نزيف الاقتصاد التركي: من يدفع ثمن أحلام "الإمبراطور"؟

نزيف الاقتصاد التركي: من يدفع ثمن أحلام "الإمبراطور"؟


17/09/2020

خلال الشهرين الماضيين تمّ تخفيض التصنيف الائتماني لتركيا، مع نظرة مستقبلية سلبية، جاء التخفيض الأول، في تموز(يوليو) الماضي، بعد إقالة الرئيس التركي لمحافظ البنك المركزي، ما أعطى انبطاعاً للمؤسسات الدولية بأنّ السياسات الاقتصادية التركية بعيدة كلّ البعد عن الاستقلالية، أمّا الخفض الثاني فقد حلّ قبل أيام، ووصل إلى مرحلة خطرة غير مسبوقة، لكنّها مدفوعة بالروح العدوانية للإدارة التركية وتوسعاتها في المنطقة.

 أهمية التصنيف  

اقترضت الحكومة التركية، الشهر الماضي، ستة مليارات ليرة لسداد ديونها العاجلة، وهو ما يدفع  الباحث المتخصص في الإقتصاد السياسي، مجدي عبد الهادي، للقول: "لفهم خلفية ما يحدث حالياً؛ علينا أن نذهب بعيداً عن التحليلات التقليدية التي تقتصر على الحديث حول التوازنات الكمية المتعلقة بمشكلات العملة، وموازين التجارة والمدفوعات، وتدفقات الاستثمار، وما إلى ذلك، مما لا جديد فيه من مقولات وعلاقات مكررة، خاصة في السياق النيوليبرالي الذي سادته علاقات "الثلاثية المستحيلة"، التي زادت في سياقها أهمية تلك التقييمات الائتمانية المدفوعة بالأغراض السياسية، خاصة في الحالة التركية، التي لطالما هدّد الاتحاد الأوروبي بعقوبات اقتصادية عليها، نتيجة سياساتها الخارجية".

ويرى عبد الهادي، في تصريح لـ "حفريات" أنّ هذا التصور "يقودنا لتحليل موقع الاقتصاد التركي من الاقتصاد العالمي كمدخل للفهم، وكباب لاستيعاب دور علاقاتها الخارجية وأزمة كورونا الأخيرة في ذلك التدهور، وهنا نجد، دون كثير من التفصيل؛ أنّ الاقتصاد التركي ينتمي للمستوى الوسيط من الاقتصادات الخاصة بما يُعرف بمصطلحات نظرية الأنظمة العالمية بالدول شبه المحيطية، أو شبه الطرفية، وهي مجموعة الدول الوسيطة ما بين المراكز الرأسمالية، والأطراف، ما يعطيها بعض السمات الاقتصادية المتقدمة للمراكز، لكن بقدر كبير شبه مُضخّم من هشاشة الأطراف".

تواصل الليرة التركية انخفاضاً غير مسبوق منذ عام 2018، أدّى إلى معدلات تضخم، وصلت إلى 300%، كما وصلت نسبة البطالة خلال الشهر الجاري، إلى 13 %

يتضح من هذا، بشكل خاص، أنّه إذا ما وعينا بمحورية التجارة الخارجية واجتذاب الاستثمارات ضمن هذا السياق، فموقع أيّة دولة واقتصادها ضمن الاقتصاد العالمي إنّما يتحدّد بموقعها من تقسيم العمل الدولي، والذي يتغيّر بتغيّر حصتها في الاقتصاد العالمي، انطلاقاً من المتغيرين المذكورين؛ التجارة العالمية والاستثمار الدولي، ووسيطهما سعر الصرف، وهو، من وجهة نظر عبد الهادي، سبب في هشاشة تلك الاقتصادات الانتقالية، ربما بدرجة أكبر من الاقتصادات الطرفية نفسها، التي لا تعاني الدرجة ذاتها من الانكشاف على الاقتصاد العالمي، كما تُكسبها طرفيتها المترافقة مع بدائيتها الاقتصادية، قدراً من المناعة الاقتصادية".

هشاشة وانكشاف

وينتج عن هذا، بحسب عبد الهادي أنّ "الاقتصادات العالمية التي تمر بمرحلة انتقالية باتجاه موقع شبه طرفي وسيط من الاقتصاد العالمي، تُكوّن اقتصادات أكثر هشاشة وانكشافاً على الأزمات العالمية، ربما بدرجة أكبر حتى من الاقتصادات الطرفية الأكثر تخلفاً، فإذا أخذنا بالاعتبار نمط النمو التركي القائم على المديونية؛ فإننا نكون بصدد وضع أكثر هشاشةً ومستعدّ للاهتزاز مع أقل أزمة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، وهو ما توافرت شروطه مؤخراً مع أزمة كورونا، التي أثرت بشكل خاص في تدفقات التجارة والاستثمارات الدولية، سواء بشكل مباشر عن طريق تقليل حركتها، أو بشكل غير مباشر بما خلقته من أوضاع قلق وعدم يقين أضعفت الطلب والإنتاج عموماً، فإذا أضفنا مزيداً من المعطيات، فسنجد أنّ هذه الاقتصادات تبدأ في المعاناة من بعض التناقضات المعززة للتأزم، فمن ناحية يسهم تحسن وضعها في ارتفاع هامش الديمقراطية، الذي يدفع باتجاه سياسات مالية أكثر اجتماعية وتوسعية؛ ما يمثل ضغطاً على الموارد المالية، والعكس صحيح".

في غضون ذلك، تواصل الليرة التركية انخفاضاً غير مسبوق منذ عام 2018، أدّى إلى معدلات تضخم، وصلت إلى 300%، كما وصلت نسبة البطالة خلال الشهر الجاري، بحسب نشرة معهد الإحصاء التركي (تركستات)، إلى 13 %، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل 4 ملايين شخص، أغلبهم من فئة الشباب، ورغم ذلك لا ينفك الرئيس يبرم وعوده الاقتصادية، ويغري الناس بغاز المتوسط، باعتباره استحقاقاً للدولة التركية، ولا يلقي بالاً لخروقات القانون الدولي، التي ما يزال يقوم بها في شرق المتوسط.

من يدفع الثمن؟

تعيش تركيا أزمة اقتصادية حقيقية، وتدفع البلاد من اقتصادها الثمن الأفدح لتصرفات أردوغان وقراراته غير المحسوبة، داخلياً وخارجياً، وبحسب الكاتب الصحفي المختص بالشأن التركي والليبي، محمد حسن عامر؛ فإنّ "الأزمة التركية تؤكدها التقارير الدولية المختلفة، التي تشير إلى أنّ الاقتصاد يقترب من انهيار وشيك، بل وكذلك هناك من هم في دائرة الحكم يدركون خطورة الوضع".

الصحفي محمد عامر لـ"حفريات": النفقات التي تقوم بها تركيا على المرتزقة السوريين، ونقلهم إلى ليبيا، أو حتى الإنفاق عليهم في شمال سوريا، أمور أثقلت كاهل الاقتصاد التركي

يقول عامر، في تصريحه لـ "حفريات": "هذا الوضع الاقتصادي المتأزم السبب الرئيس فيه تصرفات أردوغان وقراراته، فعلى الصعيد الخارجي؛ تسبّبت الأزمات الدبلوماسية التركية مع عدد من دول الجوار والقوى الأخرى في انخفاض قيمة الليرة التركية، كأزمة القس برانسون المشهورة مع الولايات المتحدة، والآن تتصاعد التوترات مع دول شرق البحر المتوسط على نحو دفع الاتحاد الأوروبي إلى التلويح بورقة العقوبات على أنقرة، كما أّنّ هناك حالة من الانخراط السلبي التركي والمعادي في القضايا الإقليمية، والتي دفعت بعض الدول إلى الدعوة لمقاطعة السياحة التركية، على سبيل المثال".

كذلك فإنّ النفقات التي تقوم بها تركيا على المرتزقة السوريين، ونقلهم إلى ليبيا، أو حتى الإنفاق عليهم في شمال سوريا، أمور أثقلت كاهل الاقتصاد التركي، ويشير عامر إلى أنّ أردوغان كان يتوقع أنه سيعوض ذلك من ثروات ليبيا، لكنّه اصطدم بخطوط حمراء لعدد من الدول، منها مصر.

اقرأ أيضاً: السقوط الحرّ لليرة التركية

هذه السياسات، وأكثر، جعلت الاقتصاد التركي في حالة من عدم الأمان، لمسها المستثمر الأجنبي على نحو جعل المخرجات المالية من تركيا أعلى بكثير من المدخلات القادمة من الخارج، وبنسبة كبيرة، وحقّق عجزاً في ميزان المعاملات التركية بنحو 1.82 مليار دولار، في تموز (يوليو) الماضي.

اقرأ أيضاً: من جديد.. الليرة التركية تهبط إلى مستوى قياسي

وتأتي سياسات أردوغان الداخلية وتدخله في السياسات النقدية بإجراءات تفتقد إلى الرؤية، بحسب عامر، وكذا التغيرات التي حدثت في بنية النظام السياسي التركي "مما تثير المخاوف أكثر، إلى جانب نفوذ صهره، بيرات ألبيرق، في ظلّ مخاوف المستثمرين من مزاجية الرئيس التركي إزاء القرارات الاقتصادية، كلّ هذا آل في النهاية إلى انخفاض الليرة، منذ 2018، أمام الدولار، بنحو 87%، و24% فقط منذ بداية العام الحالي، والشهر الماضي كان صعباً بانخفاض 6% مرة واحدة في قيمة الليرة، لتقترب من 7.50 مقابل الدولار".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية