نتنياهو قاتل يبحث عن ضحية جديدة لاحتواء الغضب الداخلي

نتنياهو قاتل يبحث عن ضحية جديدة لاحتواء الغضب الداخلي

نتنياهو قاتل يبحث عن ضحية جديدة لاحتواء الغضب الداخلي


09/04/2023

في ظل الضغوطات السياسية التي تتعرض لها حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة، بقيادة بنيامين نتنياهو، لجأ الأخير إلى خطته التقليدية بافتعال الأزمات مع الفلسطينيين؛ لصرف أنظار الداخل الإسرائيلي عن تجاوزات حكومته؛ من خلال شن عملية عسكرية جديدة على قطاع غزة وجنوب لبنان.

وتكشف التصريحات التي أدلى بها أفيف بوشينسكي، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشبكة (CNN) الأمريكية، عن أهمية تفجير الصراع مع الفلسطينيين؛ من أجل احتواء التظاهرات التي تعصف بالدولة العبرية، حيث قال: إنّ "المواقف التي تؤثر على أمن إسرائيل قد توحد أمّة منقسمة". لكنّه حذّر في الوقت نفسه من أنّ أيّ إجراءات إسرائيلية متطرفة ضد الفلسطينيين في القدس ستكون مخاطرة كبرى.

خطة اليمين

خطة نتنياهو بدأت قبل أسبوعين، حين انتشرت دعوات من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، المتحالفة مع حكومة اليمين، لذبح الماعز في باحة المسجد الأقصى، كجزء من طقوس عيد الفصح القديمة، ممّا أدّى إلى تجمع مئات الفلسطينيين في المسجد لمنع تلك المحاولات.

هنا أطلق نتنياهو إشارة البدء الأربعاء الماضي، حينما أصدرت حكومته أوامرها لشرطة الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى في القدس، واعتقال مئات الفلسطينيين، باستخدام أقصى درجات العنف. وبحسب مقاطع فيديو تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، قام الضباط الإسرائيليون بالاعتداء على المصلين بوحشية مفرطة باستخدام الهروات وأعقاب البنادق، وقال شهود عيان لشبكة (CNN) الأمريكية: إنّ الشرطة حطمت الأبواب والنوافذ للدخول إلى المسجد، واستخدمت قنابل الصوت والرصاص المطاطي بمجرد دخولها إليه.

لجأ نتنياهو إلى خطته التقليدية بافتعال الأزمات مع الفلسطينيين؛ لصرف أنظار الداخل الإسرائيلي عن تجاوزات حكومته

من جهتها، زعمت شرطة الاحتلال في بيان لها أنّ قواتها دخلت الأقصى بعد أن "تحصن به المئات من المشاغبين ومدنسي المساجد"! وادّعى البيان أنّ فلسطينيين، وصفهم بـ"المحرضين"، رشقوا الشرطة بالحجارة، وأطلقوا عليها الألعاب النارية من داخل المسجد.

عنف مفرط

اعترفت شرطة الاحتلال بأنّها اعتقلت أكثر من (350) شخصاً كانوا داخل المسجد، وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات المعتقلين مستلقين على أرضية المسجد، ووجههم لأسفل، بينما أرجلهم وأذرعهم مقيدة خلف ظهورهم، في مشهد إنساني مؤسف.

وبحسب الهلال الأحمر الفلسطيني، فإنّ ما لا يقلّ عن (12) شخصاً أصيبوا خلال الاشتباكات داخل المسجد وحوله، وتم نقل (3) من المصابين على الأقل إلى المستشفى، بعضهم أصيب بالرصاص المطاطي. وأضاف الهلال الأحمر أنّ سيارات الإسعاف التابعة له استُهدفت في وقت من الأوقات من قبل الشرطة الإسرائيلية التي منعت وصولها إلى الجرحى.

أدانت وزارة الخارجية المصرية اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ولفتت إلى أنّ ذلك يمثل انتهاكاً لجميع القوانين والأعراف الدولية

الشرطة الإسرائيلية عاودت مداهمة الأقصى للمرة الثانية مساء الأربعاء، وروعت المصلين باستخدام قنابل صوتية، وأمرتهم بمغادرة المكان على الفور، بحسب مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

شرطة الاحتلال زعمت أنّها منعت المخالفين من إغلاق الأبواب، وتحصين أنفسهم بالداخل، وأنّها ساعدت المصلين على مغادرة المسجد، قبل أن تقوم بوضع ضباط عند كل باب، لمنع الناس من الدخول، بحسب شاهد عيان تحدث لشبكة (CNN).

إدانة عربية واسعة

أثارت حادثة الاقتحام غير المسؤول استهجاناً واسعاً، فقد أدانت وزارة الخارجية المصرية اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ولفتت إلى أنّ ذلك يمثل انتهاكاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، وأنّه تسبب في إصابات عديدة بين المصلين.

وبدورها، أدانت وزارة الخارجية الأردنية جريمة الشرطة الإسرائيلية بأشد العبارات، ودعت إسرائيل إلى إخراج قواتها فوراً من الأقصى، ودعا الأردن إلى اجتماع استثنائي لجامعة الدول العربية لمناقشة التطورات. ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، في بيان له الأربعاء، تصرفات الشرطة الإسرائيلية  بالجريمة الكبرى بحق المصلين. مؤكداً أنّ إسرائيل لا تريد أن تتعلم من التاريخ أنّ الأقصى للفلسطينيين ولكّل العرب والمسلمين، وأنّ اقتحامه يمثل شرارة الثورة ضد الاحتلال.

الشرطة الإسرائيلية عاودت مداهمة الأقصى للمرة الثانية مساء الأربعاء

من جهتها، قالت دولة الإمارات العربية المتحدة: إنّها "تدين بشدة اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، الذي أسفر عن اعتداء على المصلين واعتقالات عدة". وطالبت أبو ظبي دولة الاحتلال بــ "وقف التصعيد، وتجنب تفاقم التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة". مؤكدة رفضها القاطع لــ "كافة الممارسات التي تنتهك قرارات الشرعية الدولية، وتهدد بمزيد من تفاقم التصعيد".

وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي: إنّ "استمرار اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى، وانتهاك حرماته والاعتداء على مصليه، يُعدّ تصعيداً خطيراً، واستباحةً للحرم القدسي وعدواناً على القبلة الأولى للمسلمين، واستفزازاً لمشاعر المسلمين في العالم، ويتعارض مع المبادئ والأعراف الدولية في احترام المقدسات الدينية، كما يُعدّ انتهاكاً سافراً للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية". وأكدت وزارة الخارجية العُمانية، في بيان لها، أنّ هذه الممارسات الآثمة للاحتلال الإسرائيلي تُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني".

ردّ الفعل المنتظر

وكما توقع نتنياهو، تمّ إطلاق حوالي (12) صاروخاً من قطاع غزة باتجاه إسرائيل بعد الحادث الذي وقع في القدس بساعات، سقط (5) منها في حقول مفتوحة، وواحد سقط على مصنع في سديروت دون وقوع إصابات، بحسب ما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاجاري.

وكان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قد توعد إسرائيل في بيان قال فيه: إنّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي الحالية في المسجد الأقصى هي انتهاكات غير مسبوقة، ولن تمر.

نتنياهو نفذ الشق الأول من المؤامرة بنجاح، عن طريق الاستفزاز والاستدراج، لكنّ خطته بشن حرب واسعة ربما تعترض عليها الولايات المتحدة

وفي وقت لاحق يوم الأربعاء، قال الجيش الإسرائيلي إنّ طائراته المقاتلة قصفت مواقع تصنيع وتخزين أسلحة تابعة لحركة حماس في قطاع غزة، ومجمع أسلحة تحت الأرض، وأنفاقاً في بيت حانون وخان يونس. وزعم جيش الاحتلال في بيانه أنّ "هذه الضربة نفذت ردّاً على إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية في وقت سابق".

وزارة الصحة الفلسطينية قالت: إنّ الضربات الإسرائيلية أضرت بمستشفى للأطفال، ممّا تسبب في معاناة المرضى الصغار بداخلها، وأضافت الوزارة في بيان: "هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف منشآت صحية، وهذا أمر غير مقبول".

من جهته، قال ريتشارد هيخت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: إنّ الضربات الإسرائيلية استهدفت (10) مواقع في غزة، بما في ذلك مواقع الإنتاج ومواقع البحث والتطوير، فضلاً عن البنية التحتية للأنفاق، بحسب مزاعمه.

استهداف لبنان والتهديد بالتصعيد

بدوره، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالتصعيد قائلاً: "سنضرب كل من يحاول إلحاق الأذى بنا، ونفرض عليه ثمناً باهظاً؛ يجعله يندم على تهديد المواطنين الإسرائيليين، أو قوات الجيش الإسرائيلي".

هذا، وقد أسفرت هجمات منفصلة عن مقتل (3) أشخاص يوم الجمعة الماضي، بعد أن قصفت إسرائيل أهدافاً في جنوب لبنان وقطاع غزة. وجاءت الضربات الإسرائيلية بعد ساعات من إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان على الأراضي الإسرائيلية، وهو هجوم ألقى الجيش الإسرائيلي باللائمة فيه على نشطاء فلسطينيين.

تمّ إطلاق حوالي (12) صاروخاً من قطاع غزة باتجاه إسرائيل بعد الحادث الذي وقع في القدس بساعات

الغارات الجوية الإسرائيلية أصابت منطقة مفتوحة بالقرب من مدينة صور الساحلية الجنوبية في لبنان، ويزعم الجيش الإسرائيلي أنّ الفصائل الفلسطينية أطلقت عشرات الصواريخ من تلك المنطقة. وقال في بيان: "لن يسمح الجيش الإسرائيلي لمنظمة حماس الإرهابية بالعمل من داخل لبنان، ونحمّل دولة لبنان المسؤولية عن كل نيران موجهة تنطلق من أراضيها".

وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ فإنّ الأخير أصدر "تعليمات للشرطة الإسرائيلية بتعبئة جميع وحدات شرطة الحدود في الاحتياط والجيش الإسرائيلي، لتعبئة قوات إضافية لمواجهة الهجمات الإرهابية". وقال الجيش الإسرائيلي: إنّه أصبح في حالة تأهب قصوى، بعد أن استدعى عدداً غير محدد من جنود الاحتياط، لمواجهة ما وصفه بـ "أوقات مضطربة للغاية".

ويمكن القول إنّ نتنياهو نفذ الشق الأول من المؤامرة بنجاح، عن طريق الاستفزاز والاستدراج، لكنّ خطته بشن حرب واسعة ربما تعترض عليها الولايات المتحدة، التي لا ترغب حالياً في تفجير صراع واسع، في وقت يعاني فيه الجميع من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك فإنّ أوروبا لا ترغب في مثل هذا السيناريو، الذي سوف يضع حلفاء إسرائيل في مأزق حقيقي، يكشف عن ازدواجية المعايير بشكل فج، ويهدد بتوتر واسع النطاق، ربما يطال أطرافاً إقليمية أخرى مثل إيران.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية