هل تتحدث ضحايا "الجرائم الجنسية" في مصر بعد هذا التعديل؟

هل تتحدث ضحايا "الجرائم الجنسية" في مصر بعد هذا التعديل؟


22/08/2020

حققت مصر إنجازات كبيرة في مواجهة الجرائم الجنسية، على نحو لم يكن معهوداً من قبل، انتهى إلى تعديل قانوني مهم ينصّ على سرّية بيانات ضحايا الجرائم الجنسية، لتشجيعها على تقديم بلاغات دون الوقوع تحت سطوة أحكام المجتمع، غير أنّ القانون، برغم ما يمثله من اختراق، يظلّ محاطاً بتحدّيات عدّة. 

تشهد مصر زخماً على مستوى مواجهة الجرائم الجنسية، سواء من قبل النيابة العامة أو الحكومة 

وقد أقرّ البرلمان المصري أمس مشروع قانون مُقدّم من الحكومة، يضمن سرّية بيانات ضحايا جرائم التحرّش والاعتداء الجنسي، بحيث يحظر عرضها إلّا على المتهمين ومحاميهم. وبمجرّد توقيعه من رئيس الجمهورية يدخل القانون حيز النفاذ.

وتشهد مصر رسمياً زخماً على مستوى مواجهة الجرائم الجنسية، سواء من قبل النيابة العامة، التي باتت تبادر بالتحرّك والتحقيق انطلاقاً من حملات إلكترونية تفضح وقائع ما، أو الحكومة التي تحرّكت لإزالة عقبة قانونية كانت تمنع الكثيرات من التقدّم ببلاغات.

وقد أدخلت مصر تعديلات على القانون في العام 2014 لتجريم فعل "التحرّش" للمرّة الأولى، وتضمينه نصاً بعقوبات بين الغرامة المالية والسجن، وتوسيع رقعته ليتضمن: كلّ من تعرّض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأيّة وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللّاسلكية.

ورغم ذلك، ندرت البلاغات المقدّمة في تهم التحرّش، وغالباً ما كانت الضحية تتنازل عن بلاغها أمام ضغط المجتمع، أو الهجوم عليها، ما يعكس الحاجة إلى التعديل الأخير.

اقرأ أيضاً: قضايا التحرش الجنسي.. إذا لم تنجح الحلول الأخلاقية هل تنفع الروادع القانونية؟

وتظلّ قدرة تلك التعديلات القانونية وحدها على تشجيع الضحايا للإبلاغ عمّا تعرّضن له محلّ شك، خصوصاً في ظلّ عدم ثقة كثيرات منهنّ من عدم تسريب أسمائهنّ، أو تعريض حياتهنّ للخطر، فضلاً عن انخفاض الوعي المجتمعي بالتعامل الأنسب مع ضحايا الاعتداءات الجنسية

تتذكر أمينة صلاح الدين ضغوطات عدّة تعرّضت لها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، من عائلتها والمحيطين بها، لثنيها عن التقدّم ببلاغ رسمي ضدّ متحرّش يتضمّن لفظ التحرّش، وأمام إصرارها اقترح عليها المقرّبون أن تقوم بتحرير محضر سرقة، خوفاً من الوصمة المجتمعية. 

يأتي التعديل القانوني الأخير في وقت انتشرت فيه شهادتان لصحافيتين مصريتين، إحداهنّ تعرّضت للاغتصاب وأخرى للتحرّش

تمسّكت أمينة بتحرير محضر تحرّش، بعدما علمت أنّ عقوبته تصل إلى السجن 3 سنوات، وبالفعل تمّ الحكم على المدان بعد شهور من تحريك القضية.

تقول أمينة لـ"حفريات": التعديل القانوني الأخير مهم، وخطوة لتشجيع فتيات أخريات على الإبلاغ عمّا يتعرّضن له من انتهاكات، لكن ليس وحده، فقد كان هناك  الكثير من الصعوبات حتى وصول المحضر إلى النيابة.

وسبق أن اقترحت إحدى النائبات البرلمانيات  في مصر إنشاء وحدة داخل كلّ قسم شرطة، خاصّة بتحرير بلاغات الجرائم الجنسية، تقوم عليها شرطيات، لإزالة الحرج وتشجيع السيدات للإبلاغ عمّا تعرّضن له.

اقرأ أيضاً: حملات ضحايا التحرش والاغتصاب.. هل تحرك "المسكوت عنه"؟

تابوهات تطال النخبة 

ويأتي التعديل القانوني الأخير في وقت انتشرت فيه شهادتان لصحافيتين مصريتين؛ إحداهنّ تعرّضت للاغتصاب، وأخرى للتحرّش، اتهمتا فيها صحافياً استقصائياً شهيراً ومتعاوناً مع مؤسسة دولية، عبر مدوّنة نسوية، فيما لم تتقدّم صاحبتا الشهادتين ببلاغ رسمي حتى الآن، وقد عزتا ذلك في الشهادتهن المُجهلتين إلى "الخوف من الوصمة المجتمعية". 

وتعكس الاتهامات التي تلاحق الصحافي المصري أحد أوجه التحديات التي تواجه قضايا التحرّش والاغتصاب في مصر، والتي لا يشمل الخوف من خوض معاركها الطبقات الأقلّ تعليماً أو الأكثر فقراً، وإنّما يشمل طبقة النخبة الثقافية، ما يعني أنّ آلاف العقبات تواجه الأبسط منهنّ ثقافة ووعياً. 

كما تقف عقبة إثبات تعرّض الفتيات لوقائع التحرّش أو الاغتصاب، خصوصاً بعد فترة من تعرّضهن لها، حائلاً دون إقدام غالبية الضحايا بتقديم بلاغات. 

رفعت حملات الإفصاح عن وقائع التحرّش الجنسي عدد البلاغات المقدّمة في ذلك النوع من الجرائم

وشكّك البعض في الوقائع التي تمّ نشرها على المدوّنة، بدعوى عدم وجود أدلة على تلك الاتهامات، علماً بأنّ الواقعة المُرواة عن الاغتصاب وقعت قبل 9 سنوات، حيث تمّ استدراج الضحية، وفق الشهادة، إلى إحدى الشقق بدعوى اجتماع عمل، وتعرّضت للاغتصاب. 

كما نفى الصحافي الوقائع عبر صفحته على فيسبوك، وأعلن نيته رفع دعوى قضائية ضدّ المدوّنة، وكلّ من ساهم في "التشهير به". ولم يقدّم بلاغاً حتى الآن.

اقرأ أيضاً: بعد اتهامات الاغتصاب الأخيرة.. حوادث التحرش في مصر إلى أين؟

تستبعد الصحافية المصرية المتخصّصة في ملف المرأة، سمر حسن، أن تقدّم الصحافيتان أيّ بلاغات، حتى بعد إقرار القانون الأخير، تقول لـ"حفريات": المدوّنة التي ظهرت فجأة، ولا نعلم بالضبط من خلفها، هدفها إتاحة فرصة للناجيات والمتعافيات من آثار تلك الوقائع الحديث عنها في إطار من السرّية التامة، حتى أننا في الوسط الصحافي، الذي عادة ما يعرف أعضاؤه بعضهم بعضاً، فشلنا في معرفة أو التنبّؤ بشخصية الفتاتين. 

تقف عقبة إثبات تعرّض الفتيات للتحرّش أو الاغتصاب، حائلاً دون إقدام غالبية الضحايا بتقديم بلاغات

وتشير سمر إلى أنّ تحقيق اختراق حقيقي في مجال مكافحة الجرائم الجنسية في مصر يحتاج سنوات، غير أنّ تلك المدوّنات دعمت "سلطة السوشيال ميديا" القادرة على إيقاع عقوبة على المتحرّشين، دون الخضوع لمخاطر التشهير بالضحايا أو تعرّضهن للوصم. 

نتائج مبشّرة

وقد شجّعت حملات الإفصاح عن وقائع التحرّش الجنسي، التي انطلقت عبر هاشتاغ "#أحمد_بسام_زكي_متحرّش"، منذ أسابيع، وما صاحبها من حراك لمنظمات مدنية، في مقدّمتها المجلس القومي للمرأة، الذي ناشد الضحايا بتقديم بلاغات، وتعهّد بمساعدتهنّ في سرّية تامة، شجّعت على ارتفاع عدد البلاغات المقدّمة إلى المجلس في ذلك النوع من الجرائم. 

وكانت النيابة العامة قد أوقفت زكي في 4 تموز (يوليو) الماضي، بعد نشر شهادات عدّة عبر الهاشتاغ تفيد بتحرّشه بفتيات عدّة، وما زال قيد التحقيق، بعد اعترافه بارتكابه عدّة وقائع. 

وكشف بيان للمجلس القومي للمرأة أنّ المجلس تلقى 149 شكوى من فتيات تعرّضن للتحرّش والابتزاز الجنسي، ويرغبن في تقديم بلاغات، حتى 3 آب (أغسطس) الجاري. 

الصفحة الرئيسية