هكذا تغذي الانتخابات الأمريكية أوهام جماعة الإخوان

هكذا تغذي الانتخابات الأمريكية أوهام جماعة الإخوان


03/11/2020

يمثل الدعم الهائل الذي يقدمه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة على قوائم الإرهاب، في عدد من البلدان العربية، إلى جانب المنظمات والجمعيات السياسية المدعومة منها، وضعاً كاشفاً لطبيعة التحركات التكتيكية التي تمارسها بعقل ذرائعي، لجهة استعادة الفرص الضائعة من الإسلام السياسي بالمنطقة، بعدما تم استئصال نفوذه، السياسي والاجتماعي، ومن ثم، رفض ممارساته السلطوية والأيدولوجية.

مآلات الانتخابات الأمريكية

دعم المرشح لرئاسة الولايات المتحدة، جو بايدن، من جانب التيار الإسلامي، وفي مقدمته، جماعة الإخوان، يقابله على الجانب الآخر، خطاب متعاطف، أحياناً، ومتحمس، أحياناً أخرى، من جانب بايدن لهم، على المستويين الأيديولوجي والسياسي، والأمر ذاته، بالنسبة لتحركاته التي يستهدف من خلالها الالتقاء بعدد من رموزهم، والحضور لمقار منظماتهم الإسلامية، الأمر الذي يبرز سيناريوهات متباينة لما ستكون عليها سياسات واشنطن المتوقعة، باتجاه الشرق الأوسط، من ناحية، ووضع المنظمات الإسلاموية على خريطة الحركات السياسية والمجتمعية بالإقليم، من ناحية أخرى.

يمثل بايدن الاتجاه التقليدي للديمقراطيين في ما يخص رؤيتهم السياسية للولايات المتحدة، سواء الداخلية أو الخارجية، لاسيما وأنّه تولى رئاسة مجلس الشيوخ الأمريكي، لعدة سنوات، بيد أنّ اصطفاف الديمقراطيين معه لا يبدو متجانساً، في ظل التناقضات العديدة مع التيار اليساري بداخل الحزب، حول مجموعة من القضايا مثل؛ الرعاية الصحية، والمهاجرين، والضرائب، والمثلية.

اقرأ أيضاً: هل جعل الإخوان التحشيد لانتخاب بايدن من أركان الإسلام؟

 وعليه، فإنّ المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة أمام الرئيس الأمريكي ترامب، تكشف جملة مواقفه السياسية، جانباً مما قد يخطوه في المستقبل؛ إذ كان أحد الذين دعموا الحرب الأنجلو أمريكية، في العام 2003، ضد العراق، كما كان من المتحمسين لتدخل حلف الناتو في حرب البلقان، وروّج لفكرة تقسيم العراق لثلاث دول، كردية، سنية، شيعية، وذلك على أساس طائفي وقومي.

المرشح جو بايدن طالبَ أمام حشود من المهاجرين العرب والمسلمين في إحدى الولايات الأمريكية، بوضع التاريخ الإسلامي ضمن المناهج الأمريكية، وكذا تدريس الدين الإسلامي

وفي ما يخص الملف النووي الإيراني، يعد بايدن أحد المؤيدين للوصول لاتفاق نووي مع طهران، لكن في بعض المواقف الأخرى، يغلب عليه التردد أو التحفظ، مثلما جرى مع أحداث ما عرف بـ"الربيع العربي"، بخاصة في القاهرة، وكذا موقفه من الصين وروسيا؛ فالأخيرة، لم تتلاشَ الخطوط الرمادية عن مواقفه بخصوصها إلا حين قامت موسكو بغزو جزيرة القرم، في أوكرانيا، وعارض التدخل العسكري، ويمتد الخط على استقامته في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، الذي سبق وأن عارض ضم القدس ثم ما لبث وتراجع عنه؛ إذ أعلن التزامه بالموقف النهائي والأخير، المتمثل في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي ترتب عليه نقل السفارة الأمريكية إليها.

الإخوان وبايدن.. الأهداف والمصالح

في المؤتمر السنوي السابع والخمسين للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية "إسنا"، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، قام بايدن بتقديم كلمة ضمن الحضور والمشاركين؛ حيث تعد المرة الأولى، التي يقوم مرشح رئاسي بأمريكا بحضور فاعلية في جمعية إسلامية، والمشاركة بخطاب، كما أنه سبق وطالب أمام حشود من المهاجرين العرب والمسلمين في إحدى الولايات الأمريكية، بوضع التاريخ الإسلامي ضمن المناهج الأمريكية، وكذا تدريس الدين الإسلامي.

وبينما ترجع علاقة بايدن مع المنظمة الإسلامية "إسنا"، إلى العام 2013، حين التقى برئيس المنظمة، الإمام محمد ماجد، بهدف مناقشة تنامي العمليات العسكرية التي تنفذها حركة حماس، إلا أنّه تقدم بالثناء والشكر أثناء كلمته في المؤتمر السنوي للمنظمة، واعتبرها منصة للتفاهم والاقتراب بين المسلمين داخل الولايات الأمريكية، كما وعد، في حال فوزه، بأن تضم إدارته أمريكيين مسلميين، في عدد من المناصب.

اقرأ أيضاً: الإخوان في أمريكا... علاقات تاريخية ومستقبل مجهول

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير السفير المصري السابق، ومنسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، محمد أنيس، إلى أنّه مع اقتراب لحظة الحقيقة، يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي هو يوم التصويت على اختيار عدد من المسؤولين البرلمانيين الأمريكيين، أهمهم رئيس الولايات المتحدة، ونائبه، فإنّ العالم يبدو منشغلاً بمحاولة اسشراف التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية الأمريكية، سواء استمر الرئيس الحالي، أو جاء جو بايدن، لاسيما وأنّ سياسة ترامب اتسمت برؤية راديكالية، تمثلت في مواقفه من إيران، وكذا باتجاه عدد من الاتفاقيات الدولية، والمنظمات الأممية، مثل قضية المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج العمل المشترك مع إيران؛ الأمر الذي يجعل التوقعات تذهب إلى أنّ بايدن سيحدث مراجعات عنيفة إزاء توجهات وسياسات سلفه الخارجية.

السياسة الأمريكية.. الثوابت والمتغيرات

ويضيف السفير المصري، أنّ ترامب اتجه في سياساته ومقارباته بخصوص الشرق الأوسط، على اعتبار أنّ إيران تمثل التهديد الأكبر، سواء بالنسبة للمصالح الأمريكية أو مصالح الدول الحليفة، ومن ثم، عمد إلى مواجهتها بالعقوبات والضغوطات الاقتصادية، وتقليص وإبطاء حركة التطبيع بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي، كما عبّرت الولايات المتحدة، أكثر من مرة، خلال العقود الأربعة الماضية، عن التزامها بأمن الخليج العربي، وقد شجع ترامب بيع الأسلحة الأمريكية لدول الخليج، وحثها على تجاوز خلافاتها، بهدف تعزيز آليات التعاون الإستراتيجي مع الدول بالمنطقة.

وبحسب أنيس، فإنّ توجهات بايدن تشير إلى جملة من الملامح الصريحة والواضحة في ما يخص السياسة الخارجية، وتتجه نحو إعادة التركيز على دور الولايات المتحدة المركزي والمؤثر؛ حيث سيقوم بإعادة واشنطن لإتفاقية باريس للمناخ، والأمر ذاته بالنسبة للمنظمات الدولية التي انسحب منها ترامب، وتصحيح العلاقات المتوترة مع الحلفاء في حلف الناتو، ويتوقع أن يخفف من حدة الضغوطات الأمريكية باتجاه طهران، ويفتح باب الحوار والتفاوض معها، وذلك في مقابل، إجراء بعض التعديلات على برنامج الصواريخ النووية، وتقليص تدخلاتها بالمنطقة ودول الإقليم.

السفير المصري السابق محمد أنيس لـ"حفريات": ترامب اتجه في سياساته ومقارباته بخصوص الشرق الأوسط، على اعتبار أنّ إيران تمثل التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية أو للدول الحليفة

ويلفت المصدر ذاته، إلى أنّ علاقة القاهرة وواشنطن تحددها عدة عوامل؛ تبلورت على مدى أربعين سنة، منذ توقيع معاهد السلام، وتدفق نحو 80 مليون دولار كمساعدات أمريكية لمصر، معظمها في المجال العسكري، ووجود استثمارات أمريكية في مصر، بلغت محو 2 مليار دولار، فضلاً عن معادل تبادل تجاري سنوي بلغ 7.8 مليار دولار، العام 2019؛ إذ نجح الطرفان في إدارة هذه الأمور لصالح أهدافهما المشتركة، رغم بعض الخلافات حول عدد من الملفات. وبصفة عامة، تميزت العلاقات المصرية الأمريكية بالروح الإيجابية بين السيسي وترامب، حيث عبّر الأخير عن إعجابه بالموقف الرسمي المصري باتجاه محاربة الإرهاب، ونبذ التشدد الديني، والدفاع عن التعددية الدينية، والنهوض بحقوق المرأة، ومن جانبها، قامت الإدارة الأمريكية بدور إيجابي، بخصوص إيجاد حل لمشكلة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، كما فرضت عقوبات على أديس أبابا، وفي المحصلة، فإنّ ما يحكم العلاقات المصرية الأمريكية هي معادلات إستراتيجية بين الطرفين، وهو ما ينطبق على بايدن، بغض النظر عن مواقفه التي ربما تحكمها الدعاية الانتخابية، وشروطها، لكن السياسات لا تبنى على مواقف أيديولوجية مسبقة، إنما بحقائق القوة على أرض الواقع، وضرورات المصالح في المنطقة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية