هل تخرج تصريحات مسؤولي إثيوبيا الاستفزازية ملف سد النهضة عن المسار الدبلوماسي؟

هل تخرج تصريحات مسؤولي إثيوبيا الاستفزازية ملف سد النهضة عن المسار الدبلوماسي؟


29/05/2022

احتمالات كارثية قد تواجه دولتي مصب نهر النيل في حال انهيار سد النهضة الإثيوبي وفي حال تشغيله على حدٍّ سواء، إنّهما نقيضان بين الغرق وشح المياه أو الجفاف، كلها مخاوف مبنية على أساس دراسات حقيقية أجرتها مكاتب استشارية، وتصرّ إثيوبيا على إدارة ظهرها لها والتصرف بأنانية، شرعنها التجاهل الدولي المتعمد في حصص مصر والسودان من نهر النيل، فقد أعلنها مسؤول إثيوبي كبير صراحةً، أول من أمس، بأنّ موقف دولتي المصب من السد "لا يعني" إثيوبيا، مع إقرار "نادر" باحتمالات تضرر مصر والسودان بعملية الملء.

 وفي حوار مع قناة "العربية"، صرّح كيفلي هورا مدير السد أنّ "تصريحات مصر والسودان بشأن خطورة وتأثيرات السد لا تعني إثيوبيا"، وأنّ عملية بناء سد النهضة "لن تتوقف لأيّ سبب كان"، في دليل جديد على التعنّت الإثيوبي.

تصريحات هورا ليست الأولى من نوعها، فلدى إثيوبيا تاريخ طويل من التصريحات الاستفزازية والمواقف المتعنّتة، ففي نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تحدّى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مصر والسودان بالقول: إنّه لا توجد قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة، في محاولة لجرّ دولتي المصب لمواجهة مسلحة أو حرب على المياه، التصريحات التي ردت عليها وزارة الخارجية المصرية بالإعراب عن صدمتها قائلة: إنّ "التصريحات -إذا ما صحّت- تضمنت إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة بكيفية التعامل مع ملف سد النهضة، وهو الأمر الذي تستغربه مصر باعتبار أنّه لم يكن من الملائم الخوض في طروحات تنطوي على تناول خيارات عسكرية".

انهيار محتمل

في 18 نيسان (أبريل) الماضي، أعلن نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أنّ هناك عيوباً جسيمة وتصدعات في جسم سد النهضة الإثيوبي، التصريحات التي أكدتها صور التقطتها الأقمار الصناعية لتوقف تدفق مياه نهر النيل من أعلى الممر الأوسط للسد، في منتصف آذار (مارس) الماضي.

وأوضح الخبير المصري أنّ فشل إثيوبيا العام الماضي في الملء الثاني، والاكتفاء بتخزين (4) مليارات فقط بدلاً من (13,5) مليار، يؤكد وجود عيوب جسيمة وتصدعات في جسم السد جعلت سد النهضة لا يحتمل تخزين أكثر من (4) مليارات، غير أنّ هورا أكد  قائلاً: إنّ "السد منيع، وأيّ حديث عن مخاطره واحتمال انهياره غير صحيح".

 

صرّح كيفلي هورا مدير السد أنّ تصريحات مصر والسودان بشأن خطورة وتأثيرات السد لا تعني إثيوبيا

 

وفي 13 شباط (فبراير) الماضي، فتحت إثيوبيا بوابتي التصريف لبدء التخزين الثالث، بعد أن عجزت التوربينات عن تجفيف الممر الأوسط، الخطوة التي انتقدتها مصر والسودان بحدة، وقالتا إنّها "خطوة أحادية" تمثل انتهاكاً جديداً لإعلان المبادئ الذي وقعته الدول الـ3 في آذار (مارس) 2015.

 الممر الأوسط

قد تتجه إثيوبيا إلى "تعلية" الممر الأوسط للسد قريباً، على حدّ قول عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا في جامعة القاهرة، الذي توقع في منتصف آذار (مارس) الماضي أن يقوم الجانب الإثيوبي بتعلية الممر الأوسط بـ"أقلّ من (5) أمتار هذا العام"، وذلك لتخزين حوالي (2) مليار متر مكعب، غير أنّه قال: "في حالة التعلية أكثر من ذلك لا بدّ من تعلية الجانبين أيضاً بالقدر نفسه، وهو ما يصعب تنفيذه خلال المدة المتبقية أقلّ من (4) أشهر، تعلية المتر الواحد شاملة الجانبين والممر الأوسط تتطلب (60) ألف متر مكعب خرسانة."

الملء الثالث

تصريحات المسؤول الإثيوبي تعيد إلى الواجهة مجدداً حالة الجدل وحرب الأعصاب بعد شهور من الهدوء النسبي، فقد أعلن هورا أنّ الملء الثالث سيكون في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) المقبلين، مستبعداً إيقاف عملية الملء الثالث التي ادّعى أنّها "عملية تلقائية"، في حال كان لها تأثيرات محتملة على مصر والسودان، في قرار أحادي جديد وتحدٍّ لمصر التي أعلن رئيسها عبد الفتاح السيسي في نهاية آذار (مارس) 2021 أنّ حصة مصر في مياه النيل "خط أحمر"، في تحذير فسّره الكثيرون على أنّه إيذان بعمل عسكري ضد سد النهضة.

نادر نور الدين: هناك عيوب جسيمة وتصدعات في جسم سد النهضة الإثيوبي

واحتراماً لتطلعات أديس أبابا للتنمية والرخاء الاقتصادي، اقترحت مصر والسودان، خلال المفاوضات التي استمرت أكثر من عقد، "نهجاً تعاونياً" لإدراة وتشغيل السد، بعيداً كلّ البعد عن القرارات الأحادية، غير أنّ إثيوبيا تتعامل مع نهر النيل على أنّه ملكية خاصة، واقترحت أن يتم التفاوض سنوياً على الأمر، إلى جانب تجدّد الجدل حول "حصص" الدولتين سنوياً، وليس قواعد الملء والتشغيل. ويعتمد المقترح المصري السوداني على أن تكون فترة ملء خزانات السد أطول من الفترة التي تقترحها إثيوبيا، لتجنب الإضرار بحصص دولتي المصب، لكنّ ذلك لم يحظَ بموافقة إثيوبيا أيضاً.

 

تصريحات المسؤول الإثيوبي تعيد إلى الواجهة مجدداً حالة الجدل وحرب الأعصاب بعد شهور من الهدوء النسبي

 

 وتوقفت المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا مطلع العام الماضي بعد جدال طويل أشعلته تصريحات الجانب الإثيوبي. وعزا مراقبون توقف المفاوضات إلى 3 أسباب رئيسية: الأوّل؛ حرب إثيوبيا على إقليم تيغراي وأورومو والنزاعات الداخلية التي تشهدها أديس أبابا، والثاني؛ متعلق بأحداث السودان واستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أمّا السبب الثالث؛ فمتعلق بانتهاء رئاسة دولة الكونغو الديمقراطية لرئاسة الاتحاد الأفريقي. وكانت آخر جولة من المفاوضات قد عُقدت في كينشاسا في الكونغو، غير أنّها باءت بالفشل لتمسك إثيوبيا بموقفها.

وأثارت تصريحات هورا العديد من علامات الاستفهام في القاهرة عند إشارته إلى "احتمال عدم تضرر مصر والسودان من عملية الملء"، لأنّ هناك دراسات أشارت إلى وقوع أضرار على البلدين، إذا تم تشييد السد بالمواصفات والطريقة الفنية التي أعلنت عنها أديس أبابا، وأنّ القاهرة والخرطوم أعلنتا أكثر من مرة تقاعس أديس أبابا عن تبادل المعلومات معهما.

توقفت المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا مطلع العام الماضي بعد جدال طويل أشعلته تصريحات الجانب الإثيوبي

وتعاقدت الدول الـ3 في 2016 مع مكتبين استشاريين عالميين، هما "بي آر إل" و"آرتيليا"، لإجراء الدراسات الفنية حول تأثير سد النهضة على دولتي المصب مصر والسودان.

ويعطي هذا التصريح مبرراً كافياً لمصر لتأكيد أحقيتها في رفض تشغيل المشروع بهذه الصورة، ودعم طلبها من عدد من القوى الإقليمية والدولية لتجنب الضرر، على الرغم من انحياز بعضها لإثيوبيا في مسألة بناء السد كمشروع تنموي ومصدر للطاقة.

 

أثارت تصريحات هورا العديد من علامات الاستفهام في القاهرة عند إشارته إلى احتمال عدم تضرر مصر والسودان من عملية الملء

 

وقبل كلام هورا بأيام، أقرّ وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات له على هامش مؤتمر دافوس الثلاثاء الماضي، بأنّ "الجهود الدبلوماسية لم تسفر عن اتفاق"، مشدداً على أنّ قضية السد "وجودية" ومرتبطة بأمن مصر ومواطنيها، و"ستظلّ توليها الأهمية والتركيز اللازمين".

حرب التصريحات

تنذر التصريحات بحلقة جديدة من الحرب الكلامية بين مصر والسودان وإثيوبيا، بعدما كانت تلك الحرب قد خبت نسبياً مع عدم وقوع ضرر مباشر على مصر وانشغال السودان بهمومه السياسية، فضلاً عن تدخلات قوى خارجية حثت الدول الـ3 على الهدوء وضبط النفس، مع التأكيد على تجنّب التوجه نحو خيار التصعيد العسكري.

وفي أولى شرارات هذه الحرب، رفضت وزارة الخارجية السودانية أمس تصريحات مدير سد النهضة الإثيوبي، معتبرة أنّها تسمم الأجواء الإيجابية.

 رفضت وزارة الخارجية السودانية أمس تصريحات مدير سد النهضة الإثيوبي

ونقل موقع "السودان اليوم" عن وزارة الخارجية السودانية مطالبتها للمسؤولين الإثيوبيين بـ"الكفّ عن التصريحات غير المنضبطة، والالتزام بمبادئ الدبلوماسية"، مؤكدة تجاهل أديس أبابا لموقف السودان الثابت من عملية ملء وتشغيل السد، إلّا بعد التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق مصالح شعوب الدول الـ3.

وعبّرت الوزارة عن دهشتها من عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي للأضرار المحتملة على الجانب السوداني، رغم اعترافه باحتمال تأثر كلٍّ من السودان ومصر بعملية الملء الثالث، ممّا يشير إلى أنّ إثيوبيا تريد المضي قُدماً في مواقفها الأحادية السابقة.

 

يعطي هذا التصريح مبرراً كافياً لمصر لتأكيد أحقيتها في رفض تشغيل السد بهذه الصورة، ودعم طلبها إقليمياً ودولياً

 

 وعلى المستوي الرسمي، لم تُعلق مصر على تصريحات هورا، غير أنّ الإعلامي المصري عمرو أديب قال في برنامجه "الحكاية" على فضائية "إم بي سي مصر" أمس: إنّ إثيوبيا رفضت العرض المصري الذي يقترح ملء السد على (7) أعوام بدلاً من (3) أعوام تصر عليها أديس أبابا، غير أنّ الواضح من تصريحات المسؤول الإثيوبي أنّ عملية الملء ستأخذ بالفعل من (7 إلى 8 أعوام)، واستطرد أديب قائلاً: "ربّنا أكرمنا بعيداً عن التعنت الإثيوبي، ودي حاجة من عند ربنا"، مضيفاً: "بعد الجانب الإثيوبي ما كان عنده إصرار أنّه يملأ السد في (3) أعوام، دلوقتي بيتكلموا على 2024 أو 2025، وده بيدينا فرصة أنّنا نتعامل مع التغيرات التي تحدث في قضية المياه".

مواضيع ذات صلة:

عيوب "جسيمة" في بنية سد النهضة... هل ينهار؟.. خبراء يجيبون

ما مصير الملء الثالث لسد النهضة؟.. خبير يجيب

فشل إثيوبي جديد في تشغيل سد النهضة.. ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية