
بالرغم من أنّ غالبية التسريبات العلنية، بما فيها الواردة في تقارير كبريات الصحف الأمريكية والبريطانية، لا ترتقي إلى درجة وصفها بالحقائق المؤكدة، حول احتمالات توقف الحرب بين إسرائيل وحماس، إلا أنّ الأيام الأخيرة شهدت تطورات في مواقف الأطراف الفاعلة في هذه الحرب تزداد معها احتمالات توقف هذه الحرب، على الأقل بصورتها الحالية، سواء في قطاع غزة، أو على مستوى تلك الاشتباكات "المحدودة" بين إسرائيل ومحور المقاومة ممثلاً بحزب الله اللبناني، والهجمات التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية ضد إسرائيل في مراحل سابقة من الحرب، بالإضافة إلى إعلانات صادرة عن المقاومة الإسلامية في العراق وميليشيات إيرانية في سوريا، تتضمن مزاعم بضرب أهداف إسرائيلية في حيفا، وإيلات على البحر الأحمر.
مؤشرات احتمالات توقف الحرب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتحولات المواقف الإسرائيلية، بما فيها من انقسامات واختلافات، ومواقف الإدارة الأمريكية
صحيح أنّ مؤشرات احتمالات توقف الحرب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتحولات المواقف الإسرائيلية، بما فيها من انقسامات واختلافات، ومواقف الإدارة الأمريكية وضغوطات مقارباتها بالدفاع عن إسرائيل ودعمها سياسياً وعسكرياً، وضغوطات بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالتزامن معالجة الخلافات مع الحكومة اليمينية الحالية التي تضم متطرفين، بالإضافة إلى أدوار الدول العربية الفاعلة بالملفات الفلسطينية "مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، وقطر"، إلا أنّ الطرف الثالث "الحاضر الغائب" مع أمريكا وإسرائيل في تفاصيل هذه الحرب هو إيران، ويبدو أنّ تفاهمات تم إنجازها بين واشنطن وطهران، ربما لا ترتقي إلى وصفها بصفقة متكاملة، ومن بين أبرز تلك المؤشرات:
أوّلاً: توجهات نتنياهو للإعلان عن قرب توقف عمليات الجيش الإسرائيلي في رفح، والانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تعني استمرار الحرب بالاستناد لمعلومات استخباراتية عن نشاط حماس، على مستوى القيادات العسكرية ومراكز القيادة والتسليح، ويكتسب الإعلان عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة أهمية لكونه يصدر عن نتنياهو، وهو ما يعني توافقه مع المعارضة في الجيش والأجهزة الأمنية، بعد اجتماعات عقدها نتنياهو مع وزير الدفاع وقائد الجيش بالإضافة إلى قادة القوات الجوية والقيادة الجنوبية والعمليات والاستخبارات والعمليات والأنشطة الحكومية في المناطق والقوات البرية في جيش الدفاع الإسرائيلي، وبالتزامن يأتي الإعلان الإسرائيلي المتوقع حول رفح، بعد خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية وتهديدات "بن غفير وسموريتش" بالانسحاب من الحكومة، وبعد عودة وزير الدفاع الإسرائيلي من واشنطن، وتصريحاته حول عدم رغبة إسرائيل بإنهاء تهديد حزب الله عبر الحرب، والإفراج عن بعض المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، بالتزامن مع تكثيف تصريحات إسرائيلية حول إنجازات تحققت في الحرب بتفكيك حماس وإنهاكها.
ثانياً: الإعلان وبصورة مفاجئة عن عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول إعادة إعمار قطاع غزة، والتي تشير تقديرات إلى أنّها تحتاج لحوالي (50) مليار دولار، ورغم الخلافات داخل مجلس الأمن وفشله في التوصل إلى قرارات حول وقف الحرب والهدنة الإنسانية والإغاثة لسكان غزة، إلا أنّ عقد جلسة مخصصة لإعادة الإعمار غير معزولة عن سياقات مؤشرات أوّلية لوقف الحرب، رغم ما يكتنف هذا العنوان من تفاصيل كثيرة، من بينها اعتراض الجمهوريين في أمريكا على أيّ عمليات تمويل لإعادة إعمار غزة، فيما اشترطت دول عربية كالسعودية والإمارات، في وقت سابق، تمويل مشاريع إعادة إعمار غزة بحل سياسي يفضي إلى دولة فلسطينية بقيادة السلطة الفلسطينية، وبالمقابل تصر حركة حماس على الإشراف على إعادة إعمار غزة، وبما يثبت استمرار سلطتها وأنّها لم تخسر الحرب، ويتردد عبر تسريبات أنّ هذا أحد شروط حماس السرّية في مفاوضات صفقة إطلاق سراح الرهائن وما بعدها.
المنطقة أمام إرهاصات تشير لاحتمالات قوية بتوقف الحرب في غزة بصورتها الحالية على الأقل
ثالثاً: وبعيداً عن الخطاب الإعلامي الإيراني الثوري الذي يصدره الحرس الثوري الإيراني تجاه إسرائيل، والتحذير من توسع حرب غزة إلى حرب إقليمية شاملة، فإنّ تطورين بارزين شهدتهما جبهات المقاومة؛ الأوّل: رفع الجامعة العربية حزب الله اللبناني من قائمة الإرهاب، ومن المؤكد أنّ قراراً بهذا الحجم لم يكن بعيداً عن مراكز القوى العربية في الجامعة العربية، وربما كان مطلباً إيرانياً، والثاني عودة المفاوضات الخاصة بإطلاق سراح الأسرى بين الحوثيين والحكومة الشرعية في اليمن، وتكمن أهمية هذه الجولة من المفاوضات في أنّ ليندركينغ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، سيقوم بزيارة إلى السعودية لمناقشة الجهود المبذولة لوقف هجمات الحوثيين المتهورة.
وفي الخلاصة؛ فإنّه وبالرغم من كون هذه التطورات ما زالت في إطار كونها مؤشرات أوّلية وفقاً لمعلومات تتداولها الوسائط الإعلامية، إلا أنّ ذلك لا ينفي أنّ المنطقة أمام إرهاصات تشير إلى احتمالات قوية بتوقف الحرب في غزة، على الأقل بصورتها الحالية، لكنّ الأهم من ذلك، أنّه إذا كانت إسرائيل قد قبلت بالمقاربات الأمريكية حول حرب غزة والانتقال إلى المرحلة الثالثة "العمليات النوعية"، لأسباب مرتبطة بالخلافات داخل إسرائيل ومع واشنطن التي تضغط لتبريد الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، فإنّ السؤال يبقى مطروحاً فيما إذا كانت كل هذه التطورات لسحب البساط من تحت أقدام طهران، أم أنّها ترجمة لـ "تفاهم" بين واشنطن وطهران، وهل هناك بنود سرّية في هذه التفاهمات حول ملفات الخلاف مع واشنطن، وفي مقدمتها الملف النووي والإفراج عن مزيد من الأموال الإيرانية المحتجزة بفعل العقوبات؟