
حميد قرمان
بنت حركة حماس والمحور الإيراني الذي تدور في فلكه منذ السابع من أكتوبر حساباتها السياسية على سقوط حكومة اليمين الإسرائيلي، بل عمدت طيلة شهور الحرب التي مازالت دائرة إلى تسويق خلافات أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو عبر منابرها الإعلامية أملا في انشقاق صف اليمين المتطرف وانهيار حكومته كإستراتيجية لكسب الحرب والانتصار، فكانت إستراتيجية فارغة المضمون، وبلا تأثير حقيقي على مجريات الصراع وتداعياته.
الرهان على سقوط حكومة نتنياهو أدخل حماس وحلفاءها وبعض الوسطاء في دوامة سياسية رسم مسارها بنيامين نتنياهو؛ تارة بألاعيبه السياسية، وتارة بتصريحاته الإعلامية، وتارة بعلاقاته الدولية التي سخرها لتثبيت معادلة الصراع إما إسرائيل أو حماس وحلفاؤها، فذهب إلى تدمير قطاع غزة وإبادة شعب وتشريده وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، مع ذلك بقيت حماس ترفع شعارات الصمود أمام هذا الواقع المأساوي عبر خطابات قادتها الإعلامية، دون امتلاك أوراق ضغط حقيقية قادرة على قلب موازين المعركة لصالحها، فكانت مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن التي رفضتها حماس بالأمس لتقبلها اليوم بعد أن آتى الضغط العسكري الإسرائيلي، ليس فقط على الحركة بل على كامل حلفائها في المحور الإيراني، ثماره.
قبول حماس بمبادرة الهدنة التي طرحها الرئيس بايدن جاء لمنع التصعيد في جبهة جنوب لبنان ضمن تعليمات وأوامر إيرانية ترى في الحرب بين حزب الله وإسرائيل مخاطرة ستقضي على كامل أدوات محورها في المنطقة.
وهو موقف لم تصل إليه حماس ومن خلفها طهران عبثا؛ فمن يتابع سير الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية يدرك إدارة بنيامين نتنياهو لمسار الصراع على عدة جبهات للوصول إلى مبتغاه من استمرار الحرب والتفاوض.
سياسة نتنياهو منذ بدء الحرب قائمة على المماطلة بالفعل العسكري على الأرض لكسب الوقت في سبيل تحقيق مكتسبات سياسية تصب في زيادة شعبيته، وتتيح له الاستمرار في الحكم ليكون باعث الروح الجديدة بتنفيذ مخططات يمينية تخدم بقاء دولة إسرائيل التي تعاني خطرا وجوديا.
وبذلك استطاع الرقص على حبال الحرب وتداعياتها، وإدارة ملفات المفاوضات والعلاقات الدولية بدهاء، والهروب من ضغط الوضع الداخلي الإسرائيلي.
ترويض وساطة قطر، والإبقاء على مسافة مع مصر، واشتباك سياسي منضبط مع إدارة الرئيس جو بايدن التي أفقدها فاعليتها مع احتدام السباق الرئاسي الأميركي، مع الحفاظ على نسق التصعيد المندفع مع أدوات المحور الإيراني، واندثار حركات الاحتجاج العالمية، وضعف المعارضة أمام ائتلاف اليمين المتمسك بأغلبية تمنح وزراءه تواجدا حكوميا لن يكرر مجددا، كلها أسباب منحت نتنياهو زخما للاستمرار في الحكم واسترداد جزء من شعبيته المفقودة، من خلال تصدير أزماته إلى طرف الحرب الآخر الذي عاث فوضى في نهج إدارة الصراع على جبهاته المختلفة.
تخطيط نتنياهو المتواصل منحه السيطرة على الحرب، وضبط مخاطر نيرانها بما يخدم مصالحه أولا ومصالح منظومة يمينه ثانيا ومصالح الكيان الإسرائيلي ثالثا، لذلك الحقيقة تكمن في عدم ذهابه إلى صفقة تتضمن وقف الحرب أو التعهد بجدول زمني لنهايتها، بل سيُبقي أطراف الصراع في متاهة التفاوض لإنجاز صفقة تبادل أسرى تتيح له العودة إلى استكمال مخططاته في قطاع غزة. في المقابل تنتظر حماس معجزة تنقذ وجودها في غزة وتحمي قادتها في الخارج، معجزة تحفظ ماء وجه إيران ومحورها في المنطقة، خاصة بعد انقشاع زيف ما يدّعيه.
عن "العرب" اللندنية