يعود ملف الاغتيالات الإيرانية إلى الواجهة من جديد، بعد اتهام هولندا لإيران رسمياً، بأنّها لجأت إلى "عصابات الجريمة المنظمة في اغتيال اثنين من المعارضين الإيرانيين المقيمين على الأراضي الهولندية" وذلك في تصريح جديد نقلته "بي بي سي" في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) 2019.
اقرأ أيضاً: منظمة دولية: الصحفيون في إيران يتعرضون لأبشع أشكال الانتهاكات
ويفتح الاتهام الهولندي، المدعوم بدلائل قوية حسب الحكومة الهولندية، التساؤل حول دور البعثات الدبلوماسية الإيرانية في أوروبا، وحيثما تواجدت في بعض الدول العربية وأماكن أخرى؛ حيث تقوم ببناء علاقات "تخريبية مع عصابات، وتغتال معارضي نظامها" وفقاً لـ "بي بي سي". فهل هذه التهم مجرد أوراق ضغط سياسيٍ على إيران، أم أنّ لها تاريخاً مستمراً في تصفية المعارضين؟
الاغتيالات كنهج
يبدو أمراً مثيراً للجدل، أن يتم اغتيال رجالٍ بعيدين، عزّل، ولا يشكلون خطراً حقيقياً على الدولة التي تدعي في أيديولوجيتها أنّها محمية من الله تعالى، وأنّ حكامها لا ينطقون سوى باسمه. غير أنّ هذا لم يمنع إيران من قتل هؤلاء الرجال. مما جعل الحكومة الهولندية مؤخراً، تتحدث في تصريحٍ تناقلته العديد من وكالات الأنباء والأوساط السياسية في أوروبا وحول العالم، كون إيران "ضالعة في اغتيال شخصين من أصول إيرانية ويحملان الجنسية الهولندية، أحدهما في ألميري في 2015، والآخر في لاهاي عام 2017"، وهما: علي معتمد (56 عاماً) وأحمد ملا نيسي (52 عاماً) إضافةً إلى محمد رضا كولاهي الذي قُتل أيضاً أمام منزله بمسدس كاتم للصوت في مدينة أمستردام عام 2017". بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك بتاريخ 11 كانون الثاني (يناير) 2019.
إضافة لاغتيال معارضين في أوروبا اغتالت إيران معارضين لسياساتها بالعراق من أهمهم شوقي حداد وهو مساعد لمقتضى الصدر
وكانت صحيفة "ديلي تلغراف" قالت، في تقريرٍ لها نشرته في 8 كانون الثاني (يناير) 2019، إنّ "هناك شبهات قوية بقيام إيران باستئجار عصابات جريمة منظمة هولندية لاغتيال المعارضين الإيرانيين لإبعاد الشبهة عن نفسها".
وسبق للصحيفة ذاتها نشر تقريرٍ آخر في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 قالت فيه "إنّ فرق جريمة وعصابات نُشرت بأوامر من قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في محاولة لإرهاب خصوم إيران في العراق. وأن نشر هذه الفرق تم في أعقاب الانتخابات العامة في العراق في أيار (مايو) الماضي، بعد أن تعرقلت محاولات طهران لفرض نفوذها في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة جراء فشل المرشحين الذين دعمتهم في الفوز بالأصوات الكافية لتشكيل الحكومة".
كما كشف التقرير ذاته أنّ "مصادر أمنية أكدت بأنّ فرق الاغتيال الإيرانية استهدفت معارضين عراقيين لإيران من داخل الطيف السياسي في البلاد. ومن بين الضحايا كان شوقي حداد، المقرّب من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، والذي كان حليفاً لإيران ولكنه تبنّى في الفترة الماضية أجندة وطنية. واغتيل حداد بعدما اتهم الإيرانيين بتزوير الانتخابات. وفي الوقت نفسه تعرض راضي الطائي، مستشار المرجعية الشيعية محمد علي السيستاني لمحاولة اغتيال فاشلة في 2017 بعدما دعا إلى تقليل التأثير الإيراني على الحكومة العراقية".
اقرأ أيضاً: الحرب مع إيران ووكلائها في المنطقة
ويبدو من خلال التقارير السابقة، أنّ إيران تنتهج (الاغتيالات السياسية) كأسلوبٍ من أساليب السيطرة والترهيب في سياستها الداخلية والخارجية، سواءً تجاه المعارضين لحكومتها، أو من يقفون في وجه سياساتها في دولٍ كالعراق مثلاً.
وفي هذا السياق، كشف المعارض الإيراني الأحوازي ناهض أحمد، نجل المعارض الإيراني الأحوازي والقيادي في "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" أحمد مولي نيسي، الذي اغتالته إيران في هولندا عام 2017، أنّ "طهران تجند البعثات الدبلوماسية لتنفيذ عمليات اغتيال بحق المعارضين للنظام الإيراني في الخارج".
كما أوضح، خلال تصريح نشرته صحيفة الوطن في 9 كانون الثاني (يناير) 2019 أنّه "لم يفاجأ بخبر اتهام السلطات الهولندية للنظام الإيراني بمحاولة اغتيال المعارض الإيراني أحمد مولي".
ويضبف تقرير "الوطن" أيضاً، أنّ "رئيس جهاز الاستخبارات الدنماركية بورش آندرسون، قد اتهم الاستخبارات الإيرانية، في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بالتخطيط لاعتداء في كوبنهاغن ضد أشخاص ينتمون لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، والعام الماضي تم اعتقال دبلوماسي إيراني في ألمانيا يدعى أسد الله، يشتبه في تورطه مع ثلاثة آخرين في التخطيط لتنفيذ هجوم يستهدف تجمعاً للمعارضة الإيرانية في فرنسا".
اقرأ أيضاً: إرهاب إيران في البلقان
وتحاول إيران إذن، القضاء على أي معارضةٍ تواجهها بالإرهاب؛ إذ لا تطيق الحوار السياسي مع معارضيها، وتعمد إلى اغتيالهم، مستخدمةً الدبلوماسية كغطاء، ومفرغةً البعثات الدبلوماسية الخاصة بها من محتواها السياسي والثقافي، لتحولها إلى أداةٍ لعقد الصفقات مع عصابات الجريمة المنظمة.
المعارضة إرهاب
بالنسبة لإيران، فإنها تطالب دولاً أوروبية كهولندا أو غيرها، ممن تضم معارضين لللنظام الإيراني، بتسليمها هؤلاء المعارضين، بصفتهم إرهابيين، وتقوم إيران بإلصاق هذه التهمة على أغلب معارضيها، سواء اتهمتهم بالقيام بأعمالٍ تخريبية مسلحة ضدها، أو التخطيط لزعزعة نظامها وأمنها السياسي، وهو ما يتناقض تماماً مع سياساتها هي في دول الخارج؛ إذ تنتهج الاغتيال والتعاقدات مع مجرمين مأجورين للقتل والإرهاب نيابةً عنها كما اتضح فيما سبق.
تحاول إيران القضاء على أي معارضة تواجهها بالإرهاب إذ لا تطيق الحوار السياسي مع معارضيها
أما لماذا لا تطيق إيران وجود معارضين لها، خصوصاً في الدول العربية، فمرد ذلك حسب تقريرٍ لصحيفة "القدس العربي" نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2018 إلى:
"أنّ إيران تهدف لتوسيع تأثيرها على الشيعة في العالم العربي، وكان شيعة العراق هدفاً لها منذ وقت طويل. وتهدف دائماً لإنشاء هلال شيعي يربط المجتمعات الشيعية، وهو مشروع طموح لخلق قوس مؤثر يمتد من طهران حتى البحر المتوسط".
وسياسياً، وبفعل هذه السياسات الإيرانية في الخارج، يفرض الاتحاد الأوروبي من جهته عقوباتٍ ضد طهران، ووفق ما نقلته صحيفة "العرب" في 9 كانون الثاني (يناير) 2018 فإنّ "العقوبات الأوروبية الجديدة على إيران صفعة مؤلمة للنظام الذي ينفي في كل مرة تورطه في الاغتيالات التي تطال معارضيه على أراضي أوروبا، ما يستوجب تشديد الرقابة على البعثات الدبلوماسية الإيرانية التي تتخفى تحتها أجهزة الاستخبارات، فيما تشير تقارير إعلامية إلى أنّ النظام قد نقل غرفة اغتيالاته باتجاه دول البلقان للعودة مجدداً إلى قلب أوروبا".
كما أضافت الصحيفة، في تقريرها، أنّ "تمسّك أوروبا بالاتفاق النووي الإيراني لا يحجب مخاوفها من أنشطة إيران الباليستية والمزعزعة لاستقرار المنطقة وحتى داخل بلدانها، بعد توجيه التهم للاستخبارات الإيرانية بتنفيذ اغتيالات في كل من فرنسا والدنمارك وهولندا".
اقرأ أيضاً: بومبيو يتحدث عن جرائم إيران
وليست أوروبا وحدها المعنية بهذا الشأن؛ فالاغتيالات الغامضة في لبنان ما بين عامي 2004 و2006 بحق سياسيين لبنانيين معارضين لحزب الله، لا تزال قيد البحث عن الفاعلين إلى الآن، فيما يقع اليمن تحت وطأة الدعم العسكري واللوجستي للحوثيين من قبل إيران من أجل إبقاء هيمنتها أو تفعيلها في اليمن مهما تطلّب الأمر من حربٍ طويلة الأمد وعنف ودمار للبلاد هناك. فيما القمع الداخلي مستمر للأقليات السنيّة تحديداً، والعربية في الأحواز، ولا تملك إيران أي برنامجٍ أو دليلٍ اليوم، على رغبتها في التراجع عن سياساتها هذه. التي تنتهجها في العراق ولبنان واليمن وحتى أوروبا؛ إذ لديها جواب واحد عن كل الأسئلة، وهو أنّها تحارب الإرهاب الموجّه ضدها! لكن ماذا عن كل هذا الإرهاب الذي تمارسه؟