من تاريخ الجماعة... كيف حاول الإخوان الهيمنة على الجمعيات الأهلية في مصر

من تاريخ الجماعة... كيف حاول الإخوان الهيمنة على الجمعيات الأهلية في مصر

من تاريخ الجماعة... كيف حاول الإخوان الهيمنة على الجمعيات الأهلية في مصر


19/03/2025

في العام 2012 أعلنت السيدة آن باترسون، المرشحة آنذاك سفيرة لأمريكا في القاهرة، أمام الكونجرس الأمريكي، أنّ بلادها ضخت نحو (40) مليون دولار، لمؤسسات أهلية في مصر، منذ ثورة 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011؛ بزعم دعم الديمقراطية، وفي أعقاب ذلك فتحت السلطات المصرية تحقيقات موسعة مع عدد من الأحزاب والمنظمات الأهلية بتهمة تلقي أموال خارج إطار القانون، وبالفعل قُدّم للمحاكمة (43) من العاملين في منظمات غير حكومية، اتُهموا بتلقي تمويلات خارجية غير مشروعة.

القضية فتحت ملف التمويل الأجنبي على مصراعيه، وأكدت تقارير أنّ إجمالي الأموال الخارجية بلغ نحو (797.3) مليون جنيه، من (233) جهة أجنبية مختلفة، تنوعت ما بين منظمات أوروبية وأمريكية ودولية وعربية. 

كان من ضمن المستفيدين جمعية جماعة أنصار السنّة المحمدية، بالحصول على (296) مليون جنيه، ممّا أثار حملة ضدها، وكذلك الجمعية الشرعية.

فعالية بنية الإخوان الاقتصادية 

وعلى العكس، وبالتزامن مع إقدام عدد من الجمعيات الأهلية، ذات التوجه الديني، على الحصول على أموال من الخارج، نجح الإخوان بفضل بنيتهم الاقتصادية، وتمرسهم في توجيه حركة الأوعية المالية والتحكم في مساراتها في الداخل والخارج، من الإفلات من قضية تمويل الجمعيات، رغم ضخامة تلك الأوعية المالية التابعة لهم، وحصولهم على تبرعات في الداخل والخارج، لكنّهم امتلكوا خبرة كبيرة في تمريرها، وتوظيفها لصالح أجندة التنظيم، ومع تفجر القضية حاولت الجماعة بسط سيطرتها على العمل الأهلي في مصر، وتوجيه ضربة لمعارضيها، من خلال طرح مشروع قانون جديد أثار حالة من الجدل.

وقد سعت جماعة الإخوان التي كانت تهيمن على البرلمان آنذاك إلى استغلال أزمة التمويلات، وحاول نواب حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسيّة للجماعة، استغلال الموقف؛ والإطاحة بحكومة كمال الجنزوري التي لم تكن تروقهم، مع العمل على تغيير القوانين من أجل السيطرة على منظمات المجتمع المدني، وتوجيه عملها.

وبالفعل، قدّم حزب العدالة والتنمية مشروع قانون للبرلمان لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، بحجة الرغبة في وضع ضوابط على التمويل الخارجي للجمعيات. لكنّ قرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان عطل المشروع لبعض الوقت، قبل أن يعيد مجلس الشورى الإخواني طرحه من جديد.

سعت جماعة الإخوان التي كانت تهيمن على البرلمان آنذاك إلى استغلال أزمة التمويلات

في 29 أيّار (مايو) 2013 أرسل رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي نص مشروع قانون الجمعيات الأهلية إلى مجلس الشورى؛ تمهيدًا لمناقشته، وزعمت الرئاسة، آنذاك، أنّ ذلك يأتي تنفيذًا للمادة (51) من الدستور، والتي تنص على ضمان الحرية الكاملة، والسعي لتمكين مؤسسات المجتمع المدني. 

مشروع القانون نصّ على تشكيل لجنة برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية، يخوّلها حق الموافقة أو الاعتراض على أيّ تمويل أجنبي، إذا ارتأت أنّه مخالف للقانون؛ كأن يكون الهدف منه على سبيل المثال تمويل نشاط سياسي.

وحددت الرئاسة أهداف مشروع القانون فيما يلي:

- تمكين المجتمع الأهلي من ممارسة نشاطه وحماية حقوقه وتشجيعه ودعمه.

- توفير المناخ الملائم الذي يسمح للمجتمع الأهلي بالعمل في إطار من الشفافية والمسؤولية.

- احترام الدستور والقانون المصري بحيث يمثلان الإطار الحاكم والمرجعية التي يقوم عليها تنظيم العلاقة بين كيانات العمل الأهلي وبين المجتمع والدولة.

- تحقيق التوازن المطلوب بين سياسة مصر ما بعد الثورة في الانفتاح على العالم، وبين تحقيق السيادة الوطنية واستقلالية القرار المصري.

- إتاحة دور فاعل للمصريين في الخارج للاشتراك في العمل الأهلي.

- دعم دور المجتمع الأهلي بوصفه أحد أدوات القوة الناعمة لمصر.

غضب واسع ضدّ المشروع

أثار مشروع القانون الإخواني حالة من الغضب بين القوى السياسية والحزبية والحقوقيين واتحاد الجمعيات الأهلية، بسبب الانحياز الواضح لمصالح الإخوان، والتعنت ضدّ الجمعيات بفرض الكثير من القيود عليها.

كما حاولت الجماعة استثناء نفسها من الخضوع للرقابة المالية، وقال عمرو دراج، عضو الهيئة العليا لحزب العدالة والتنمية: إنّ قانون الجمعيات الأهلية الذي تقدمت به الرئاسة لمجلس الشورى يقضي بعدم خضوع الإخوان لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ذلك أنّ القانون ينص على رقابة المركزي للمحاسبات للجمعيات التي تتلقى دعماً خارجياً أو حكومياً، وهو ما لا ينطبق على جماعة الإخوان، بداعي أنّ الجماعة تموّل نفسها من تبرعات أعضائها. واعترف أنّه تم طرح هذا القانون لتقنين الحركات السياسية والثورية. 

الرفض الواسع للمشروع الإخواني تمّ تصعيده لجهات دولية، وقد كشف عن وجود خطة تدبرها جماعة الإخوان المسلمين للهيمنة على العمل الأهلي، والسيطرة على مؤسسات الدولة والمجتمع؛ باستغلال سيطرتهم على البرلمان والرئاسة.

عضو الهيئة العليا لحزب العدالة والتنمية: عمرو دراج

كان القانون الجديد انتهاكًا صارخًا لقيم وآليات العمل الأهلي، خاصّة أنّ الجماعة سارعت إلى إشهار نفسها كجمعية أثناء إعداد القانون؛ لتمنح نفسها حقّ مراقبة أموالها، ولا تكون خاضعة لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات ولا حتى للحكومة، كما حاول قانون الإخوان اعتبار الائتلافات والتحالفات ذات النشاط السياسي ضمن الجمعيات الأهلية، من أجل التضييق عليها، وهو ما يتناقض مع القوانين التي تحظر على الجمعيات الأهلية ممارسة العمل السياسي.

حاولت جماعة الإخوان المسلمين تمرير القانون، وزعمت باكينام الشرقاوي، مساعدة الرئيس المعزول للشؤون السياسية، أنّ القانون "يعكس روح الثورة، المنادية بإنهاء سيطرة الثروة على المجتمع". كما ادعت أنّ القانون يمثل "تدشيناً لشراكة بين الدولة والمجتمع، وتفعيل الضلع الثالث في مثلث التنمية، وهو المجتمع المدني، إضافة إلى الدولة والقطاع الخاص".

وشنّ حلمي الجزار، القيادي بحزب الحرية والعدالة، هجومًا حادًا على منتقدي القانون، وزعم أنّ الحزب يريد الصالح العام، واعترف بأنّ الهدف من المشروع مراقبة عمل الجمعيات والحركات السياسية التي اتهمها بالعمل على تخريب البلاد وإحداث الفوضى والبلبلة.

وعلى صعيد مقاومة الهيمنة الإخوانية، وفي 31 أيّار (مايو) 2013، أصدرت الجمعيات الأهلية في مصر بيانًا رسميًّا، رفضت فيه المساعي الإخوانية التي تهدف إلى تقييد عمل مؤسسات المجتمع المدني، وخنق منظمات حقوق الإنسان، وذلك بإصرار من جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة، في إطار خطة متكاملة لفرض القيود على الحق في حرية تكوين الجمعيات. ووفقًا للبيان؛ فإنّ أبرز توجهات جماعة الإخوان المسلمين، في تكريس الهيمنة والوصاية الإدارية الكاملة، على كافة مناحي العمل الأهلي، تمثلت في "استحداث جهة رقابية جديدة، ممثلة فيما يُسمّى "اللجنة التنسيقية"، والتي مُنحت سلطات واسعة للتدخل البوليسي في جدول أعمال وبرامج وأنشطة منظمات المجتمع المدني".

جاء القانون الإخواني، الذي تمّ وأده في مهده بفضل المقاومة الشعبية، محاولة للهيمنة على المجال العام، ومواجهة يائسة للحراك الثوري المتصاعد في الشارع المصري، وهو ما تجلى بوضوح في السقوط المدوي للجماعة، وإزاحتها عن الحكم. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية