
فاضل المناصفة
بمقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار يمكن القول إن إسرائيل قد حققت أحد أهم الأهداف الرئيسية لحربها في قطاع غزة بتصفيتها للعقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر 2023.
ومع أن العديد من المتابعين والخبراء والقادة الغربيين قد اعتبروا أن هذا الحدث سيكون له أثره الكبير على مجريات الحرب من منطلق أن التغيير الجديد على رأس قيادة حماس الداخلية قد يدفع بمسار المفاوضات إلى منحى مغاير يجلب معه تسوية تنهي الحرب الدائرة، إلا أن الواقع وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وردود فعل حركة حماس على لسان القيادي خليل الحية تكشف أنه ما يزال هنالك شوط طويل في هذه الحرب.
من المرجح أن تكون إسرائيل قد اقتفت أثر السنوار منذ أسابيع لكنها اكتفت بحصاره وتضييق الخناق على تحرّكاته حتى بات مكشوفا ومضطرا إلى ترك الأنفاق والانضمام إلى قتال الشوارع، وبالموازاة مع ذلك قدمت عرض الخروج الآمن الذي كشفت عن تفاصيله صحيفة هآرتس العبرية.
وقد يفهم من هذا العرض أن إسرائيل أرادت أولا أن تهز صورة القيادة العسكرية في حماس المتمثلة في شخص السنوار في حال وافق على الخروج الآمن وربما يساهم في إحداث انقسام داخل القيادة المتبقية في أنفاق غزة بعد انسحاب الرجل الأول من الميدان ما يدفعها إلى المضي قدما في مقايضة ما تبقّى من الرهائن مقابل صفقة تنتهي بوقف العمليات العسكرية في انتظار الترتيب لخروجهم الآمن أيضا.
صحيح أن السنوار تمكن من تنفيذ عملية كبيرة كسرت صورة الردع الإسرائيلي وألحقت ضررا بالغا بصورة المنظومة الأمنية الإسرائيلية وكلف دولة الاحتلال 375 يوما من حرب لها فاتورتها الباهظة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لكنه في المقابل منح نتنياهو الوقت الكافي للخروج من أزمة سياسية كانت ستقوده إلى الخروج من الباب الضيق، ومنحه فرصة لضرب شعار وحدة الساحات الذي تطلقه إيران بعمق.
حماس اليوم في معضلة كبيرة بعد فقدان السنوار الذي يمتلك شيفرة التنسيق وتنظيم الاتصال ما بين عناصرها الميدانية وقد تصبح تحركات ما تبقى من عناصرها أكثر صعوبة وأكثر تعقيدا وتتحول من جماعية إلى فردية وهو ما سيضعفها أكثر ويجعل ضربات الاحتلال أكثر فاعلية مستغلة وجود خلل في البنية التنظيمية للاتصال على الأرض، لذلك فحماس مضطرة لإيجاد بديل يعوض ثقل السنوار بسرعة ومن المحتمل أن يكون من الحلقة الضيقة المحيطة به وله اطلاع على سير أنظمة الاتصال التي كان السنوار يدير بها المعركة منذ عام.
تصريحات القادة الغربيين التي أعقبت تأكيد خبر مقتل السنوار جاء فيها الكثير من عبارات التفاؤل حول مستقبل الحرب ونهاية الكارثة الإنسانية منذ عام، لكن في الحقيقة لا يمكن تصور أن نهاية السنوار تعني نهاية أيديولوجية حماس أو بداية عهد جديد بقيادة أكثر اعتدالا وأقل اندفاعا للحروب.
وبالنسبة إلى نتنياهو أيضا فالواضح أن إزاحة السنوار عن المشهد لا تحد من عزيمته على مواصلة الحرب وتنفيذ أهدافها المتمثلة في استرجاع الرهائن والقضاء على حركة حماس وإسقاط حكمها في قطاع غزة.
وحتى إذا تباينت آراء الغزيين حول ما تمثله نهاية السنوار إلا أن الجميع في انتظار أن ينتهي كابوس الحرب الطويلة وتنتهي معه معاناتهم والتوصل إلى صفقة تقدم فرصة حاسمة لإعادة بناء حياتهم وتنتهي بتشكيل مشهد سياسي فلسطيني جديد في قطاع غزة يمهد لبيئة أكثر استقرارا ويعزز حظوظ قيام دولة فلسطينية.
العرب