هل أدرك العرب لعبة واشنطن وإسرائيل مع الممانعة؟

هل أدرك العرب لعبة واشنطن وإسرائيل مع الممانعة؟

هل أدرك العرب لعبة واشنطن وإسرائيل مع الممانعة؟


28/05/2023

تتعزز يوماً بعد يوم مقاربة تتضمن شكوكاً عميقة تتسع دوائرها ومداراتها حول حقيقة الصراع بين إيران ومعها جبهة الممانعة الإسلامية والعربية التي تقودها طهران من جهة، مع تحالف غربي تقوده أمريكا وأوروبا ورأس الحربة فيه إسرائيل من جهة أخرى، وربما ليس من المبالغة القول إنّ هذه المقاربة لم تعد محصورة في أوساط الرأي العام العربي بمستويات القيادات والنخب ومراكز التفكير الاستراتيجي، أو المستويات الشعبية فحسب؛ بل إنّها قائمة في أوساط القرار العربي الرسمي بمستوياته؛ السياسية والأمنية.

مسوغات مثل هذه المقاربة يدعمها العديد من الأدلة والشواهد التي تعبّر عنها مواقف أمريكية وأخرى إسرائيلية، تقابلها مواقف إيرانية، تؤكد في مجملها أنّ هناك "توافقاً"، إن لم يكن اتفاقاً، على إدارة "الصراع" بوصفه أزمة يمكن إدارتها، وليس حلّها، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية لإيران في لعب دور إقليمي، على غرار الدور الذي كانت تمارسه "إمبراطورية الشاه"، بوصفها عنواناً لخطر داهم وتهديد قائم، فيما أمريكا ومعها أوروبا وإسرائيل جبهة واسعة تمتلك قدرات جبارة "اقتصادية وعسكرية وسياسية" تستطيع حماية الدول العربية، وخاصة الخليج العربي من هذا الخطر الداهم.

آخر تلك الأدلة والشواهد إعلانات وتصريحات متبادلة من قبل الطرفين اتخذت مسارات تصعيد عالية، سرعان ما تهاوت إلى الدرجة التي ظهر فيها الطرفان بأنّ خلافاتهما محدودة، وأنّ إمكانية الوصول إلى قواسم مشتركة بينهما تنتج "تسويات" تبدو هي الأقرب، وتقع في باب السيناريوهات الأكثر ترجيحاً من الذهاب إلى المواجهة.

إيران في خطوة تصعيدية أعلنت عن صاروخها البالستي الجديد "خيبر"

إيران في خطوة تصعيدية أعلنت عن صاروخها البالستي الجديد "خيبر"، وبمدى يتجاوز (2000) كم، وحمولة تبلغ حوالي (1500) كيلوغرام من المتفجرات، مع إمكانية التحكم بالصاروخ عن بُعد، وكان واضحاً أنّ هذا الصاروخ رسالة موجهة لإسرائيل، بإمكانيات إيران وقدراتها الصاروخية، وجاء الإعلان عن هذا الصاروخ بعد يومين من استعراض عسكري لحزب الله، أعلن خلاله نائب الأمين العام لحزب الله (نعيم قاسم) بأنّ ما لم يعلن عنه الحزب من "صواريخ دقيقة" أكبر بكثير ممّا تم الإعلان عنه وكشفه.

التصعيد المتبادل بين إيران والممانعة من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، أصبح من وجهة نظر أوساط عربية وأجنبية أقرب إلى "لعبة مكشوفة" متكررة تتضح حدودها وتوقيتاتها يوماً بعد يوم

بالتزامن مع الصواريخ الإيرانية القادرة على الوصول إلى إسرائيل، وصواريخ حزب الله الدقيقة التي لم يتم الكشف عنها، يكشف وزير الخارجية الإيراني عن مساعي دولية لصيغة  "نص اتفاق نووي"، وأنّه تم إحراز تقدم في المفاوضات "يبدو مع واشنطن" التي تجري عبر وسطاء في "النمسا، قطر، سلطنة عمان"، ويتم الإعلان عن نجاح مسقط في صفقة تبادل مساجين بين إيران وبلجيكا، وبمناسبة "عيد المقاومة والتحرير" يقدم زعيم حزب الله خطاباً يعلن فيه تحقيق الانتصار، والمحطات التاريخية لهذا الانتصار منذ إطلاق المقاومة حتى اليوم، في إشارة إلى نهاية الحرب مع إسرائيل، رغم تحذيراته لتل أبيب من مغبة أخطاء في التقدير فتذهب الأمور إلى حرب كبرى تهدد إسرائيل وجوديّاً.

بالمقابل، وبعد تصريحات إسرائيلية متشددة بأنّها ستقوم بضرب إيران في حال وصلت بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة الـ "90%" المطلوبة لإنتاج سلاح نووي، وأنّ الاستعدادات لهذه الضربة تم استكمالها وأصبحت وشيكة، بالتزامن مع تصعيد أمريكي عبر إرسال المزيد من البوارج البحرية وحاملات الطائرات العسكرية إلى منطقة الخليج، جاءت تصريحات عسكرية إسرائيلية لتؤكد "أنّ الجيش الإسرائيلي ليس بصدد شن حرب على لبنان أو ضرب المنشآت النووية الإيرانية"، وأنّ تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش هاليفي في مؤتمر هرتسليا "جاءت ضمن السياسة الإسرائيلية الأمنية العامة تجاه طهران".

التصعيد المتبادل بين إيران والممانعة من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، أصبح من وجهة نظر أوساط عربية وأجنبية أقرب إلى "لعبة مكشوفة" متكررة تتضح حدودها وتوقيتاتها يوماً بعد يوم، فكلا الطرفين يمارسان ما يُعرف بالعصا والجزرة، رغم أنّها مقاربة لا تبدو معها إيران بموقع يؤهلها لعرض العصا والجزرة، كما هو الحال مع خصومها المفترضين.

سيبقى هذا الإدراك العربي الجديد عرضة للتشكيك من قبل إيران وخصومها، رغم أنّ معايير نجاحه أو إفشاله ستبقى مرتبطة بإيران بالدرجة الأولى، ومدى التزامها بتعهداتها الخاصة بالتدخل في شؤون غيرها في المنطقة العربية

المصالحات الخليجية، وعلى رأسها المصالحة بين السعودية وإيران والتي تمّت برعاية صينية، تؤكد أنّ هناك إدراكاً عربياً لحدود الخلاف والتنافس بين إيران والممانعة مع أمريكا وإسرائيل، وأنّ الدول العربية غادرت مع هذا الإدراك مربع صفة "الورقة" التي يتم استخدامها من قبل إيران وخصومها "أمريكا وإسرائيل"، ولسان حالها يقول اليوم لأمريكا: نحن أحرار في عقد صفقات شراء أسلحة من الشرق ومن الغرب ومن أوروبا، ورسالة لإيران تقول: نحن جيرانكم ولسنا طرفاً في خلافاتكم مع أمريكا والغرب.

 ومع ذلك، سيبقى هذا الإدراك العربي الجديد عرضة للتشكيك من قبل إيران وخصومها، رغم أنّ معايير نجاحه أو إفشاله ستبقى مرتبطة بإيران بالدرجة الأولى، ومدى التزامها بتعهداتها الخاصة بالتدخل في شؤون غيرها في المنطقة العربية، عبر ميليشيات ثبت أنّها لا تقاتل جيوش الشيطان الأكبر ولا الشيطان الأصغر، بل توجه رصاصها للعرب والمسلمين في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية