هل تخدم سياسات تركيا الأجندة الأمريكية في المنطقة؟

هل تخدم سياسات تركيا الأجندة الأمريكية في المنطقة؟


21/07/2020

على خطى إيران، تتنوع التدخلات التركية في المنطقة ما بين أساليب وأدوات ناعمة بصورة أعمال استخبارية سرية، كما هو الحال في دول البلقان وبعض الدول العربية، وما بين تدخّل خشن بأدوات عسكرية مباشرة أو من خلال وكلاء، كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان والقرن الأفريقي وحتى في دول آسيا الوسطى.

اتجاه تركيا إلى الشرق عوضاً عن الغرب محاولة لأن تكون في موقع القائد، لا التابع، من خلال استثمار الإرث العثماني

وينطلق هذا التدخل من مرجعية استراتيجية أقرّها حزب "العدالة والتنمية" بقيادة رفيق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "المنشق عنه حالياً" أحمد داوود أوغلو، وتُشير خطوطها العريضة إلى انفكاك تركيا من تبعيتها لأوروبا والتوجّه غرباً، والذهاب بديلاً لذلك إلى العالمين العربي والإسلامي شرق وجنوب تركيا، حيث ستكون تركيا بموقع القائد لا التابع من خلال استثمار الإرث العثماني، وهو ما بات يعرف اليوم بـ "العثمانية الجديدة"، التي تُشكّل المرجعية في سياسات تركيا الخارجية، وذلك بالتزامن مع الحفاظ على "شكلية" الدولة العلمانية، وإبعاد العسكر عن الحكم، بما يُظهر تركيا دولة حداثية وديمقراطية.

اقرأ أيضاً: لماذا يهدد رجل تركيا الأول في حكومة الوفاق بالاستقالة؟

واصطدمت هذه الاستراتيجية التركية حيناً وتقاطعت أحياناً أخرى مع مقاربات أوروبية وأمريكية لما يفترض أن تكون عليه تركيا، حيث تمثّلت التقاطعات في اعتبار التحوّلات الديمقراطية وإنهاء حكم العسكر إنجازات للقيادة التركية، فيما ذهبت القيادة التركية لقيادة الإسلام السياسي بشقيّه؛ العنيف والمعتدل، تماشياً مع الرهانات الأمريكية "بعد الربيع العربي في عهد أوباما"، وهي رهانات سرعان ما تلاشت وثبت أنّ تركيا بقيادة حزب "العدالة والتنمية" تتجه إلى مزيد من الديكتاتورية، وبصورة تكاد تكون متطابقة مع الكثير من أنظمة الشرق الأوسط، وتبحث عن دور إقليمي على الطريقة الإيرانية، فيما تتجه للانسحاب من حلف "الناتو"، بالإضافة إلى اشتقاقها تعريفاً خاصاً بالإرهاب، لا يشمل الفصائل الجهادية (داعش والقاعدة) ويقتصر على "إرهاب" الأحزاب الكردية المُطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي.

ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار،  في ظل حكم حزب العدالة والتنمية

إلى فترة قريبة وتحديداً ما قبل كورونا، كان الموقف الأوروبي والأمريكي من القيادة التركية موحداً إلى حدّ كبير، بما في ذلك تدخلاتها في المنطقة وتقاربها مع روسيا وصفقة صواريخ "إس 400" التي شكّلت نقطة تحوّل تتضمن إعلاناً بخروج تركيا من حلف الأطلسي والذهاب للتحالف مع العدو القديم "روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي"، بالإضافة لعلاقات اقتصادية أوسع مع الصين "الشيوعية"، العدو الأكثر خطورة بالنسبة لأمريكا.

اقرأ أيضاً: هل تعوّل تركيا على سياسة حافة الهاوية في ليبيا؟

غير أنّ ما بعد كورونا أظهر مؤشرات على أنّ الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، التي تتطلع الدولة العميقة في أمريكا لتحقيقها، تتمثل بإعادة التموضع عالمياً وفق مرجعية واحدة وهي: محاصرة الصين وروسيا "اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً"، وبصورة تتجاوز الخلافات الحزبية القائمة بين الجمهوريين والديمقراطيين من جهة، ومؤسسات الدولة العميقة الفاعلة مع قيادة البيت الأبيض من جهة أخرى، وللتذكير؛ فإنّ هذه المؤسسات العميقة لطالما أفشلت قرارات دونالد ترامب الأحادية بالانسحاب العسكري من سوريا والعراق وأفغانستان، كما أفشلت توجّهات ترامب للتقارب مع روسيا والصين، والتي ما زالت توصف في مؤسسات القرار العميق في أمريكا على أنّها دول شيوعية.

لعلّ السؤال المطروح اليوم حول موقع سياسات أردوغان من كل تلك التحولات وفيما إذا كانت بالفعل ما زالت تتناقض مع الاستراتيجية الأمريكية أم هي بموضع الأداة المُنفذّة لها؟ ويبدو أنّ نظرة فاحصة لتلك السياسات تنفي أن تكون القيادة التركية على تعارض مع السياسات الأمريكية.

يُرجّح أنّ تحويل آيا صوفيا كان بموافقة أمريكية، خاصة وأنّه يخدم مقارباتها بخصوص الحل المستقبلي لقضايا الأماكن الدينية في القدس

فعلى صعيد العداء لإسرائيل، وبعيداً عن الخطاب الإعلامي التركي الذي يحظى بشعبية لدى الرأي العام العربي؛ فإنّ تركيا هي الأقرب لاسرائيل، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من عشرة مليارات دولار في ظل حكم "العدالة والتنمية"، فيما تُشكّل علاقات تركيا مع غزة وحماس بديلاً لجعل القطاع وحماس أسيرين بيدّ إيران. أمّا بالنسبة للقضية السورية؛ فإنّ سيطرة تركيا على إدلب ودعمها الفصائل الجهادية يسهم بما تتطلع إليه أمريكا بالضغط على موسكو وإيران، كما أنّ الضربات القاصمة التي تلقتها "القاعدة وداعش" في إدلب من قبل أمريكا كانت نتاج تعاون تركي مع أمريكا، بما في ذلك تقديم رأس البغدادي زعيم داعش لترامب. وفي ليبيا؛ فإنّ الدور الذي تمارسه تركيا والمدعوم أمريكياً يأتي في سياقات الاستراتيجية الأمريكية لحرمان موسكو الداعمة لقائد الحيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر من إيجاد موطئ قدم لها في ليبيا، ولا يمكن تفسير التصعيد المفاجئ بين أذربيجان وأرمينيا "شمال شرق تركيا" إلّا في إطار الضغط على موسكو وبكين.

أمّا التشنّج الذي تشهده العلاقات التركية الأوروبية، بما في ذلك الموقف من حلف الناتو؛ فالموقف التركي يتطابق مع الموقف الأمريكي الذي يُبدي "تحفظات" على دور هذا الحلف وتمويله، ويُرجّح أنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، والذي أرسل رسالة لأوروبا، كان بموافقة أمريكية، خاصة وأنّه يخدم المقاربات الأمريكية بخصوص الحل المستقبلي لقضايا الأماكن الدينية في القدس.

وانسجاماً مع تحوّلات سياسات تركيا؛ فإنّه لا يُستبعد أن يطرح أردوغان مجدداً قضية مسلمي الإيغور في الصين، والروهينغا في بورما لتكون سبباً في تعليق اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الصين. فيما ستبقى العقدة التي تواجه أردوغان هي علاقاته مع روسيا وقدرته على إقناع أمريكا باستمرار تلك العلاقات والفصل بين السياسي والعسكري والاقتصادي في تلك العلاقات، وفيما إذا كان انقلاب أردوغان على مواقفه رأساً على عقب سيترجم بالعلاقة مع روسيا. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية