هل تجبر حرب محتملة مع إسرائيل زعماء لبنان على التوحّد؟

هل تجبر حرب محتملة مع إسرائيل زعماء لبنان على التوحّد؟

هل تجبر حرب محتملة مع إسرائيل زعماء لبنان على التوحّد؟


08/11/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

في 24 تشرين الأوّل (أكتوبر)، نُشِرَت تغريدةٌ فريدةٌ من نوعها على «إكس»، المعروف سابقاً باسم «تويتر». يُمنى الجُميّل، ابنة بشير الجُميّل، الزّعيم الرّاحل لميليشيا «القوّات اللبنانيّة» المسيحيّة ورئيس لبنان المنتخب لفترة وجيزة في عام 1982 قبل اغتياله، عبّرت عن وِفاق مفاجئ في التّعليق الذي نشرته.

في إشارةٍ إلى صراع غزّة، كتبت الجُميّل: «لسنا مع إقحام لبنان في حرب لا دخل له فيها. لسنا مع وحدة السّاحات واحتكار قرار الحرب والسّلم… ولكن، إذا فُرضت علينا الحرب، سوف نقف إلى جانب كل «لبناني» مهما كانت طائفته أو رأيه أو انتماؤه. لا لون لوطنيتنا ولا حدود بين قُرانا ومُدننا على الـ 10.452 كم2».

إنّ ذِكر الجُميّل لاستراتيجيّة «وحدة السّاحات»، أو «وحدة الجبهات»، يأتي كإشارة إلى تحالف «حزب الله» مع جماعات مختلفة فيما يسمّى بـ«محور المقاومة»، بحيث يمكن أن تواجه إسرائيل هجمات متزامنة على جبهات لبنان، وغزّة، وسوريا وربما الضّفّة الغربيّة في حالة نشوب صراع.

اعتاد الكثير من الأحزاب والسّياسيّين في المجتمع المسيحيّ في لبنان، الذي تنتمي إليه الجُميّل، توجيه انتقادات حادّة لجهود «حزب الله» بشأن ربط مصير لبنان بمصير «حماس» و«الجهاد الإسلاميّ» الفلسطينيتين، وحذّروا من أنّ هذا يمكن أن يقود البلاد نحو الدّمار في أيّ حرب مستقبليّة مع إسرائيل. وكان المسيحيّون الأعداء الرّئيسين للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في لبنان بين عامي 1975 و1982، وقد رفعوا السّلاح ضدّهم في خطوة أسهمت في قيادة البلاد إلى حربها الأهليّة.

تغريدة يمنى بشير جميّل

ومع أخذ هذا الإرث بعين الاعتبار، لماذا كانت الجُميّل حريصة جدّاً على تأكيد رسالة تتّسم بالوحدة مع «حزب الله»، على الرّغم من أنّها أشارت في التّعليق نفسه إلى «احتكار قرار الحرب والسّلم»، وهو الأمر الذي أدّى إلى تهميش الدّولة اللبنانيّة تماماً؟ أسبابها غير واضحة، لكنّها تعكس ميلاً أكثر عموميّة داخل  المجتمع المسيحيّ لتجنّب اشتباك مباشر مع «حزب الله» في حالة امتداد حرب غزّة إلى لبنان.

جعجع

والأكثر إثارة للدّهشة كان موقف زعيم «القوّات اللبنانيّة» الحاليّ، سمير جعجع، وهو عادةً ناقد عنيد لـ«حزب الله». قبل بضعة أشهر، كان جعجع يُصدر تصريحات يوميّة تقريباً ضدّ الحزب، لكنّه التزم الهدوء بشكل ملحوظ بعد هجوم «حماس» في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر). الاستثناء من ذلك كان مقابلته مع «لوريون لوجور» النّاطقة بالفرنسيّة الأسبوع الماضي.

في المقابلة، بدا جعجع الحادّ عادةً أكثر واقعيّة، وقال إنّ هناك القليل ممّا يمكن للمعارضة أن تفعله لمنع لبنان من الانضمام إلى صراع غزّة إذا ما قرّر «حزب الله» الدّخول إليه. كان جعجع انتقاديّاً بشكل خاصّ لمنافسه المسيحيّ الرّئيس، جبران باسيل، الذي يعقد اجتماعات مع القوى السّياسيّة من أجل «حماية لبنان» و«تعزيز الوحدة الوطنيّة»، كما قال باسيل نفسه. جعجع وصف باسيل بأنّه شخص «لا مصداقية لديه ولا مبادرة واضحة عنده».

خرج «حزب الله» من الحرب مع إسرائيل 2006 وواجه حالة مزاجيّة غامضة بين صفوفه. ومن أجل استيعاب السّخط، أعاد توجيه الغضب ضدّ الحكومة والمنافسين

في حين أنّ مبادرة باسيل تفتقر بالفعل إلى الوضوح، فإنّها تعكس مرّة أخرى رغبة شخصيّة مسيحيّة بارزة في لعب دور المُصلِح الوطنيّ في ظلّ حرب محتملة. ما سبب هذه الرّغبة بين السّياسيّين المسيحيّين الذين - أيّاً كانت طبيعة علاقتهم بـ«حزب الله» - يشتركون في رأي مفاده أنّ لبنان لا ينبغي أن يكون جزءاً من مخطّط «وحدة السّاحات»؟

في الأساس، السّبب على ما يبدو هو رغبة في تجنّب تكرار ما حدث في عام 2006. في ذلك الوقت، خرج «حزب الله» من الحرب مع إسرائيل وواجه حالة مزاجيّة غامضة بين صفوف مجتمعه الشّيعيّ. لقد دُمّرت القرى الشّيعيّة في الجنوب، وكذلك أحياء كبرى في الضّواحي الجنوبيّة لبيروت، حيث مقرّ «حزب الله». ومن أجل استيعاب السّخط، أعاد الحزب توجيه الغضب الشّيعيّ ضدّ الحكومة والمنافسين السّياسيّين المحلّيّين من مختلف الطّوائف.

لقد أصبح سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية المسيحي، مهزوماً بشكل ملحوظ بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي شنته حماس

خلال الفترة بين أواخر عام 2006 وأيار (مايو) 2008، ركّز الحزب على تأمين ثُلث حاسم في مجلس وزراء فؤاد السّنيورة - أي ثلث الوزراء بالإضافة إلى واحد. وكان من شأن ذلك أنّ يسمح له بالسّيطرة على جدول أعمال الحكومة التي يهيمن عليها منافسوه، وعرقلة التّشريعات التي يعارضها، وتقويض ما حُقّق بعد انسحاب سوريا من لبنان في عام 2005، وهو الأمر الذي نظر إليه «حزب الله» على أنّه نكسة استراتيجيّة.

التوترات الطائفية

أدّى رفض أغلبيّة قوى «14 آذار» الاستجابة لذلك السّيناريو إلى اعتصام المعارضة التي يقودها «حزب الله»، وهو الأمر الذي زاد بدوره من التّوترات الطّائفيّة. وفي نهاية المطاف، أدّى قرار حكوميّ في عام 2008 بمنع «حزب الله» من توسيع شبكة الاتّصالات الخاصّة به إلى صراع مسلّح قصير وعنف، على نحو أشار إلى إمكانية عودة أعوام الحرب الأهليّة، قبل أن يفرض مؤتمر برعاية قطر مساومة سكّنت جميع الأطراف.

في حالة وقوع حرب جديدة وتدمير لبنان، لا توجد قوّة سياسيّة في البلاد تعارض «حزب الله» تريد أن يؤدّي ذلك إلى تجدّد الاشتباكات الطّائفيّة. إذا ضعف الحزب، فهذا جيّد، لكن لا يريد أيّ ناقد من نُقّاد الحزب أن يٌتّهم بالخيانة، حتّى لا يتمكّن الحزب من إعادة توجيه الاستياء الشّيعيّ ضدّ نُقّاده.

السّياسيّون المسيحيّون الذين  أيّاً كانت طبيعة علاقتهم بـ«حزب الله»  يشتركون في رأي مفاده أنّ لبنان لا ينبغي أن يكون جزءاً من مخطّط «وحدة السّاحات»

في هذا السّياق، كانت تغريدة يُمنى الجُميّل ملائمة بشكل خاصّ، حيث اعتاد الحزب لفترة طويلة إدانة بشير الجُميّل بوصفه زعيماً تحالف مع إسرائيل. وحقيقة أنّها رفضت ضمنيّاً مثل هذا الاتّهام من خلال توضيح أنّ مجتمعها سيقف مع «حزب الله» ضدّ إسرائيل لهي شيء مهمّ، على الرّغم من أنّها لا تملك أيّ موقع سياسيّ.

لقد أظهر صراع عام 2006 للعديد من اللبنانيّين أنّ آثار الحرب غالباً ما تكون أكثر خطورة من الحرب نفسها. وحقيقة أنّ بعض الزّعماء المسيحيّين - بالإضافة إلى سياسيّين غير مسيحيّين، مثل زعيم الدّروز، وليد جنبلاط - يدركون هذا ويمكنهم اتّخاذ مواقف تتعارض مع غرائزهم الطّبيعيّة، هي علامة على أنانيّتهم بالتّأكيد، ولكن أيضاً على النّضج في مجتمع لبنانيّ منقسم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال نيوز، 1 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية