نـتـنـيـاهـو.. والـرهـان الـخـاسـر عـلـى "حـمـاس"

نـتـنـيـاهـو.. والـرهـان الـخـاسـر عـلـى "حـمـاس"

نـتـنـيـاهـو.. والـرهـان الـخـاسـر عـلـى "حـمـاس"


01/11/2023

يوآف ليمور

فلنبدأ من النهاية. خيراً فعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ إذ شطب التغريدة التي نشرها، أول من أمس، ضد قادة "أمان" و"الشاباك". خيراً يفعل نتنياهو إذا ما حرص من الآن فصاعداً على ما يقوله وعلى ما ينشره، ويطلع عليه الآخرين من مقربيه المباشرين وغير المباشرين. فلا يمكن الطلب ألا ينتقدوك وفي نفس الوقت أن تغرس سكيناً في ظهر القادة. إسرائيل في حرب وعليها أن توحد القوى كي تنتصر فيها، وهذا يلزم أولاً وقبل كل شيء من هو مؤتمن على حياتنا وعلى مستقبلنا هنا.
والآن إلى الحقائق. محق نتنياهو بادعائه أنه لم يُعطَ أي تحذير أو إخطار مباشر عن نية "حماس" شن "هجوم 7 أكتوبر". هو محق أيضاً في أن كل جهاز الأمن، بلا استثناء، قدّر أن "حماس" مردوعة ووجهتها إلى التسوية، بما في ذلك في الأيام التي سبقت الهجوم. وهو محق أيضاً في أن مهمة الاستخبارات كانت الإخطار - فمن أجل هذا تنهض في الصباح وتذهب لتنام في الليل، وبالتالي يدور الحديث عن فشل مدوٍ.

عدم مبالاة تجاه التحذيرات

لكن يخطئ نتنياهو حين يحصر البحث إلى هذا البعد الضيق. فـ"حماس" لا تتصرف في فراغ، وهذا الهجوم لم ينمُ من اللامكان. فمنذ صعوده إلى الحكم في 2009 بنى نتنياهو "حماس" كبديل للسلطة الفلسطينية. وقد حُذر في مرات لا تحصى من أن هذه وصفة خطيرة: بدلاً من تعزيز المحافل البراغماتية، فإنه يعزز تلك التي لن تعترف أبداً بوجود دولة إسرائيل.

نتنياهو هو الرجل الذي وقّع على صفقة شاليت التي في إطارها حرر 1.027 سجيناً (وبينهم يحيى السنوار). الرجل الذي وعد بتصفية "حماس"، الذي قضى بأن "حماس" هي "داعش"، واصل عملياً تغذية المنظمة بكل سبيل - بالمال النقدي، بشاحنات التوريد، بالوقود، بالكهرباء، بالعمال وغيرهم. وكمن رأى في "حماس" شيطاناً كان عليه أن يصفيه، لكن في كل سنوات حكمه الطويلة فعل نتنياهو العكس: "حماس" تحت قيادته ازدهرت ونمت إلى وحش عسكري. نتنياهو حصّنها من النقد، وهكذا سمح ببناء المفهوم حولها.

فضلاً عن هذا، فإنه منذ حملة الجرف الصامد في 2014 طالب كل رؤساء "الشاباك" بتصفية قيادة "حماس"، لكن نتنياهو رفض ذلك بثبات. فقد فضل الهدوء، لكنه أسند الهدوء بمحاولة الدفع قدماً بتسويات بعيدة المدى. الأراشيف تتفجر بتحذيرات بأن هذه وصفة للمصيبة، وأن إسرائيل تلعب على الوقت، وأن غزة ستتفجر ذات يوم. وأن التحدي الأساس لإسرائيل ليس إيران أو الساحة الشمالية بل الفلسطينيين. لقد عرف نتنياهو كل هذه الادعاءات، وتجاهلها.

وكانت الذروة في السنة الماضية. فقد حذر جهاز الأمن في كل باب من آثار التشريع القضائي على الاستقرار الأمني. وزير الدفاع حذر وأقيل (وأعيد)، رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات كتب أربعة كتب تحذير، رئيس الأركان طلب عقد "الكابينيت" (ورفض)، وكأن كل هذا غير كاف – تعرضت إسرائيل لهجوم متعدد الجبهات من لبنان، من سورية، من غزة ومن الضفة في الفصح الأخير، لكنها رفضت استخلاص الدروس.

في تموز الماضي، في اليوم الذي أجيز فيه في الكنيست القانون المتعلق بعلّة المعقولية، طلب رئيس الأركان اللقاء مع نتنياهو، في محاولة أخيرة لإقناعه. رئيس الوزراء رفض، والتقاه فقط بعد التصويت. بالتوازي مع رئيس الأركان، وصل إلى الكنيست أيضاً قائدا شعبتَي الاستخبارات والعمليات ليشرحوا للوزراء صورة الوضع كما حذر جهاز الأمن منها: في أن التشريع يمزق المجتمع ويمس بأهلية الجيش الإسرائيلي، ومن شأنه أن يفسر لدى أعداء إسرائيل كضعف سيستغل للهجوم. جلس الجنرالان في الكنيست على مدى ساعات لكن الوزراء لم يأتوا للحديث معهما.

لقد كانت هذه التحذيرات مطلية في كل مكان في الأشهر الأخيرة. كانت إخطاراً إستراتيجياً اصطدم بعدم مبالاة تامة. العكس هو الصحيح: وزراء الحكومة تنافسوا فيما بينهم من يضرب بقوة أكبر الجيش وقادته. وكانت النتيجة أنهم في الجيش كانوا مطالبين بأن يوظفوا زمناً باهظ الثمن في الجهد لسد ثغرات من الداخل، بدلاً من أن يستعدوا كما ينبغي للعدو من الخارج.

الثقب الكبير الذي أدى إلى نتائج قاسية

ما كان يمكن للجيش و"الشاباك" أن يطهرا نفسَيهما من المسؤولية عن مصيبة فرحة التوراة. كل من كان في سلسلة القيادة سيدفع على ذلك الثمن من جيبه: رئيس الأركان ورئيس "الشاباك"، كل قيادة أمان، قيادة المنطقة الجنوبية والمجال الجنوبي في "الشاباك" وكذا قادة أصغر.

كما أن هذه المنظومات ستكون مطالبة بأن تنعش إنعاشاً أساسياً في كل مستوى شكل جمع المعلومات، تحليلها والإلحاحية التي تعرض فيها وكذا كل ما يتعلق بالدفاع، ما سيبدو في المستقبل بشكل مختلف تماماً عن الثقب الكبير الذي سمح بالنتائج القاسية لـ"هجوم 7 أكتوبر".

لكن نتنياهو لا يمكنه أن يدعي أن كل هذا لا يرتبط به، وليس فقط لأن المسؤولية التي عزاها لأيهود أولمرت بعد حرب لبنان الثانية كمن يقف على رأس الجهاز. كانت له 15 سنة لأن يسأل، يتساءل، يغير، وقد اختار أن يتجاهل في خليط من الاعتداد والإهمال. النتيجة – 1400 قتيل، 239 مخطوفاً، مئات المفقودين ممن لم يشخصوا بعد، آلاف النازحين من بيوتهم، دمار غير مسبوق، حرب مدتها غير واضحة ومسٌّ غير مسبوق بحصانة دولة إسرائيل. وكلها في ورديته.

عن "الأيام"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية