هذه هي مسارح عمليات داعش.. ماذا عن مستقبلها؟

تنوّع تهديد داعش بوتيرة متزايدة وصار أكثر انتشاراً جغرافياً، خصوصاً في أعقاب نهاية التنظيم في سوريا والعراق. وظل تكرار العمليات الإرهابية يتأرجح بين هبوط وارتفاع.

وتضمنت المخططات الإرهابية الواسعة شبكات معقّدة من النشطاء، وأصبحت إدارة التنظيم خلال العامين الأخيرين لامركزية، وتعتمد على خلافة سيبرانية، تزايد فيها استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر الدعاية والتحريض، واستخدام منصات رقمية لتجنيد النشطاء الإرهابيين.

ويلاحظ أنّ مسرح عمليات داعش انتقل من منطقة المركز في سوريا والعراق إلى عدة مناطق:

1- جنوب ووسط آسيا 2- الساحل والصحراء الكبرى في أفريقيا  3- غرب أفريقيا

1- جنوب ووسط آسيا: يمثّل داعش في هذه المنطقة فرعُ خراسان، الذي أُعلن عنه يوم 26 كانون الثاني (يناير) 2015، في إصدار بعنوان "قل، موتوا بغيظكم!"، ولا يزال هذا الفرع إلى الآن، حيث في ظروف معينة تمكنوا من تجنيد بعض القيادات الميدانية التي لها خلافات تنظيمية مع طالبان، وشنّوا دعايات تكفيرية، وانضم إليهم عناصر من أقاليم نورستان وكونار وقندهار وخوست وغزني وورداك وهلمند وقندوز ولوجار، ونانجارهار، إضافة إلى العديد من المقاتلين الآخرين من مناطق باجور وأوراكزاي وكورام ووزيرستان وخيبر في باكستان.

ويضم تنظيم "داعش"- ولاية خراسان حوالي 2200 مقاتل مسلح، تتركز أعدادهم في محافظة كونار الجبلية قرب حدود باكستان، وتتألف القوة أيضاً من منشقين عن الجيش الأفغاني ومن مقاتلين أوزبكيين.

وترتبط داعش خراسان بجزء من طالبان الباكستانية، وهناك تداخل بينها وبين بعض المجموعات الموجودة في كراتشي و(عسكر طيبة) جماعة جيش محمد (جيش محمد)، و(حركة الجهاد الإسلامي).

وفي المناطق القبلية بوزيرستان كان يقود مجموعات داعش شهريار خان محسود، وأيضاً في مهمند إيجنسي- وبرز اسم عمر خالد خراساني المسؤول الأمني السابق في حركة طالبان باكستان؛ حيث بايع تنظيم "الدولة الإسلامية" مع عدد من قيادات طالبانية.

مسرح عمليات داعش انتقل من منطقة المركز في سوريا والعراق إلى جنوب ووسط آسيا والساحل والصحراء الكبرى وغرب أفريقيا

كما ينتشر التنظيم في منطقة باجور القبلية المجاورة لولاية كونار الأفغانية، ويوجد القائد الشهير مولوي فقير محمد، وفي منطقة ديره إسماعيل خان ومنطقة لاكي مروات شمال غرب باكستان أعلنت مجموعة جند مبايعتها تنظيم الدولة؛ وهي مجموعة صغيرة منشقة عن طالبان باكستان، وأبلغ ناطقها الرسمي فهد مروت وكالة "رويترز" بالخبر، وتعهد بالعمل تحت إمرة الحركة.

وأصدر داعش بياناً عقب اقتحام طالبان لكابول قال فيه: اليوم الأحداث تعيد نفسها وتُصوّر الخيانة والاستسلام على أنّها نصر وفوز و "إركاع للعدو وترغيم أنوف" في تلبيس خبيث وتزييف من المرتدين، كما أصدر بياناً في صحيفة النبأ هدد فيه بعمليات إرهابية، وعن طريق المؤسسة الخاصة (ترجمان الأساورتي) أصدر فيديو (داعش بين خطتين) اعتبر فيه أنّ طالبان طواغيت وعملاء لأمريكا.

اقرأ أيضاً: "داعش خراسان" يستثمر في الفوضى ويستهدف واشنطن وطالبان

وارتكب داعش عملية إرهابية بشعة بالقرب من مطار كابول عن طريق الانتحاري عبدالرحمن الزاملي، وأصدر بياناً بعنوان "معركة التوحيد في أفغانستان" هدد فيه بالقيام بعمليات مماثلة قريباً ضد المرتدين.

بالنسبة إلى (داعش خراسان) أدت أسباب إلى تضخم أعداده واستمراره، ومنها:

1- شعر البعض بالإحباط لأنّ طالبان كانت تتابع المفاوضات مع الولايات المتحدة، في وقت اعتقدوا فيه أنّ الحركة كانت في طريقها لتحقيق انتصار عسكري، فانشق جزء كبير وانضم للتنظيم.

2- لم يكن لتنظيم داعش، على سبيل المثال، أن يتمكن من تجنيد تلك الأعداد من المقاتلين المحترفين من أصحاب الأفكار المتطرفة، خاصة من عناصر حركة "طالبان"، لولا الانقسامات التي نشبت داخل الحركة وأدت إلى خروج أعداد كبيرة من أعضائها انضموا فيما بعد إلى "ولاية خراسان"، نظراً إلى أنهم كانوا يبحثون عن البديل الأكثر تشدداً، في رؤيتهم، وهو ما جعل التنظيم يعمل على تعميق هذا الانقسام، حتى يتمكن من جذب مجموعات أخرى من عناصر الحركة، على نحو انعكس في ما جاء  في العدد 137 من مجلة "النبأ" "الداعشية"، في حزيران (يونيو) 2018، والذي هاجم فيه الحركة واتهمها بـ"الضلال والابتعاد عن طريق الشريعة"، لقبولها إجراء مفاوضات والتواصل من القوى الدولية، حيث دعا عناصرها إلى الانضمام لـ"ولاية خراسان".

يضم تنظيم داعش- ولاية خراسان حوالي 2200 مقاتل مسلح تتركز أعدادهم في محافظة كونار الجبلية

3- تبنّي داعش في أفغانستان وباكستان دعوة الجهاد العالمي ضد غير المسلمين، في وقت كانت تعبر طالبان في أغلب بياناتها عن تمرد قبلي محلي.

4- نجاح الجهاز الإعلامي لداعش في طرح رؤية أنّ ما يجري في أفغانستان هو عبارة عن استبدال عملاء محليين بعملاء إسلاميين، ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن شويغو قوله خلال مباحثاته مع نظيره الطاجيكي شيرعلي ميرزو، إنّ "تصاعد النشاط الإرهابي في أفغانستان، على خلفية الانسحاب المتسرع للقوات الأجنبية والتدهور السريع للوضع، يتطلب اتخاذ تدابير مناسبة".

اقرأ أيضاً: الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟

وخلص تقرير للأمم المتحدة عنوانه "مراقبة نشاط القاعدة وطالبان"، نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "داعش" في خراسان بدأ يستقطب مقاتلين من 25 ولاية أفغانية من أصل 34 ولاية، وأنّ منطقة وزير ستان الاستراتيجية يمكن أن تتحول إلى مركز الإرهاب في العالم.

2- داعش في غرب أفريقيا: سنجد أنّ بوكو حرام كانت تحاول تمثيل داعش في فترة من الفترات، ووقع تنازع بينها وبين فرع التنظيم بيغرب أفريقيا بقيادة أبو مصعب بروناي، وانتهى الصراع بمقتل أبي بكر شيكاو لينفرد أبو مصعب بقيادة التنظيم.

اقرأ أيضاً: بعد مقتل زعيم بوكو حرام.. هل تتفكك الجماعة الإرهابية؟

وخلال العام الماضي حاول "تنظيم داعش في غرب أفريقيا" الظهور بمظهر الحريص على حياة المدنيين في الكاميرون من خلال مهاجمة الجيش فقط، وهو أمر نراه بالفعل في مناطق أخرى من أجل كسب التعاطف.

وحسب مؤشر الإرهاب العالمي فإنّ التنظيم غيّر في تكتيكاتها المستخدمة في العمليات الإرهابية، فلم يعد يركز – كما في السابق - على التفجيرات، التي شكلت 7% فقط من هجماتها الإرهابية لعام 2020، بل يركز على الهجوم المسلح (40% من هجماته) واحتجاز الرهائن (36%).

لم يتمكن التنظيم من تجنيد تلك الأعداد من المقاتلين المحترفين من "طالبان" لولا الانقسامات التي نشبت داخل الحركة

ويجيء فرع داعش غرب أفريقيا في المرتبة الأولى إرهابياً حيث (أسقط بهجماته 4188 ضحية، والعدد التقريبي لأعضاء التنظيم 3500 إرهابي)، ويستهدف الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر.

3- داعش بالصحراء الكبرى: اتجه تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، الذي يقوده أبو الوليد الصحراوي (قبل مقتله)، إلى توسيع نطاق نشاطه في مناطق مختلفة داخل دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة النيجر، واستند إلى تكتيك الكمائن من خلال زرع متفجرات أو عبر تنفيذ هجمات مباغتة، وهي سياسة كان يعتمدها في شمال سيناء أيضاً.

واتضح في هذه المنطقة تبلور نسخ "داعشية" مستقلة، من أجل تعزيز النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي. ومحاولة تصدر خريطة التنظيمات "الداعشية"، في ظل وجود انقسامات بين التنظيم الرئيسي والفروع، على نحو يزيد من احتمالات اتجاه بعضها إلى الاستقلال عنه.