
شنّت الولايات المتحدة السبت الماضي موجة قوية من الضربات الجوية على المتمردين الحوثيين في اليمن. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي: "بتمويل من إيران أطلق الحوثيون صواريخ على طائرات أمريكية، واستهدفوا قواتنا وحلفاءنا". مضيفاً: "قرصنتهم وعنفهم وإرهابهم كلف مليارات الدولارات، وعرّض حياة الناس للخطر.
بدورها، قالت وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين إنّ (31) شخصاً على الأقل قتلوا، وأصيب (101) آخرون في الضربات.
وتسيطر الجماعة المتمردة المدعومة من إيران على صنعاء وشمال غرب اليمن، لكنّها ليست الحكومة المعترف بها دوليًا في البلاد.
وأظهرت صور غير مؤكدة أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد فوق منطقة مطار صنعاء الذي يضم منشأة عسكرية.
واتهم الحوثيون في بيان لهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالعدوان الذي استهدف المناطق السكنية في صنعاء، بحسب بيان رسمي. على الرغم من أنّ المملكة المتحدة لم تشارك في الضربات الأمريكية ضدّ أهداف الحوثيين يوم السبت، لكنّها قدمت الدعم الروتيني للتزود بالوقود للولايات المتحدة.
يُذكر أنّه منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، استهدف الحوثيون عشرات السفن التجارية بالصواريخ والطائرات المسيّرة وهجمات القوارب الصغيرة في البحر الأحمر وخليج عدن. وأغرقوا سفينتين، واستولوا على ثالثة، وقتلوا (4) من أفراد طاقمها. ولم يُؤثر نشر السفن الحربية الغربية لحماية السفن التجارية، أو جولات متعددة من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية على أهداف عسكرية للحوثيين. واضطرت شركات الشحن الكبرى إلى التوقف عن استخدام البحر الأحمر، الذي تمر عبره عادة ما يقرب من 15% من التجارة البحرية العالمية، واستخدام طريق أطول بكثير حول جنوب أفريقيا بدلًا من ذلك.
تهديدات أمريكية
في خطابه المباشر للحوثيين قال ترامب إنّه إذا لم يتوقفوا "فستمطر عليكم جهنم كما لم تروا مثلها من قبل". وحث ترامب إيران على وقف دعمها للحوثيين، محذرًا من أنّ واشنطن ستحمّل طهران "المسؤولية الكاملة". وتابع: "لن نكون لطيفين في هذا الأمر". واتهم أيضًا إدارة البيت الأبيض السابقة، بقيادة جو بايدن، بأنّها "ضعيفة بشكل مثير للشفقة" وأنّها سمحت لـ "الحوثيين غير المنضبطين" بالاستمرار.
بدوره، ناقش وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عمليات الردع العسكري ضد الحوثيين خلال حديثه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف السبت.
وأكد روبيو أنّ "استمرار هجمات الحوثيين على السفن العسكرية والتجارية الأمريكية في البحر الأحمر لن يتم التسامح معه"، بحسب متحدث باسم وزارة الخارجية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي لبرنامج "واجهة الأمّة"، على قناة (سي بي إس نيوز)، يوم الأحد الماضي: "إنّنا نُقدم خدمة للعالم أجمع بالتخلص من هؤلاء وقدرتهم على ضرب الملاحة العالمية". وأضاف: "هذه هي مهمتنا، وستستمر حتى تحقيقها".
وأضاف روبيو: "بعض الأشخاص الرئيسيين الذين شاركوا في إطلاق تلك الصواريخ لم يعودوا معنا، وأستطيع أن أخبركم أنّ بعض المرافق التي استخدموها لم تعد موجودة، وسيستمر ذلك".
وبحسب وكالة (أسوشيتد برس)، قال محللون في مجموعة أوراسيا يوم الإثنين الماضي: إنّه "على الرغم من أنّ الولايات المتحدة تضرب أهدافًا حوثية منذ أكثر من عام، فإنّ نطاق وحجم هذه الحملة الجديدة، بما في ذلك استهداف شخصيات حوثية بارزة، يمثل تصعيداً كبيراً في الصراع".
إيران تعبث بأمن اليمن
لطالما سلّحت إيران الحوثيين، وهم أعضاء في الأقلية الشيعية الزيدية، التي حكمت اليمن لمدة (1000) عام حتى عام 1962. وتنفي طهران باستمرار تسليح المتمردين، رغم وجود أدلة مادية، وعمليات ضبط أسلحة عديدة، وربط خبراء هذه الأسلحة بإيران . ويعود ذلك على الأرجح إلى رغبة طهران في تجنب العقوبات المفروضة عليها، لانتهاكها حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الحوثيين.
الحوثيون انخرطوا ضمن ما يُسمّى "محور المقاومة" الإيراني. وبعد تقويض قدرات حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية على يد إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لم يعد سوى الحوثي ضمن الأذرع الإيرانية.
التليفزيون الرسمي الإيراني بثّ لقطات لضحايا مدنيين، جراء غارات نهاية الأسبوع في اليمن، في حين نأى كبار القادة السياسيين بأنفسهم عن التلميح إلى تدخّل طهران في القتال. وزعم قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، بشكل لافت، أنّ الحوثيين اتخذوا قراراتهم بأنفسهم، دون أن يُقدّم أيّ تحذير بشأن ما سيحدث إذا أسفرت الغارات عن مقتل أيٍّ من أفراد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذين يُعتقد أنّهم يدعمون المتمردين بنشاط على الأرض.
وقال سلامي: "لقد أعلنا دائمًا - ونعلن اليوم مجددًا - أنّ اليمنيين شعب مستقل وحر في أرضه، وله سياسة وطنية مستقلة".
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يوسع الحوثيون أهدافهم المحتملة لهجمات السفن، ممّا يعني أنّ شركات الشحن ستستمر في البقاء خارج المنطقة، حسبما قال جاكوب ب. لارسن، رئيس الأمن البحري في BIMCO، أكبر جمعية دولية تمثل أصحاب السفن، بحسب (أسوشيتد برس).
وحذر مايك والتز، مستشار الأمن القومي لترامب، في حديثه لبرنامج "هذا الأسبوع" على شبكة (إيه بي سي) يوم الأحد الماضي، من أنّ مسؤولي الحرس الثوري الذين يدربون الحوثيين "سيكونون على الطاولة أيضًا" كأهداف محتملة للهجوم.
في هذه الأثناء، ما تزال إيران تحاول تحديد كيفية الرد على رسالة ترامب بشأن استئناف المفاوضات بشأن برنامج طهران النووي. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي يوم الإثنين الماضي بأنّ المسؤولين يواصلون مراجعة الرسالة وسيردون عليها.
من جهته، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأحد الماضي سلطنة عُمان، التي لطالما كانت وسيطًا بين طهران والغرب. كما يُدير الحوثيون مكتبًا سياسيًا في السلطنة. وقال مركز صوفان في نيويورك في تحليل يوم الإثنين الماضي: إنّ الهجمات على الحوثيين هي "إشارة غير مباشرة لإيران، حيث كان الرئيس ترامب واضحًا في إصراره على عودة إيران إلى طاولة المفاوضات للتعامل مع برنامجها النووي"، حسب ما قالت (أسوشيتد برس).
وعليه، يبدو أنّ طهران على استعداد لحرق اليمن، في مقابل ممارسة الضغط السياسي على واشنطن، للتوصل إلى اتفاق نووي مع الإدارة الجمهورية.
اليمن رهينة في يد الميليشيا
لا يعبأ الحوثي، فيما يبدو، بأيّ خسائر محتملة في صفوف المدنيين، وتصرّ الميليشيا على الدخول في حرب انتحارية مع واشنطن، وهو ما تؤكده التصريحات غير المسؤولة.
وفي هذا السياق الجنوني أعلن الحوثيون في اليمن أمس الثلاثاء مسؤوليتهم عن هجومهم الثالث على سفن حربية أمريكية خلال (48) ساعة، على الرغم من الضربات الأمريكية. وقال الحوثيون على تطبيق (تليغرام): إنّهم استهدفوا حاملة الطائرات الأمريكية (هاري إس ترومان) بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ممّا يجعل الهجوم هو "الثالث خلال (48) ساعة الماضية" في شمال البحر الأحمر.
من جهته، قال مسؤول دفاعي أمريكي: إنّ الحوثيين "يواصلون نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة". مضيفًا أنّ المجموعة المدعومة من إيران "معروفة جيدًا بالادعاءات الكاذبة التي تقلل من نتائج هجماتنا بينما تبالغ في نجاحاتهم".
وقال الفريق أول في القوات الجوية الأمريكية أليكسوس غرينكويتش للصحفيين في وقت سابق: إنّه "من الصعب تأكيد" الهجمات التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، لأنّ المتمردين أخطؤوا أهدافهم "بأكثر من (100) ميل" (160) كيلومترًا.