مَن أتى بالإسلام إلى جنوب وشرق آسيا؟

مَن أتى بالإسلام إلى جنوب وشرق آسيا؟

مَن أتى بالإسلام إلى جنوب وشرق آسيا؟


09/09/2023

سعد الدين إبراهيم

يشتمل الشرق العربى على الجزيرة العربية وبلاد الشام. وإذا كان المصريون أصحاب حضارة زراعية مستقرة، فإن أقرانهم في بلاد الشام- فلسطين وسوريا ولبنان والعراق- هم الذين تلقوا أو استلهموا الديانات السماوية الإبراهيمية الثلاث، وبشّروا بها ونشروها شرقًا إلى سور الصين العظيم، وغربًا إلى شبه جزيرة أيبيريا، وجنوبًا إلى شبه القارة الهندية وجزر المحيط الهندى.

وبعكس الكيفية التي انتشر بها الإسلام شمالًا وغربًا، في ظل وفى أعقاب جيوش الفاتحين العرب على ظهور الخيول، فإن نفس الدعوة المحمدية انتشرت جنوبًا وشرقًا من خلال التجار، والرعاة، والغطاسين الباحثين عن اللؤلؤ والمرجان.

والجدير بالتنويه هو أن معادلة إعداد المسلمين، غرب وشرق الجزيرة العربية، تشير إلى أن ثلثى المسلمين المعاصرين يعيشون في الشرق الأقصى- إندونيسيا وبنجلاديش وباكستان والهند وماليزيا، أي حيث انتشر الإسلام، على أيدى التجار والتجارة.

وقد انعكس ذلك على علاقة المسلمين بغير المسلمين من جيرانهم، فلم تحدث في الشرق الأقصى حروب دينية بين المسلمين وجيرانهم طوال القرون الثلاثة عشر الهجرية. بينما حدثت صدامات وحروب دينية، أو باسم الأديان، في شمال وغرب الجزيرة العربية. وربما كان أبرزها وأطولها ما يطلق عليه المؤرخون مصطلح الحروب الصليبية، التي استمرت حوالى ثلاثة قرون- من العاشر إلى الثانى عشر الميلادى.

ربما كانت تلك الفروق المهمة بين المسيرتين، إلا أن أقوام شعوب جنوب وشرق آسيا كانت معتقداتهم الدينية هي ما يطلق عليه علماء الأنثروبولوجيا مصطلح «الطوطمية»، وهى معتقدات بسيطة تدور حول تقديس مظاهر الطبيعة- من شموس وأقمار ورياح ونباتات وكائنات حية أخرى، ارتبطت بحياتهم واحتياجاتهم المعيشية اليومية.

ولم يكن في الدعوة إلى الإسلام ما يتناقض جوهريًّا مع تلك المعتقدات الطوطمية البدائية، بل على العكس، فسور وآيات القرآن الكريم زاخرة بمفاهيم تنوّه بالليل والنهار، والرياح، والماء الذي خلق الله منه كل شىء حىّ.

ذلك فضلًا عن أن أسلوب حياة ومعاملات التجار الذين بشّروا بالإسلام في بلدان الشرق الآسيوى عمادها التفاوض، والأخذ والعطاء. ولذلك لم يبدُ الإسلام لتلك الأقوام والشعوب صداميًّا، أو ممعنًا في واجباته ونواهيه، فهو لا يُجبر أحدًا على اعتناقه، فمَن أراد منهم أن يؤمن فليؤمن، ومَن أراد منهم أن يكفر فليكفر. كما أن الإسلام كما جسّمه أولئك التجار بدا لشعوب جنوب وشرق آسيا دينًا يحض على مكارم الأخلاق- الأمانة والصدق والتآخى والنظافة والتضامن والإحسان والإخاء والرحمة.

وكانت النتائج أنه خلال مائتى سنة، اعتنق الملايين من سكان تلك البلاد الإسلام كمعتقدات ومعاملات وطريقة حياة. وكما فعلت أقوام وشعوب أخرى، أضفى الشرق آسيويون على إسلامهم كثيرًا من طقوسهم، التي لم تتعارض مع أركان الإسلام.

وتمضى قرون الزمان، إلى أن بدأ الاستعمار الأوروبى بشركات التجارة، البرتغالية والإنجليزية والهولندية، وكانت تجارة الملح والتوابل مقابل مصنوعات أوروبية. ولكن أطماع الأوروبيين لم تتوقف عند التبادل التجارى، بل سرعان ما تحولت إلى سباق محموم لاحتلال معظم تلك البلدان لمزيد من السيطرة والهيمنة والاحتكار. ومع نهاية القرن التاسع عشر، كانت معظم بلدان جنوب وشرق آسيا قد أصبحت أجزاء من الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والهنولندية والبلجيكية- بنفس السيناريوهات التي حدثت في أنحاء العالم الأخرى.

وبعد ما يقرب أو يتجاوز تلك الهجمة الاستعمارية بقرنين من الزمان كانت رياح التحرر والمقاومة قد شملت تلك البلدان، فبدأت سلمية، ثم تحولت إلى مقاومة مسلحة، استمر بعضها عشر سنوات، إلى أن رحل المستعمرون من تلك البلدان مع منتصف القرن العشرين.

وبعد عدة سنوات من الصراعات الداخلية على السلطة، أو بين الرؤى المتباينة لبناء الدولة والمؤسسات بعد الاستقلال، بدأت في الربيع الأخير من القرن العشرين في تلك البلدان نهضات تنموية اقتصادية- بداية من الصين وكوريا، مرورًا بفيتنام وكمبوديا وماليزيا وإندونيسيا. وهو ما جعل الخبراء الغربيين يطلقون على تلك البلدان مصطلح النمور الآسيوية The Asian Tigers، وهو وصف مستحق، فقد تضاعف الناتج المحلى الإجمالى لكل منها مرة كل ست سنوات، وهو ما رفع مستويات التوقعات والمعيشة، ونسبة إسهام اقتصادياتها في التجارة العالمية.

وكان تطور التعليم وانضباط القوى العاملة والاستقرار السياسى من عوامل استمرار وتسارع تلك النهضة التنموية. وهو ما أغرى بدوره المستثمرين الأجانب للإقبال على توطين العديد من الصناعات في بلدان النمور الآسيوية.

بل جدير بالتنويه أن بلدًا مثل فيتنام، التي شهدت صراعًا دمويًّا مسلحًا، لمدة عشرين سنة، نصفها ضد فرنسا، ونصفها مع الولايات المتحدة، كان الأكثر جذبًا لرؤوس الأموال الأوروبية والأمريكية.

وتُعتبر إندونيسيا، أكبر البلدان الإسلامية سكانًا- ثلاثمائة مليون نسمة، هي القُطب الواعد في سماء التنمية الكوكبية، فقد ساعدت جغرافيتها الممتدة على ما يصل إلى ثلاثة آلاف جزيرة في المحيط الهندى، بين آسيا وأستراليا، والتنوع العرقى واللغوى والدينى على حيوية غير مسبوقة، بل قد أسهمت بعض تلك الجزر، ذات الشواطئ الرملية والنباتات الاستوائية، في جعلها أحد أهم المقاصد السياحية في العالم، فشكرًا لتجار حضرموت وعمان على أسلمة شرق آسيا.

وعلى الله قصد السبيل.

عن "المصري اليوم"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية