هل أخطأ الحريري في قرار مقاطعة الانتخابات اللبنانية؟

هل أخطأ الحريري في قرار مقاطعة الانتخابات اللبنانية؟


27/03/2022

يشتعل الاختلاف حول قرار رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، مقاطعة الترشح والمشاركة في الانتخابات النيابية، المزمع عقدها في أيار (مايو) المقبل، وإثر ذلك تقدّم عددٌ من قيادات التيار بالاستقالة، ويحاول آخرون من الكتلة السنّية ملء الفراغ الذي حدث بقرار الحريري.

وغير خافٍ أنّ هناك أسباباً شخصية وراء القرار، كما أعلن الحريري نفسه في تصريحاته، ومن جانب آخر فقد تعرض الرجل لحملات تشكيك وتكالب من الداخل والخارج، جعلته ينأى بنفسه عن معترك لا يجلب عليه سوى الضرر.

اقرأ أيضاً: بعد الـ 100 ألف مقاتل.. حزب الله يحوّل لبنان لمصنع للصواريخ الدقيقة

ومن المؤكد أنّ الحريري أدرك أنّ خروجه من المعادلة السياسية هو الأنسب للجميع، في ظلّ هيمنة المحاور الإقليمية بصراعاتها الصفرية على لبنان، ورغم ذلك يرى آخرون أنّه لا يصلح للمواجهة، وليس الرجل المنشود في ظل هذه الظروف.

الانتخابات النيابية

وأعلنت وزارة الداخلية والبلديات إغلاق باب الترشح في الانتخابات النيابية العامة، وقد بلغ عدد المرشحين 1043 مرشحاً، بينهم 155 مرشحةً. وتجدر الإشارة إلى أنّ مهلة تقديم تصاريح الرجوع عن الترشيح تنتهي في الثلاثين من الشهر الجاري، كما تنتهي مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية في الرابع من الشهر المقبل.

انتهت عملية الترشح للانتخابات النيابية

وتشهد هذه الانتخابات غياب تيار المستقبل ومعظم رموزه من النواب، بعد قرار رئيس التيار "عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأيّة ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار"، وذلك في 24 كانون الثاني (يناير) الماضي.

وفي معرض توضيحه، كتب الحريري عبر "تويتر": "من باب تحمل المسؤولية أيضاً، ولأنني مقتنع بأنّه لا مجال لأيّة فرصة إيجابية للبنان في ظلّ النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولاً، تعليق العمل بالحياة السياسية  ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها".

من خلال قراءة تصريحات الحريري حول قرار المقاطعة السياسية يتضح أنّ الهمّ الشخصي كان حاضراً بقوةٍ في اتخاذ القرار، خصوصاً حين تحدث عن خسارته لجزءٍ كبير من ثروته

وبينما عزف الحريري وتيار المستقبل عن الترشح، بادر العديد من الفاعلين في التيار إلى الاستقالة، والترشح بشكل مستقل على المقاعد السنّية. وتشهد هذه الأيام، حتى تاريخ الإعلان عن اللوائح الانتخابية، العديد من المشاورات بين المرشحين السنّة للاتفاق على لوائح مشتركة، وكذا مع قوى أخرى لتشكيل اللوائح.

مقاطعة الحريري

وتلقي مقاطعة الحريري وتيار المستقبل عبئاً كبيراً على المرشحين السنّة للحفاظ على كتلة سنّية مستقلة داخل البرلمان، والحيلولة دون اختراق حزب الله للمرشحين السنّة، ويرى ساسة لبنانيون أنّ عزوف الحريري يعني ترك الساحة لحزب الله، بما لديه من وجود داخل الطائفة السنّية.

 

اقرأ أيضاً: هل يعرقل سلاح حزب الله التقارب الخليجي اللبناني مجدداً؟

وحول قرار الحريري، يقول الكاتب والباحث السياسي اللبناني، عاصم عبد الرحمن: "لا شكّ في أنّ الرئيس سعد الحريري يملك من المعطيات ما لا يملكها أحدٌ، مهما تكهّن حول الأسباب التي أدّت إلى عزوفه وتياره السياسي عن المشاركة في الانتخابات النيابية، ترشحاً واقتراعاً، تاركاً الخيار لمن يرغب في الترشح أو العمل الانتخابي أن يتقدم باستقالته من التيار، وهو ما ترجمه نواب المستقبل الذين أعلنوا عزوفهم عن الترشح تباعاً في مقابل قلة من أعضائه قرروا خوض الانتخابات أو الانخراط في الماكينات الانتخابية".

عاصم عبد الرحمن: حزب الله بات يُحكم سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية

وتابع عبد الرحمن لـ "حفريات": "إنّ من شأن هذا العزوف أن يبعث برسالة مفادها أنّ حزب الله بات يحكم سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية ككل، وأنّ لبنان بات في حاجةٍ ماسة إلى مدّ يد العون العربي والخليجي لمساندة القوى السيادية في مواجهة قوى السلاح غير الشرعي، وأنّ الوضع القائم هو أحوج ما يكون إلى دعم دولي يلملم بقايا الدولة اللبنانية المهددة بالزوال نتيجة الهجمة التي تشنها إيران في المنطقة".

 

اقرأ أيضاً: هذا أخطر أسلحة ميليشيا "حزب الله"

ومقابل ذلك، لا يتفق البرلماني السابق، ونائب رئيس تيار المستقبل السابق، مصطفى علوش، مع قرار الحريري بالعزوف: "لبنان أولاً، وما حدا أكبر من بلده، ومع الكثيرين من الرفاق نرى أنّه إذا تركنا الساحة معناها أمرين؛ إما نجاح التافهين والممولين، أو فوز موالين لحزب الله داخل الكتلة السنّية، سواء ترشحوا كمستقلين أو على لوائح الحزب".

وأفاد علوش لـ "حفريات": "قرار العزوف فتح المجال أمام حزب الله ليحصل على مقاعد مؤيدة داخل السنّة، لترتفع حصيلته من 6 مقاعد إلى 11 مقعداً تقريباً. وبهذا سيحصد الحزب ثلثي المقاعد في البرلمان، أي الأكثرية التي ستجعله يتحكم في كافة مؤسسات الدولة، سواء في الجيش والدرك والأمن العام والمخابرات ورئاسة الحكومة، بل وربما دار الإفتاء السنّية، ولهذا القضية ليست بسيطة، والمواجهة والمقاومة هي واجب".

هل يتأثر السنّة؟

وتقدم العشرات للترشح على المقاعد السنية، التي تبلغ 27 مقعداً من حصة النصف للمسلمين، بمختلف طوائفهم، وهي 64 مقعداً، ومثلهم للمسيحيين، بمختلف طوائفهم، ليكون عدد مقاعد مجلس النواب 128 مقعداً.

د. علوش: العزوف يعني التحوّل لمعارضة صوتية

ويرى عبد الرحمن؛ أنّ "قوى عديدة تراهن على شغل المقاعد النيابية التي سيتركها الحريريون، ومع إقفال باب الترشح برز عددٌ كبير من المرشحين السنّة، الذين باتوا يشعرون بسهولة المعركة الانتخابية بغياب الفريق الأقوى سنياً ووطنياً".

البرلماني اللبناني السابق مصطفى علوش لـ "حفريات": إذا تركنا الساحة معناها أمرين؛ إما نجاح التافهين والممولين، أو فوز موالين لحزب الله داخل الكتلة السنّية

وأضاف: "يراهنون على انخفاض الحاصل الانتخابي نتيجة إتجاه أكثرية جمهور تيار المستقبل إلى مقاطعة الانتخابات أو التصويت بورقة بيضاء، تقاطعاً مع غياب مرشحي تيار المستقبل، إلا أنّه يُخشى ملء هذه المقاعد من قبل مرشحي حزب الله من الطائفة السنّية أو حلفائهم، ككتلة اللقاء التشاوري والأحباش، بالاضافة إلى بعض حلفاء سوريا".

وأعلن نائب رئيس تيار المستقبل السابق، مصطفى علوش، ترشحه للانتخابات البرلمانية، وقال لـ "حفريات": "هناك حدّ أدنى من الديمقراطية في لبنان، والعزوف يعني التحوّل لمعارضةٍ صوتية، يتحمّلها حزب الله، وربما بعد ذلك نجد من يعارض الحزب يُوصف بالخيانة وفق القانون، بعد أن يسيطر الحزب على الأكثرية".

 

اقرأ أيضاً: ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟

ومن خلال قراءة تصريحات الحريري حول قرار المقاطعة السياسية، يتضح أنّ الهمّ الشخصي كان حاضراً بقوةٍ في اتخاذ القرار؛ خصوصاً حين تحدث عن خسارته لجزءٍ كبير من ثروته وعلاقاته الطيبة بأصدقاء خارج لبنان، كما أنّ قرار العزوف لن يعيق العملية الانتخابية، ولن يشكّك في مصداقيتها، في ظلّ تبني الدول الغربية والأمم المتحدة خيار الانتخابات في لبنان. إلى جانب أنّه كشف غياب التنسيق الداخلي في تيار المستقبل، وهي أزمة كان على الحريري علاجها، إلى جانب حلّ مشكلة تراجع كتلته الناخبة في الانتخابات الأخيرة.

رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لن يترشح للانتخابات

ومن الصعب تعويض غياب التيار انتخابياً، ومن المرجح أنّ تزيد عدد المقاعد التي ستذهب لحزب الله من الكتلة السنّية، وهو ما يعني إضعاف مكانة رئاسة الوزراء التي هي من نصيب السنّة، سواء في اختيار رئيس للحكومة موالٍ للحزب، أو حتى داخل مجلس الوزراء، وهو الحاصل في البلاد في ظلّ مشاركة تيار المستقبل في الحياة السياسية، ما يعني أنّ الضغط سيزيد بغيابه.

ما بعد المقاطعة

ولم يكن قرار الحريري بعيداً عن ضغوط خليجية عليه، والتي تدفعه نحو مواقف أشدّ حزماً تجاه حزب الله، بينما اختار الحريري خيارات أقل حدةٍ، وكان من بينها تقديم تنازل لصالح اختيار الرئيس ميشال عون، والذي ثبت أنّه لم يكن بالخيار الصحيح، بعد أن بات من ألد أعداء الحريري، وأشد الداعمين لحزب الله.

وفي حديثه، أشار الباحث عبد الرحمن إلى أنّ قرار الحريري حمل رسالةً إلى الخليج: "إذا كانت بعض الدول العربية والخليجية تريد مواجهة حزب الله برلمانياً من خلال فوز كتلة نيابية سنّية وازنة مناهضة له، فها هي بحجبها للدعم والمساندة عن هذه القوى السنية السيادية والعروبية تؤمن وصول قوى حليفة ومؤيدة للمشروع الإيراني في المنطقة على طبق من ذهب".

 

اقرأ أيضاً: هل بات "حزب الله" عبئاً على حلفائه

ومن زاويةٍ أخرى، تحدث نائب رئيس تيار المستقبل السابق عن مخاوفه من تأثير قرار الحريري على التيار، إذا ما قرر العودة للحياة السياسية، وقال: "تيار المستقبل هو فكرة وبناء قائم على الديمقراطية، والسعي للإصلاح من داخل المنظومة السياسية، وعدم المشاركة تعني فقدان روح الاستمرار والنضال".

ويشهد لبنان ثلاثة استحقاقات انتخابية في العام الجاري، والبداية مع الانتخابات النيابية، ثم البلدية، وانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس عون الذي تنتهي مدته الرسمية هذا العام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية