مناورة يائسة لإنهاء عزلة "الإخوان": على من تتلو مزاميرك يا منير؟

مناورة يائسة لإنهاء عزلة "الإخوان": على من تتلو مزاميرك يا منير؟


01/08/2022

في خضمّ الصراع المحتدم بين جبهتَي إسطنبول ولندن، والذي يمسك بأطراف جماعة الإخوان، بينما يضع مستقبلها على حافة تحولات عديدة، جاءت تصريحات لافتة للقائم بأعمال المرشد العام للجماعة، إبراهيم منير، المقيم في لندن، والذي أكّد أنّ جماعة الإخوان لن تخوض صراعاً على السلطة بعد إطاحتها من الحكم في مصر قبل نحو تسعة أعوام، بالإضافة إلى التخلي عن العنف، على حدّ زعمه، موضحاً أنّه لن يكون هناك أيّ استخدام "للعنف أو السلاح بل حتى لن يكون هناك صراع على الحكم في مصر بأيّة صورة من الصور".

دعاية الإخوان التلفيقية

وقال، منير، في مقابلة مع وكالة "رويترز" للأنباء": "إنّ الجماعة لن تشارك في الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها التي تديرها الدولة". وتابع: "هذه الأمور عندنا مرفوضة تماماً ولا نقبلها".

تتزامن تصريحات القائم بأعمال المرشد العام للجماعة مع جلسات الحوار الوطني التي أعلن عنها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في نيسان (أبريل) الماضي، وقد كشف منسق الحوار ضياء رشوان، نقيب الصحفيين المصريين، استثناء "كلّ من مارس عنفاً أو حرّض عليه أو شارك فيه أو هدّد به، خاصة جماعة الإخوان، وهي في مقدمة من فعل ذلك، ومستبعدة من الحوار بحسب قرار المجلس، ولا يمكن للقتلة أن يكون لهم مكان في ساحة الحوار".

الباحث محمد فوزي: تحركات إخوانية لمغازلة الدولة المصرية

بالتالي، تسعى جبهة لندن التي تطاولها اتهامات مباشرة بـ "العمالة" و"الفساد"، وكذا "نشر الفتنة والانقسامات" داخل جماعة الإخوان من قبل جبهة إسطنبول، إلى إيجاد نقطة لعبور أزمة التنظيم وإخفاقه السياسي المرير، حيث يطرح منير فكرة التحول إلى تيار فكري دعوي، والتخلي البراغماتي عن الصراع على السلطة، الذي انتهى بالفشل، وفقدان الحاضنة المجتمعية، والعزلة السياسية، في مصر ثم تونس والمغرب. غير أنّ جبهة إسطنبول ترى في مناورة منير التكتيكية محاولة "لإعاقة عمل الإخوان، وعرقلة مسيرتهم".

تتزامن تصريحات القائم بأعمال المرشد العام للجماعة مع جلسات الحوار الوطني التي أعلن عنها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في نيسان (أبريل) الماضي

والثابت منذ بدء أولى جلسات مجلس أمناء الحوار الوطني عدم القبول بانخراط جماعة الإخوان، تحديداً الذين تورطوا في العنف. كما أكّد منسق الحوار، مؤخراً، على أنّ "المصريين لن يقبلوا بفتح حوار مع الإخوان؛ لأنّهم هم من أسقطوا السنة السوداء التي قاد فيها الإخوان البلد بطريقتهم"، لافتاً إلى أنّ "الحوار الوطني يستبعد الإخوان، وهذا ليس على مزاج مجلس الأمناء أو قرار الرئيس، وإنّما هو قرار الشعب".

مغازلة الدولة المصرية

وعقب ترويج بعض اللجان الإخوانية لمزاعم بوجود اتصالات بين بعض دوائر صنع القرار في مصر، من جهة، وقيادات الإخوان في الخارج، من جهة أخرى، بخصوص الحوار الوطني، فضلاً عن إشارات من القيادي بالجماعة، يوسف ندا، بعدم وجود ممانعة لدى الجماعة فيما يتعلق بفتح قنوات اتصال مع الدولة المصرية، انبعثت مسألة مشاركة الإخوان في الحوار الوطني، حسبما يوضح الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي.

ويرجح فوزي، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ هذه التحركات الإخوانية جاءت، بشكل رئيس، لمغازلة الدولة المصرية، ورغبة الجماعة في تحريك المياه الراكدة، خصوصاً بعد الخسائر الكبيرة التي تكّبدها التنظيم، على كلّ المستويات، فضلاً عن حالة الأفول التي يعيشها تيار الإسلام السياسي في المنطقة.

ومما يؤكّد عدم صحة هذه المزاعم؛ "نفي الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه لها، وكذا منسق الحوار الوطني ضياء رشوان، ثم تأكيد مجلس أمناء الحوار على استثناء كلّ من لم يعترف بشرعية نظام ما بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، ودستور 2014، من الحوار الوطني، بالإضافة إلى كلّ من تورّط أو حرّض على العنف والإرهاب"؛ يقول فوزي.

ويضاف إلى ذلك، أنّ هذا الادّعاء يصطدم بحقيقة موضوعية ترتبط بحالة الاستقرار السياسي التي تشهدها الدولة المصرية على المستويات كافة، والبدء في تثبيت أركان "الجمهورية الجديدة"، على حدّ تعبير الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي.

 الباحث محمد ربيع الديهي: تصريحات منير تضمّنت الكثير من "التناقضات" و"الأكاذيب"

ويردف: "مصر تبنّت مشروعاً اقتصادياً طموحاً بشهادة المؤسسات الدولية، واستعادت مكانتها الإقليمية والدولية كإحدى أهم الدول الفاعلة في إقليم الشرق الأوسط والعالم، كما استطاعت بناء علاقات متوازنة مع سائر القوى الدولية، بعيداً عن سياسات الابتزاز والمقايضة التي كانت تتم من قبل بعض القوى عبر توظيف بعض الملفات، وكذلك بدأت الدولة في اتّخاذ إجراءات مؤثرة على مستوى فتح المجال العام، وهو ما تجسّد في الإعلان عن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وصولاً إلى إطلاق الحوار الوطني، بمشاركة مختلف القوى الوطنية وعلى رأسها المعارضة المصرية".

التملص من سيرة العنف

ومع هذه الحالة، فالدولة، بالأساس، ليست في حاجة إلى تضمين الجماعة، المصنّفة إرهابية في مصر، وعدد من الدول العربية، في الحوار، بينما لا تؤمن (الجماعة الإسلاموية) أساساً بمفهوم الدولة الوطنية، كما لا تعترف بشرعية النظام السياسي للبلاد، أو دستورها، وفق المصدر ذاته، فضلاً عن تورطها في العديد من أعمال العنف والإرهاب، تحديداً في السنوات الأخيرة.

وعلى افتراض أنّ جماعة الإخوان اعترفت بشرعية المنظومة السياسية في البلاد، ودستور 2014، وتبنّت مراجعات جذرية عميقة على مستوى موقفهم من العنف والإرهاب، أو حتى مسألة توظيف الدين سياسياً للوصول إلى الحكم، يتساءل فوزي: "أيّ فصيل أو جماعة ستشارك في هذا الحوار؛ هل جبهة إسطنبول أم جبهة لندن أم إخوان الداخل؟".

الباحث المتخصص في الأمن الإقليمي محمد فوزي لـ "حفريات": الدولة ليست في حاجة إلى تضمين الجماعة، التي لا تؤمن أساساً بمفهوم الدولة الوطنية في الحوار الوطني

ويختتم: "الجماعة تشهد، حالياً، أزمة بنيوية عميقة هي الأصعب في تاريخها؛ إذ تهدّد بقاء الجماعة كتنظيم بالأساس، وهو أمر يعصف بمزاعم الإخوان بخصوص إمكانية الانخراط في الحوار الوطني".

وبالفعل، ثمّة تطورات عنيفة تقع تحت وطأتها جماعة الإخوان التي باتت منقسمة لجبهتين، وذلك إثر إعلان جبهة إسطنبول عزل القائم بأعمال المرشد المقيم في لندن، وفصله نهائياً من منصبه ومعه أعضاء جبهته، الأمر الذي ردّت عليه جبهة منير بتشكيل مجلس شورى جديد للجماعة، تم فيه إعفاء أعضاء الشورى الستة من جبهة إسطنبول، ومنهم محمود حسين نفسه، من مناصبهم، ومن ثم، تعيين عدد من القيادات ليكونوا أعضاء بمجلس الشورى، غالبيتهم من المقيمين في إسطنبول، بالإضافة إلى آخرين من الأقطار والدول الأخرى ومن داخل مصر.

إذاً، "تصريحات القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان (الإرهابية) قد تضمّنت الكثير من "التناقضات" و"الأكاذيب"، بحسب توصيف الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، محمد ربيع الديهي. ويتابع لـ "حفريات": "هذه الأكاذيب تشبه محاولة دسّ السمّ في العسل من خلال حديث منير عن أنّ الجماعة  ترفض العنف، أو لم تتبنَّ العنف في مبادئها، وهذا الأمر مخالف تماماً للواقع ولما حدث في العشرية السوداء، والتي تؤكدها الأحداث والوقائع الموثقة، ومنها تصريح محمد البلتاجي، عبر منصة رابعة في تظاهرات الإخوان في مصر، وقد قال إنّ العنف الدموي في سيناء سوف يتوقف حينما يتم التراجع عن قرار عزل محمد مرسي".

ويضاف إلى ذلك، التحريض المحموم على العنف عبر قنوات داعمة للإخوان، مثل قناة "مكملين" و"الشرق"، بحسب الديهي، موضحاً أنّ منير الذي يسعى للتمكين بوسائل تبدو غير مباشرة قد أطلق "أكذوبة جديدة مفادها أنّ الجماعة لن تخوض أيّ صراع جديد من أجل الوصول للسلطة، وهذا الأمر، ربما، بمثابة محاولة منه لتهدئة الرأي العام المصري، والذي سبق أن تعرّض لأكاذيب مماثلة، كما هو الحال، عام 2011، بعد التأكيد على عدم خوض أيّة انتخابات، ثم أعلنت المشاركة في الانتخابات، كما خاضت صراعاً عنيفاً على السلطة، وقد وصل هذا الصراع حدّ استخدم العنف الدموي لولا تدخّل القوات المسلحة المصرية لحماية وجهة نظر الشارع المصري".

والنقطة الأهم، في حديث منير، تبدو في محاولة الترويج لأنّ أيّ حوار سياسي من دون جماعة الإخوان لن يحقق أي نجاح، مع الوضع في الاعتبار أنّ هذه المحاولة التلفيقية إنّما تجهل الواقع في الشارع المصري، الذي ينبذ الجماعة ويرفض التفاوض معها؛ حيث إنّ الصدام كان مع السلطة والمجتمع في آن، على خلاف صدامات سابقة للجماعة في مراحل تاريخية قديمة.

وبالتالي، فإنّ هذا الحديث هو محاولة لتضليل الرأي العام، المحلي والخارجي، من خلال الأكاذيب التي تسعى لإيجاد بوابة لعودة الجماعة من جديد للمشهد السياسي في مصر.

مواضيع ذات صلة:

هل ينقذ فقه الاستضعاف جماعة الإخوان المحتضرة؟

صراع الإخوان: هل يقطع حسين الطريق أمام منير وجبهته لتحقيق أهدافهم؟

حوار إبراهيم منير والخطة "ب" الإخوانية للتصالح مع مصر... متى تيأس الجماعة؟

 

الصفحة الرئيسية