غزة، فمعظم أنشطة إطلاق الصواريخ تتم تحت الأرض

 لم تكن حماس ترغب في هذا التصعيد، كان يمكن إنهاء القصة بعد النار التي ألقيت على القدس، بل إنّها استخدمت سلسلة من الوسطاء والمبعوثين ممن حاولوا أيضاً العمل على إمكانية وقف النار، لكن تمّ الردّ عليهم بالرفض التام من قبل إسرائيل التي أصرّت على أنّها ستردّ، وهكذا فعلت، وحماس كانت مستعدة لأن تحتمل إصابات بالأرواح وبالبنى التحتية، لكنّها وضعت كخطّ أحمر إسقاط المباني في القطاع، لأنّها أدركت أنّ الأمر تجاوز الإصابة الجسدية، ومع مرور الأيام على العملية العسكرية في غزة دون القدرة على وقف إطلاق الصواريخ، يضع تساؤلات جادة عن مدى وجود خطة إستراتيجية للحرب، مع أنّه من دون دخول برّي حقيقيّ في قلب غزة ستكون النتيجة محدودة، ومن الناحية العملية تخوض إسرائيل الآن معركة على أربع ساحات؛ أولها في غزة، حيث يهاجم الجيش حماس وفق خطة مرتبة مسبقاً، وثانيها: في الداخل، حيث تسعى الشرطة لإطفاء النيران، وثالثها: في الضفة الغربية، حيث يوقف الجيش وجهاز الأمن العام الاحتجاجات، لكن يجب أن نتوقع تجدد المظاهرات الجماعية في وقت لاحق، والرابعة: هي في الساحة الشمالية.

حزب الله ليس متحمساً

وحزب الله ليس متحمساً للانضمام إلى هذه الحرب، لكنّ الجبهة الرئيسة تكمن في غزة حيث تواجه إسرائيل مشكلة استمرار إطلاق الصواريخ، المستمرة منذ عدة أيام، وحتى الآن لا توجد أية علامة واضحة على تراجع أو انخفاض في الكميات، ما يعني أنّ حماس نجحت في جني إنجاز من الجيش الإسرائيلي، حيث أطلق وابلاً كثيفاً من عشرات الصواريخ على وسط إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب والمنطقة المحيطة، والجيش يواجه صعوبة في التعامل مع الصواريخ التي أطلقتها حماس بسبب تشتتها في الأرض وصعوبة اكتشافها، وحتى عندما يكون موقعها معروفاً إلى حدّ ما؛ فهي محصنة نسبياً من التلف، ويمكن القول إنّ القاذفات بحوزة حماس لديها فرصة جيدة للبقاء على قيد الحياة فترة طويلة.

لم تكن حماس ترغب في هذا التصعيد

تحاول إسرائيل في هذه المرحلة إنهاء المعركة دون أن تضع حماس شروطاً، ورغم ذلك يعرف بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، وبيني غانتس وزير الدفاع، وأفيف كوخافي قائد الجيش، أنّ صورة النصر لن تكون بخروج يحيى السنوار ومحمد الضيف، قادة حماس، بالراية البيضاء من تحت الأرض، إنّ ما جرى في أول أيام التصعيد؛ عندما وجهت حماس ضربة صواريخ غير مسبوقة على غوش دان، وقيام الجيش بهجوم جوي واسع في قطاع غزة، قرب ذلك إسرائيل وحماس من الوصول إلى حرب جديدة، سكان وسط إسرائيل لم يخوضوا هذه التجربة التي يعرفها سكان الجنوب والشمال، نحو ساعة مستمرة من صافرات الإنذار وسقوط الصواريخ واعتراضات كثيرة، يتوقع أن يكون الضغط على الحكومة كبيراً للرد وبقوة، تطلب حماس منذ أيام، من خلال المصريين، وقف النار من دون شروط.

اقرأ أيضاً: فيسبوك تواكب العدوان الإسرائيلي على غزة بهذا القرار الجديد

والآن تجلس القيادة العسكرية وتفحص حجم الضرر الذي لحق بحماس والجهاد الإسلامي: فهل يعدّ تدمير البنى التحتية وفقدان القادة أمراً صادماً بما يكفي لمنعهم من إطلاق النار على مدن إسرائيل في المستقبل؟ جواب الخبراء في الجيش صحيح، حتى الآن، نحن قريبون من إنهاء الخطة، لكننا سنحتاج إلى بضعة أيام كي نعمق الرسالة، أما حماس من جهتها فيمكنها أن تعرض إنجازها الأساسي، فقد نجحت في إطلاق كتلة من الصواريخ نحو إسرائيل رغم الجهد الإسرائيلي، وأن تسوّق لنفسها على أنّها حامية الأقصى وحامية المصلحة الفلسطينية، وما شابه، فضلاً عن ذلك ليس لها أيّ إنجاز هجومي، لا في الطائرات المسيرة ولا في التسلل إلى إسرائيل، براً أو بحراً، وما تزال تحاول، لا سيما الآن، تنفيذ تسلل عبر الأنفاق إلى داخل أراضي إسرائيل في محاولة لتحقيق صورة النصر، وقد سبق لها أن قامت بمحاولتين كهذه في أثناء القتال، وكانت النية التسلل إلى أراضي إسرائيل بتجاوز العائق تحت الأرض.

شرائح جغرافية

إنّ الخطة العسكرية المتبعة على مدى سنوات في قيادة المنطقة الجنوبية، تتكون من شرائح، بعضها شرائح جغرافية، وبعضها شرائح تدور حول مواضيع معينة، مثل الشريحة المتعلقة بتدمير منظومة مضادات الدروع، والشريحة الجغرافية التي تتمثل بالمدينة التي أقيمت تحت الأرض، وفهمت حماس أنّ للجيش الإسرائيلي قدرات لضرب الأنفاق من الجوّ، فقد انخفضت القيمة العملياتية لهذا السلاح الإستراتيجي الذي بنته حماس باستثمارات طائلة على مدى السنين، واتخذ رجال حماس الحذر من الدخول إلى هذه الأنفاق، لقد كانت هناك معضلة في الجيش؛ هل يحرقون الخطة ويهاجمون رغم أنّ عنصر قتل مئات من رجال حماس دفعة واحدة شطب عن جدول الأعمال، وفي النهاية تقرر مهاجمة هذه البنية التحتية التي تشكل معبراً للصواريخ من تحت الأرض نحو نقاط الإطلاق.

يبدو أنّ إسرائيل لم تستكمل بعد حصة الهدم والقتل المطلوبة، بحسب رأيها، لتعريف الانتصار، هذا هو سبب رفض إسرائيل عروض الوساطة

 الإسرائيليون ينتظرون قرار الكابينت الذي سيحدد الموعد المناسب لوقف النار، أما انهيار شبكات الكهرباء والمياه في القطاع فسيبعث السكان في غزة نحو الجدار الإسرائيلي وهذا أيضاً اعتبار آخر، الإنجاز العسكري يساعد القيادة السياسية على تقرير وقف النار دون التعهّد بأيّ شروط مسبقة لحماس، وتريد إسرائيل وقف النار مع شيك مفتوح، إذا استمرّ تعاظم قوة حماس واستمرت النار نحو الغلاف والمدن الإسرائيلية، فستعمل قوات الأمن والجيش بكل القوة، وبالتوازي ستطالب بالتزام دولي بإعادة الأسرى والمفقودين؛ فهل ستكون حكومة إسرائيل قادرة على الالتزام بشرط الإنهاء الذي قررته هي نفسها؟

اقرأ أيضاً: ما الحقائق التي يكشف عنها العدوان الإسرائيلي على غزة؟

تكمن المشكلة الكبيرة التي تواجه إسرائيل في كيفية إيقاف ضرب القاذفات الصاروخية من غزة، فمعظم أنشطة إطلاق الصواريخ تتم تحت الأرض، والقاذفة ترتفع بشكل هيدروليكي أو يدوي لفترة قصيرة، وفي هذه الحالة يكون ضرورياً الإطلاق ثم النزول مرة أخرى إلى مخبأ آمن نسبياً تحت الأرض، إضافة للعديد من قذائف الهاون التي تنتج النيران الرئيسة في مستوطنات غلاف غزة قرب السياج، وقادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل وحتى مناطق العمق. الواضح أنّ إسرائيل انجرّت إلى مواجهة حادة، وبحسب أسلوبها، فإنّها لا يمكن أن توقفها قبل أن تتعرض حماس لضربات شديدة، رغم أنّ الحركة حصلت على فرصة غير عادية بربط الأقصى بالمقاومة في غزة والدفاع عن القدس، وإيجاد قضية مشتركة لسكان المجتمع العربي، كي يتم التعاطف معها للاستفادة من ملف القدس، كم هو عدد البيوت التي يجب هدمها؟ وكم هو عدد قادة حماس الكبار الذين تجب تصفيتهم حتى تستطيع إسرائيل عرض صورة انتصار؟ هذه المعطيات ترتبط بتقدير إسرائيل بصورة مطلقة.

 حصة الهدم والقتل

يبدو أنّ إسرائيل لم تستكمل بعد حصة الهدم والقتل المطلوبة، بحسب رأيها، لتعريف الانتصار، هذا هو سبب رفض إسرائيل عروض الوساطة التي تأتي من مصر وقطر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وما تزال تستطيع الاعتماد على الدعم العام الذي تحصل عليه من البيت الأبيض الذي يؤيد حقها في الدفاع عن نفسها، ويعتبر ردها على إطلاق الصواريخ ردّاً محسوباً، في حين لا تختلف الخطوط العريضة للمفاوضات بصورة جوهرية عن الخطوط العريضة التي ميزت الاتصالات التي رافقت عمليات الجيش الإسرائيلي السابقة في قطاع غزة؛ فهي تشمل المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها بعد المواجهات على السياج الأمني، عام 2018، لكنّ مصر قررت هذه المرة عدم إغلاق معبر رفح، ويبدو أنّها ستبقيه مفتوحاً، وستسمح إسرائيل بتحويل الأموال الشهرية من قطر إلى حماس.

هناك صعوبة كبيرة فى الضمانات التي ستطلبها إسرائيل من حماس، وهي فترة تهدئة طويلة، استندت جميع التفاهمات السابقة إلى ضمانات وتعهدات مصرية مع تعاون قطر كدولة تمول الإدارة المدنية الجارية في القطاع، وهذه الضمانات لم تصمد، ووضعت مصر في موقف ضعيف لا يمكنها فيه إقناع إسرائيل بضبط نشاطها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع انتقاد حماس، خشية أن تظهر كمن لا يؤيد النضال الفلسطيني، في الوقت ذاته ليس لإسرائيل شريك أفضل وأنجع من مصر، أيّة مفاوضات لإنهاء الحرب ستقتضي من إسرائيل تليين مواقفها تجاه القاهرة، كي تستطيع الأخيرة التوصل إلى إنهاء المواجهة حتى لو كانت الضمانات التي ستحصل عليها غير محفورة في الصخور، هذه المرونة حيوية؛ لأنّ كلّ اتفاق سيتم التوصل إليه، سيستند إلى تفاهم بأنّ إسرائيل لا تستطيع ولا تريد تقويض حماس، كجسم يواصل إدارة الحياة في القطاع.

كان أمراً مفاجئاً لإسرائيل

لقد كان إطلاق النار نحو القدس، وبعد ذلك نحو تل أبيب، أمراً مفاجئاً لإسرائيل، جاء الردّ متوافقاً وقد يتولد انطباع بجباية ثمن الإهانة، حتى قبل بضع ساعات من الإطلاق، اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية بأنّ حماس غير معنية بتوريط غزة في تصعيد، ولم تتوقع إطلاقات نحو مركز البلاد وقللت من قدرات التنظيم العسكرية، كانت الخطة الأصلية للجيش الإسرائيلي هي الامتناع عن القيام بعملية برية في القطاع، التي يمكن أن يكلّفها الكثير من الإصابات في الأيام القريبة القادمة، ربما يكون هناك تجنيد أوسع للاحتياط ونشر المزيد من الطواقم الحربية اللوائية التي تعتمد على وحدات نظامية على حدود القطاع، والقرار النهائي بشأن عملية برية لم يتخذ بعد، يبدو أنّ الأمر ما يزال متعلقاً بقوة القتال وعدد المصابين في الأيام القريبة القادمة، قال مصدر كبير في الجيش إنّ هدف إسرائيل هو جعل حماس تندم، لأنّها بدأت المعركة، وأن تمتنع عن ذلك مرة أخرى لفترة طويلة، بالضبط مثلما حصل لحزب الله بعد حرب لبنان الثانية، لكنّ هذا سيتطلب جهداً هجومياً ودفاعياً كبيراً وأيام قتالية مكثفة.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/general/article/1027902/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية